أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السفارات السورية في أوروبا بين صراع الشرعية ومحاولات تسلل دبلوماسيي النظام السابق

بدأت مرحلة جديدة من الصراع

يتداول السوريون اليوم – بنوع من السخرية – عبارة: "شو صرنا أفغانستان؟" في إشارة إلى المبالغات التي يطلقها البعض حول وضع الحريات الدينية في البلاد.

لكن، مع كامل الاحترام للشعب الأفغاني وتجربته، فإن سوريا تختلف كثيرًا من حيث الوعي الشعبي والسياسي وتركيبة المجتمع المدني. ومع ذلك، فإن وجه الشبه الوحيد بين الحالتين يبرز في احتمال تحوّل بعض السفارات إلى ساحات صراع دبلوماسي بعد انهيار نظام الأسد، ومحاولات الفلول إعادة التسلل عبر البعثات الخارجية.

هذا التشابه المحدود لا يعني تطابق التجربتين، بل يسلّط الضوء فقط على ضرورة الحذر من الالتفافات الناعمة، التي قد تفتح الباب مجددًا لأدوات النظام القديم تحت عباءات جديدة.

ورغم سقوط النظام السوري وتشكّل إدارة جديدة تحظى بشرعية الثورة، ما تزال مخاوف حقيقية تُثار بشأن محاولات بقايا النظام وأذرعه في الخارج لاستعادة النفوذ عبر المسار الدبلوماسي، في تكرار محتمل لسيناريو أفغانستان، حيث استمرت بعض سفارات كابول في الخارج برفع العلم القديم ورفض الاعتراف بالحكومة الجديدة.

لكن في الحالة السورية، تختلف المعادلة. فالعلم الثوري لا يزال مرفوعًا، والشرعية الجديدة واضحة. ومع ذلك، بدأت تظهر بوادر تحرّكات مريبة في بعض السفارات، تحاول من خلالها شخصيات محسوبة على النظام السابق فرض أنفسها كـ "خط ثالث"، تحت شعارات فضفاضة مثل "المراجعة السياسية" و"تصحيح المسار".

النموذج الأفغاني: السفارات كأدوات صراع بعد سقوط النظام
في هذا السياق، من المفيد التذكير بما حدث في الملف الأفغاني، حيث رفضت عدة سفارات حول العالم الاعتراف بالحكومة الجديدة بعد سيطرة "طالبان"، واستمرت في رفع علم الحكومة السابقة. ومن أبرز هذه السفارات: لندن، برلين، بروكسل، بون، سويسرا، النمسا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، بولندا، أستراليا، السويد، كندا، والنرويج.

هذا النموذج يعكس كيف يمكن أن تتحول السفارات إلى أدوات صراع سياسي، ويؤكد ضرورة الحذر من محاولات مشابهة قد تشهدها الحالة السورية، حتى بعد سقوط النظام رسميًا.

تلون الفلول: من مدافعين عن النظام إلى متسلقين على الثورة
وفي هذا السياق، نذكر ما كتبه الصحفي على حافظ في مقال نشره على موقع الجزيرة نت بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2025، حول بشار الجعفري، أحد أبرز الوجوه الدبلوماسية التي مثلت النظام عقودًا طويلة. يقول حافظ: "لم يكن خيال أي متابع للشأن السوري ليذهب -على الأرجح- إلى أن الدبلوماسي المخضرم بشار الجعفري سينقلب ضد "ولي نعمته" الرئيس المخلوع بشار الأسد بهذه السرعة وهذه الطريقة، التي شملت تحوّلاً من الشيء إلى نقيضه، وكأنه لم يخدم نظام آل الأسد، ويدافع عن جرائمهم في المحافل الدولية، مستغلًا ثقافته ومهارته، كما لو كان محامي الشيطان.

فبعد ساعات من سقوط نظام الأسد الابن في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي وفراره إلى روسيا، فاجأ الجعفري العالم -وهو في منصب السفير السوري في موسكو- بهجوم على الأسدين".

هذا النموذج من التحوّل ليس حالة فردية، بل يعكس نمطًا عامًا من السلوك السياسي الانتهازي الذي تسلكه بقايا النظام، في محاولة للظهور بمظهر التائبين أو "الواقعيين"، بينما في جوهرهم يسعون لإعادة تدوير أنفسهم وتمرير مشروعهم من بوابات دبلوماسية ناعمة. وكما انقلبوا على الأسد، لن يترددوا في الانقلاب على من جاء بعده إن سنحت لهم الفرصة.

وتُطرح اليوم دعوات غير بريئة لإعادة هيكلة التمثيل السياسي، بدءًا بمطالب رمزية مثل تعديلات في الإعلان الدستوري ودين الدولة وصفة الرئيس، مستغلين زخم "أحداث الساحل"، في محاولة لتقويض منجزات الثورة وتقديم هذه الفلول كبديل "معتدل" أمام المجتمع الدولي.

هذه التحركات تستدعي يقظة حقيقية، خاصة أن المعركة لم تنتهِ بسقوط النظام، بل بدأت مرحلة جديدة من الصراع على تثبيت الشرعية الثورية ومنع أي اختراقات ناعمة قد تُعيد تدوير أدوات الاستبداد القديمة بواجهات جديدة.

الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
(8)    هل أعجبتك المقالة (6)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي