مع دخول البلاد مرحلة جديدة تقوم على أسس مختلفة عن الماضي، تتزايد الأصوات المطالبة بالتخلي عن الخطابات الإقصائية والطائفية، والعمل الجاد على ترسيخ قيم المواطنة والشراكة الحقيقية بين مختلف المكونات السورية. ويؤكد ناشطون ومهتمون بالشأن العام أن استمرار التعامل مع فئات مجتمعية من منطلق الانتماء الطائفي يُشكل خطرًا مباشرًا على مسار الاستقرار الوطني.
ويحذر هؤلاء من التعميمات التي تُختزل بها طائفة بكاملها، مؤكدين أن التعامل مع المجتمع العلوي بوصفه “فلولًا” لا يخدم إلا تعميق الأزمة وتعزيز الشرخ الاجتماعي.
"نحن نؤمن بأننا دخلنا مرحلة تأسيس دولة جديدة تقوم على العدالة والمساواة، ونتمنى من وسائل الإعلام أن تتوجه إلى الناس البسطاء من أبناء المجتمع العلوي، وليس إلى أولئك المستفيدين من النظام القديم الذين لا يمثلون أكثر من 10% من الطائفة"، يقول أحد الناشطين.
ويضيف: "لا أحد سيحمينا مثل إخوتنا السوريين، لكن لا يمكن بناء هذا الشعور ما لم يُعامل الجميع بالمساواة، ولا يمكن لأي طرف أن يُلغي الآخر، فالتعايش هو خيارنا الوحيد."
وقف التحريض الطائفي وتخفيف التوترات الأمنية
في السياق ذاته، يبرز ملف التحريض الطائفي كواحد من أهم التحديات التي تُغذي التوتر. ويطالب الأهالي بوقف هذا الخطاب فورًا، لما له من أثر مباشر في تأجيج الاحتقان وزرع الخوف بين الناس. "هذا الخطاب يُنتج توترًا خطيرًا، ويجب أن يتوقف بشكل كامل"، تقول إحدى الناشطات، مضيفة أن المطلوب اليوم هو تعزيز الأمان في الريف والمدن، خاصة بعد تزايد حوادث السرقة، الحرق، والتهديد بالقتل، ما تسبب بقلق بالغ لدى السكان.
وتوضح أن هذه الحوادث ساهمت في تعزيز مشاعر الخوف من الطرف الآخر، خصوصًا في ظل حالات الاستهداف العشوائي التي لا تُميز بين بريء ومذنب.
ملف الاعتقالات والتصفيات: هاجس مستمر
ويُعد استمرار الاعتقالات التعسفية والقتل مجهول الهوية من أبرز أسباب فقدان الثقة، خاصة في مناطق الساحل، حيث تُسجل يوميًا حالات اختطاف وقتل لأشخاص لا علاقة لهم بأي صراع. "بين خمسة إلى عشرة أشخاص يوميًا كانوا يُقتلون أو يُخطفون، دون معرفة من يقف خلف ذلك"، يؤكد أحد المتحدثين.
التسويات العسكرية والضمانات المدنية
أحد المطالب البارزة التي يطرحها الأهالي اليوم هو تسوية حقيقية وعادلة لأوضاع العساكر والضباط السابقين، دون أن تكون هذه التسويات مجرد فخ لاعتقالهم أو تصفيتهم تحت ذريعة "فلول النظام".
"من يُقدم على تسوية وضعه ليس متورطًا، ولو كان كذلك لما اتخذ هذه الخطوة"، يقول ناشط محلي، مضيفًا: "نحن لا نرفض محاسبة المتورطين فعليًا، ولكننا نرفض تصفية الأبرياء تحت هذه الذريعة."
ويطالب السكان بـ إعطاء جدول زمني قريب لمنح هؤلاء هويات مدنية، ما يُسهم في تهدئة الشارع وبناء الثقة مجددًا.
كما يشير كثيرون إلى أن معظم العساكر لا يرغبون بالعودة إلى الجيش، وهناك فقط نسبة قليلة قد تقبل بذلك، لذا من الضروري التعامل مع هذا الملف بمرونة وواقعية.
رفض الإقصاء من الوظائف المدنية
من أبرز القضايا التي أثارت استياءً واسعًا، كانت سياسة الطرد من الوظائف المدنية التي مارستها الحكومة في المرحلة الانتقالية، والتي اعتُبرت قرارًا متسرعًا وغير مدروس.
"الموظف المدني ليس مذنبًا، ولا يجب تحميله مسؤولية ممارسات النظام السابق"، يؤكد أحد المشاركين في النقاش. ويضيف: "إعادة هؤلاء الموظفين إلى وظائفهم يُفيد الجميع – السنة والعلويين – ويُحرك الدورة الاقتصادية ويُعيد الاستقرار الاجتماعي."
ويرى آخرون أن الحكومة لو حافظت على مؤسسات الدولة وطورتها تدريجيًا بهدوء، لكان ذلك أفضل من اعتماد الإقصاء كنهج عام بعد سقوط النظام السابق.
أهمية تعزيز الأمان وتجاوز الاستقطاب
يؤكد السكان على ضرورة وقف التصرفات الاستفزازية على الحواجز الأمنية داخل المناطق العلوية، مثل سؤال الناس عن انتمائهم الطائفي، لما لذلك من أثر سلبي مباشر على الأمان المجتمعي والنسيج الوطني.
كما يتحدث الأهالي بصراحة عن فقدان الثقة ببعض الجهات الداعمة سابقًا للنظام، حيث يقول أحدهم: "حتى روسيا هنا لم تعد تملك أي شعبية حقيقية، وهذه هي الحقيقة كما يراها الناس على الأرض."
ويشير آخرون إلى أن محاولات إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبدعم من جميل الأسد، لتغيير هوية المجتمع العلوي دينيًا فشلت تمامًا، مما يعكس تمسك هذا المجتمع بطبيعته الاجتماعية المحلية.
تراجع الثقة ببعض الشخصيات
يتحدث عدد من أبناء الساحل عن انعدام الثقة بشخصيات معينة كانت فاعلة في المرحلة السابقة أو تحاول لعب أدوار جديدة اليوم، وعلى رأسهم مقداد فتيحة، الذي تُثار حوله شكوك واسعة بأنه قد يكون مرتبطًا بجهات خارجية أو يسعى لأدوار لا تصب في مصلحة الاستقرار، إلى جانب الرفض الشعبي لأي عودة لرموز من عائلة الأسد أو المقربين منهم.
دعوات للتواصل الرمزي وتطمين الناس
ويؤكد المشاركون في النقاش المجتمعي أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الساحل كانت خطوة جيدة، لكنها تحتاج إلى استكمال بزيارات مباشرة للقرى والأحياء ذات الأغلبية العلوية، لتعزيز رسالة الثقة الوطنية وتأكيد أن الجميع شركاء في الوطن الجديد.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية