أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كيف يمكن النهوض بالقطاع الزراعي في سوريا؟

نشر موقع "نون بوست" مقالاً سلّط فيه الضوء على واقع القطاع الزراعي والحيواني في سوريا بين الماضي والحاضر، مقدماً بيانات عن حجم هذا القطاع والتخريب الذي تعرض له وخصوصاً بعد مجيء بشار الأسد إلى السلطة في العام 2000، وصولاً إلى أحداث الثورة السورية في العام 2011، التي انهار فيها هذا القطاع بشكل شبه كامل.

بدأت المرحلة الذهبية للقطاع الزراعي في سوريا بالتراجع مع موجة الجفاف التي ضربت المنطقة الشرقية، والتي تعتبر السلة الغذائية للبلاد، بين أعوام 2006 و2010، وبدلاً من اتخاذ نظام الأسد سياسات عاجلة للتعامل مع آثار الجفاف، قام بزيادة أسعار المازوت والأسمدة، مما أسهم في تسريع هجرة الفلاحين من الشمال الشرقي.

ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011 واستخدام نظام الأسد وسائل القتل والتدمير والتهجير، فشُرد آلاف المزارعين، وانخفضت نسبة السكان الذين كانوا يعيشون في المناطق الريفية إلى النصف، وهو ما أدى إلى خسائر فادحة في إنتاج المحاصيل والماشية، عدا عن التدمير الذي لحق نُظم الري، وتضرر مناطق زراعية واسعة، فازدادت تكاليف المدخلات الزراعية زيادة حادة، مثل البذور والأسمدة والمبيدات والمحروقات، لتقدر خسائر القطاع الزراعي بنحو 16 مليار دولار أمريكي.

وتراجعت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12% فقط، وتراجعت القوى العاملة فيه إلى 15%، وباتت سوريا التي كانت تصدر القمح، تستورده وبملايين الأطنان، فانحدر الإنتاج من 4.8 ملايين طن قمح إلى 800 ألف طن فقط، خلال العام الماضي.

أما القطن، فقد تراجعت أرقام إنتاجه بشكل كبير لتصل إلى نحو 14 ألف طن في عام 2024، بعد أن كان الإنتاج يتجاوز المليون طن سنوياً. وينطبق هذا الوضع أيضاً على زيت الزيتون، حيث ارتفعت أسعاره نتيجة لزيادة تكاليف الإنتاج وارتفاع نفقات الفساد. حتى أصبح المواطن بحاجة
إلى قرض مصرفي لتغطية ثمن عبوة زيت وزن 16 كيلو، والتي وصل سعرها في عام 2024 إلى أكثر من مليون و600 ألف ليرة (ما يعادل 110 دولارات).

في قطاع الثروة الحيوانية، الذي لم يكن في منأى عن الخسائر، انخفض عدد رؤوس قطيع الأبقار بنسبة 25%، والماعز 17% والأغنام 7%، نتيجة التهريب والذبح العشوائي والقصف، وبينما ارتفع الإنفاق لشراء الغذاء، انخفض على إنتاج الغذاء، ما دفع بأسعار المواد الغذائية للارتفاع
بشكل كبير، مع غياب استقرار توفرها في الأسواق المحلية.

الخبير الزراعي أكرم عفيف، وصف القطاع الزراعي في الوقت الحالي بأنه مريض في غرفة العناية المشددة، ويرتقي لمرحلة الموت السريري، فسوريا حالياً بلا إنتاج زراعي بحسب وصفه، كون الفلاح يتعرض لخسائر كبيرة وفادحة، ومحاصيله حالياً لا أحد يُقدم على شرائها، داعياً الحكومة للتدخل الفوري لإنعاشه قبل فوات الأوان.

ورأى عفيف في تصريحه لموقع "نون بوست"، أن الفلاح غير قادر على زراعة أرضه، لعدم قدرته على تحمل تكاليف الإنتاج وغياب التمويل، تزامن ذلك مع دخول منتجات زراعية من الدول المجاورة إلى السوق السورية بأسعار متدنية، جعلت من الفلاح يعيش بحالة من الخطر، وقد كان
لضعف القدرة الشرائية، رغم انخفاض الأسعار، أثر سلبي على الفلاحين الذي يملكون الثروة الحيوانية، حيث انخفضت أسعار الأعلاف ولكن انخفض التصريف أيضاً، ما دفع بالكثير من الفلاحين، لبيع ما يملكونه من أبقار وأغنام.

وأشار عفيف إلى أنه من أهم التحديات التي تواجه الحكومة، هي توفير التمويل اللازم للعملية الإنتاجية، وتخفيض تكاليفها، من أسمدة ومحروقات، بالإضافة إلى التكاليف العالية للنقل، مع أهمية رفع مستوى الدخل للمواطنين حتى يستطيع الفلاح تصريف ما يزرع.

ومن التحديات عدم وجود سياسة تسويق ناجعة، مع أهمية معالجة سياسة التسعير التي كانت متبعة لدى النظام السابق والتي لم تتغير حتى الآن، إضافة إلى عدم إعطاء ثمن المحاصيل للمزارعين حتى الآن، منها محاصيل التبغ والقطن، وتوقف تجارة المحاصيل الزراعية التي كانت ناشطة.

وأكد عفيف أن الحلول تكون عبر تلافي الصعوبات السابقة وإيجاد حلول ناجعة لها وخاصة التمويل والزراعة التعاقدية وإعطاء أسعار مجزية، وإيقاف تدفق المنتجات الزراعية الوافدة من الدول المجاورة، والتي تأتي دون رسوم، أو فرض رسوم عليها، سواء الخضار أو اللحوم،
البيضاء والحمراء، وحتى مشتقات الحليب من ألبان وأجبان، كون أسعار هذه المواد المستوردة هي أرخص من المواد المنتجة محلياً، والفلاح لا يملك عوامل تخفيض الأسعار للمنافسة، وبالتالي تعرضه للخسائر وخروجه من دائرة الإنتاج.

وأكد على أهمية تغير نمط الزراعة، نتيجة التغيرات المناخية التي تطرأ على سوريا، والدراسة بشكل معمق وذكي للوصول إلى زراعة تتلاءم مع التغير المناخي ونقص المياه الحالي، وإيجاد طرق ري حديثة، مشدداً على اهتمام الحكومة بالزراعة، أولاً وآخراً لأنه لا أمن غذائي دون زراعة بشقيها.

من جانبه اعتبر الخبير في الإنتاج الحيواني والتنمية الزراعية، عبد الرحمن قرنفلة، أن القطاع الزراعي السوري أصبح بلا هوية، فقد خلّف النظام البائد زراعة متهالكة وبنى تحتية مدمرة وبعثر النسيج الاجتماعي نتيجة عمليات التهجير القسري للسكان وتبدل التركيب الديموغرافي.

وتنطلق معالجة واقع القطاع الزراعي، حسب قرنفلة، من خلق إرادة سياسية تعتمد مبدأ (الزراعة أولاً) في خطط العمل الحكومي، وإعادة تنظيم القطاع من خلال تأسيس اتحادات نوعية تساهم بتحمل مسؤولية إدارة النشاطات الزراعية، مثل اتحاد مربي الدواجن واتحاد مربي الأبقار
الحلوب واتحاد مزارعي القمح، وتوحيد جهات الإشراف على القطاع الزراعي المتوزعة على عدد من الوزارات، ودراسة وتحليل القوانين الناظمة لعمل القطاع وتطويرها لتتناسب والواقع الراهن وتطورات المستقبل.

إضافة إلى إعادة بناء المجتمع الريفي الذي مزقته حرب النظام البائد، لأن الإنسان محور الحياة وأهم أدوات التنمية، لذلك لا بد من وضع استراتيجيات محلية على مستوى القرى لإعادة إعمار البنى الأساسية في الريف، وثم العمل على تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار معقولة، واتباع
سياسة دعم المنتج النهائي بدل دعم مستلزمات الإنتاج لمنع حدوث حالات فساد، وسرعة معالجة قضايا تصدير المنتجات الزراعية ووضع حلول عاجلة لمعوقاتها وخاصة العلاقة مع دول الجوار، وتشجيع الصادرات الزراعية لأنها الدافع الأقوى لنمو القطاع.

وأشار قرنفلة إلى أهمية التركيز على زراعات "الميزة النسبية" التي تراعي استدامة الموارد وخاصة الموارد المائية، من خلال تحديد البصمة المائية والبصمة الأرضية لكل نوع من الزراعات أو من أنواع الثروة الحيوانية، وتشجيع زراعة القمح أولاً، ثم المحاصيل التي تحقق قيم مضافة للاقتصاد، وتساهم بخلق فرص عمل وتدمج تربية الحيوان في خطط الزراعات المختلفة.

يشار إلى أن المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات في سوريا تبلغ حوالي 6.5 مليون هكتار، وهو ما يشكل 32.8% من المساحة الإجمالية لسوريا، وكان يحتل القطاع الزراعي المرتبة الثانية بعد النفط من حيث الإيرادات التصديرية في ميزان الصادرات السورية.

واستطاعت سوريا الوصول إلى أرقام إنتاجية عالية، استمرت لسنوات طويلة، فإنتاج القمح في عام 2000 وما بعده، بلغ نحو 4.8 ملايين طن، وهو ما يزيد عن استهلاك البلاد الذي يبلغ سنوياً نحو 3.12 ملايين طن، أما إنتاج القطن الذي يأتي في الدرجة الثانية على سلم الصادرات السورية
بعد النفط، فقد حقق رقماً قياسياً بلغ 1.1 مليون طن.

أما قطاع الثروة الحيوانية فقد كانت سوريا تملك أكثر من 18 مليون رأس من الغنم العواس، و2.3 مليون رأس ماعز، و1.15 مليون رأس من البقر.

هذه الأرقام رفعت من مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ليصبح 26%، وأصبح يعمل بالزراعة نحو 28% من إجمالي القوى العاملة، وشكلت المنتجات الزراعية 25% من إجمالي عائدات التصدير وحوالي 7% من إجمالي الواردات.



اقتصاد - أحد مشاريع "زمان الوصل"
(7)    هل أعجبتك المقالة (7)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي