أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إدلب.. بين الوفاء للوطن والاستمرار في دفع الثمن

من مظاهرات إدلب - أرشيف

في خضم الأحداث الأخيرة، تتصدر إدلب المشهد السوري كأكثر المناطق أماناً واستقراراً، بالرغم من التهديدات المستمرة التي تواجهها. تزامناً مع الهجمات الممنهجة التي شنتها فلول نظام الأسد ليلة الخميس على مناطق الساحل السوري، والتي أودت بحياة نحو 15 شاباً من أبناء قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع، معظمهم من إدلب، برزت هذه المنطقة مجدداً كمركز للتماسك الوطني، بعيداً عن الحسابات الطائفية أو الانقسامات المناطقية.

فمع سيطرة فلول نظام الأسد بشكل مؤقت على بعض المواقع في جبلة واللاذقية، وقطع الطريق الدولي "M4"، كانت إدلب أول من تحرك دعماً لقوى الأمن والدفاع، ليس بدافع الاصطفاف الطائفي، وإنما استناداً إلى رؤية وطنية تسعى للحفاظ على سوريا موحدة، لا ممزقة بين الدويلات والتقسيمات.

وعلى الرغم من أن معظم الشهداء الذين ارتقوا منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2025 كانوا من أبناء إدلب، إلا أن ذلك لم يُترجم إلى ردود فعل انتقامية أو طائفية، بل على العكس، كان انتشار القوات الأمنية والعسكرية يهدف إلى حماية سكان الساحل بمختلف انتماءاتهم، في موقف يؤكد أن إدلب ليست منطقة عزلة أو انغلاق، بل امتداد للروح السورية الحقيقية.

إدلب.. جرح الثورة ورايتها
إدلب لم تكن مجرد منطقة جغرافية، بل كانت ولا تزال قلب الثورة السورية ونبضها. إنها الأرض التي احتضنت أحلام السوريين بالحرية والكرامة، وقدمت التضحيات تلو التضحيات دون أن تنتظر جزاءً أو اعترافاً. ورغم كل ذلك، بعد سقوط النظام المخلوع، غابت عن الأضواء، ولم تجد من يواسيها في دمارها وجراحها أو من يقف إلى جانب أهلها المنهكين من وحشية النظام التي استمرت طيلة 14 عاماً بأبشع أدوات القتل والتدمير، من البراميل المتفجرة إلى الأسلحة الكيميائية والقنابل المحرمة دولياً.

ورغم ما واجهته إدلب، لم تُمنح الفرصة لتكون جزءاً من سوريا الجديدة التي حلم بها الثوار، بل جُرّدت من تضحياتها وصُوّرت على أنها ملاذٌ للوحوش، في تشويه ممنهج يخفي حجم المعاناة الحقيقية لأهلها.

إدلب بين الدمار والصمود
ما تزال إدلب حتى اليوم تدفع الثمن، فصواريخ الأسد لم تتوقف عن قتل أبنائها، لا من خلال القصف المباشر فحسب، بل عبر مخلفات الحرب والألغام التي زرعها النظام وميليشياته طيلة سنوات النزاع. مئات القرى والمناطق لا تزال غير صالحة للحياة، وآلاف العائلات محرومة من العودة إلى منازلها وأراضيها بسبب الموت الذي يتربص بها تحت التراب. حتى أشجار الزيتون، التي كانت رمزاً لحياة أهالي إدلب، لم تسلم من التدمير، فاقتُلعت بوحشية، ليُحرم أهلها من مصدر رزقهم، ومن رابطهم التاريخي مع الأرض.

ومع ذلك، تبقى إدلب شامخة.. عظيمة رغم الجراح، قوية رغم الألم، وحنونة رغم القسوة التي عاشتها. ستبقى إدلب سوريا التي نؤمن بها، سوريا التي لم تتخلَّ عن ثورتها، ولم تساوم على وحدتها، سوريا التي تنزف لكنها تأبى الانكسار.

محمد كركص - زمان الوصل
(19)    هل أعجبتك المقالة (14)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي