في عام 2015، كشفت صحيفة "زمان الوصل" تحقيقًا استقصائيًا حمل عنوان "الخديعة الكبرى"، استند إلى وثائق رسمية تعود إلى عام 2011، خلال فترة عمل بعثة الجامعة العربية في سوريا.
وكشف التحقيق عن واحدة من أخطر عمليات التضليل التي نفذها النظام السوري، إذ وزّع أكثر من 63 ألف بطاقة شرطية مزورة على ضباط وعناصر من جيشه وأجهزته الأمنية، بهدف خداع بعثة المراقبين العرب وتقديمهم على أنهم من عناصر "قوى الأمن الداخلي" و"الشرطة المدنية".
واليوم، تعيد "زمان الوصل" فتح هذا الملف، ليس فقط من باب التذكير، بل لتسليط الضوء على استمرار استخدام هذه البطاقات حتى اليوم لتبرئة المتورطين في جرائم بحق السوريين، كما حدث مؤخرًا مع أحد جلّادي المخابرات، الذي أظهر بطاقة مدنية لتضليل الجهات القضائية.
أكبر عملية تمويه موثقة
الوثائق التي تنشرها الصحيفة تتضمن قوائم تضم آلاف الضباط من جيش النظام والمخابرات، ممن تم تزويدهم ببطاقات قوى أمن داخلي مزيفة وأخرى مدنية. وتعد هذه القوائم الأكبر من نوعها حتى الآن، موثقة بالأسماء الثلاثية، الرتب، أرقام الهويات العسكرية، والوحدات التي يخدم فيها كل ضابط.
وتُظهر الوثائق أن النظام السوري طبع هذه البطاقات المزورة على أربع مراحل، بدأت قبيل وصول بعثة المراقبين العرب إلى دمشق بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2011، ليصل العدد الإجمالي للبطاقات الموزعة إلى 63,599 بطاقة، وُزّعت على:
- 5500 عنصر من الفرقة الرابعة التي يقودها فعليًا اللواء ماهر الأسد.
- 4500 من الحرس الجمهوري.
- 3500 من القوات الخاصة.
- نحو 4800 عنصر وضابط من المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية.
أما بقية البطاقات فتم توزيعها على قطاعات ومحافظات مختلفة، ضمن عملية تمويه شاملة.
ضباط برتب عليا في واجهة الخديعة
تكشف القوائم أن النظام لم يقتصر في عملية التمويه على العناصر الميدانيين، بل أشرك كبار ضباطه في هذه الخديعة، حيث شملت القائمة 91 ضابطًا من فئة "الضباط الأمراء"، بينهم لواءان و89 عميدًا.
- اللواء علي محمد درغام: القائد الفعلي للفرقة الرابعة، والمقرّب من رأس النظام، وقد شمله الاتحاد الأوروبي بالعقوبات منذ مطلع عام 2012.
- اللواء عمر عبدالله الجباوي: قائد سابق للفرقة العاشرة، ينحدر من مدينة إزرع بريف درعا.
بطاقات مزورة بعد انتهاء المهمة
رغم انتهاء مهمة بعثة المراقبين العرب بعد أقل من شهر (من 22 ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى 15 يناير/كانون الثاني 2012)، احتفظ العديد من الضباط والعناصر بهذه البطاقات المزورة، التي ما زالت تُستخدم حتى اليوم كوثائق تبرئة زائفة.
بصمة عائلات السلطة
كشفت مراجعة وتحليل القوائم عن وجود أعداد كبيرة من الضباط المنتمين إلى عائلات نافذة ومقربة من النظام:
من عائلة الأسد: المقدم مؤيد شفيق الأسد.
من عائلة شاليش: الملازم أول سائر أحمد شاليش، والنقيب وسيم بهجت شاليش.
من عائلة مخلوف: 16 ضابطًا، من أبرزهم العميد نورس حامد مخلوف والمقدم محمد عزيز مخلوف.
من عائلة بركات: 14 ضابطًا.
من عائلة خضور: 43 ضابطًا من مختلف الرتب.
كما تضمنت القوائم عشرات الضباط من عائلات أخرى معروفة بارتباطها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، مثل: جديد، معلا، حيدر، غانم، صقر، ميا، وزيود.
الخديعة مستمرة
ما تكشفه هذه الوثائق اليوم، بعد أكثر من عقد على المهمة الفاشلة لبعثة المراقبين العرب، أن النظام لم يكن يسعى فقط لإخفاء جرائمه، بل إلى صناعة رواية بديلة عبر تزوير الهويات والمناصب.
والأخطر أن بعض مرتكبي الجرائم ما زالوا يتسترون خلف هذه الرواية الزائفة للنجاة من المحاسبة، ما يعزز أهمية إعادة فتح هذا الملف، ليس بوصفه وثيقة أرشيفية، بل كقرينة دامغة لا بد أن تُدرج في أي مسار للعدالة الانتقالية.
صور حصرية واستعداد للتعاون
وفي هذا السياق، تنشر "زمان الوصل" عددًا من صور الضباط والعناصر الذين استلموا بطاقات مزورة، لتوثيق هذه الجريمة وللرد على أي محاولات للتبرئة أو التملص من المسؤولية.
كما تؤكد الصحيفة استعدادها لـتسليم القائمة الكاملة إلى الدولة السورية، في حال طُلب منها ذلك عبر جهة رسمية معنية بمسار العدالة والمحاسبة.

الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية