أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من الفصائلية إلى الاحتراف: خارطة طريق لبناء جيش وطني سوري

احتجاج من أجل ضحايا الساحل - الأناضول

في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة السورية لتوحيد البلاد سياسيًا واستعادة دور الدولة كمظلة جامعة لكل السوريين، تبرز أهمية الانتقال إلى مرحلة أكثر استقرارًا تُبنى فيها مؤسسات الدولة على أسس وطنية شاملة ومتماسكة. 

ومع دخول سوريا مرحلة إعادة الإعمار، لم يعد التحدي مقتصرًا على إعادة بناء البنية التحتية، بل أصبح من الضروري كذلك ترميم النسيج الوطني وتعزيز مفهوم الدولة بمؤسساتها السيادية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. 

لقد أظهرت التطورات الأخيرة، ولا سيما ما حدث في بعض مناطق الساحل من مظاهر فلتان أمني ناتج عن تصدع العلاقة بين بعض الفصائل المسلحة والسلطة المركزية، الحاجة الماسة إلى مقاربة جديدة في إدارة الشأن الأمني والعسكري. 

ولم يعد بالإمكان تجاهل واقع التعددية العسكرية والفصائلية الذي تراكم خلال سنوات الأزمة، والذي بات يشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة القرار الوطني وسيادة الدولة. 

وانطلاقًا من هذه التحديات، تبرز أهمية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس مهنية ووطنية. وفي هذا السياق، يأتي تشكيل مجلس عسكري يُناط به تنظيم وإدارة وزارة الدفاع السورية، بإشراف مباشر من الحكومة السورية، وبرئاسة السيد أحمد الشرع، كخطوة مفصلية نحو بناء جيش موحد واحترافي. 

ويجب أن يتم تشكيل هذا المجلس على قاعدة تمثيل كافة مكونات الشعب السوري، بحيث يشمل ضباطًا منشقين ممن أثبتوا التزامهم بالثوابت الوطنية، بالإضافة إلى قادة فصائل عسكرية راغبين في الاندماج ضمن مشروع الدولة، بما يضمن توحيد الصف العسكري ضمن إطار مؤسساتي منضبط. 

إن هذا المجلس لا يجب أن يكون مجرد هيكل تنظيمي، بل يجب أن يكون منبرًا لإعادة صياغة العقيدة العسكرية السورية، بحيث تتحول من عقيدة الولاء الفردي أو الفئوي، إلى عقيدة وطنية جامعة تؤمن بالدولة المدنية وتحترم سيادة القانون وتضع مصلحة سوريا فوق كل اعتبار.

 كما ينبغي أن يتولى المجلس مسؤولية تطوير آليات التأهيل والتدريب العسكري، وإعادة دمج العناصر السابقة ضمن جيش منضبط يخضع لسلطة مدنية دستورية. 

إلى جانب ذلك، يشكّل هذا التوجه فرصة تاريخية لإغلاق ملف الانقسامات العسكرية، وتقديم نموذج فعّال للمصالحة الوطنية الحقيقية عبر دمج كل الطاقات الوطنية في مشروع بناء جيش يحمي وحدة الوطن ويصون سيادته وحدوده، بعيدًا عن منطق الإقصاء أو الثأر، وبما يعزز ثقة السوريين بمؤسسات دولتهم الجديدة. 

إن هذه الخطوة ليست فقط ضرورة أمنية، بل هي استحقاق سياسي واجتماعي يُعبّر عن وعي الدولة بمسؤولياتها، وعن رغبتها في طيّ صفحة الماضي والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة وتوازنًا.

فراس حاج يحيى - زمان الوصل
(1)    هل أعجبتك المقالة (2)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي