أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يوميات لاجئ... الأمن أولا

اقتربت من الالتحاق بركب الشبان الذين وجدوا في مهنة الأمن "السيكيوريتي" حلا منطقيا لمشكلة العمل في فرنسا.

مهنة جيدة مطلوبة في سوق العمل، تناسب إمكانياتي اللغوية والجسدية حتى كتابة هذه السطور!

لكن البعض رأى أن كمية التجهم والعبوس على وجهي غير كافية لإقناع الناس بشخصيتي السيكيوريتية الأمنية!

أحيطكم علما بأن رصيدي من التجهم بسبب الخوف يزيد على الأرصدة المالية لكل من "ايلون ماسك"، "بيل غيتس" وصاحب "أمازون" مجتمعين!

لا تنسوا أني قادم من بلد مهووس بالأمن، كان يمتلك 13 جهازا أمنيا على مدى أربعين عاما عشتها هناك في ظل النظام الساقط. 

إلا أن الوظيفة الرئيسية لأجهزة الأمن تلك، ويا للمفارقة، كانت بث الخوف بين الناس وإحصاء أنفاسهم!

 بالمناسبة، الأمن والأمان كانت ذريعة الموالين للنظام البائد في سوريا ضد المتظاهرين، حتى أن محطاته التلفزيونية  الرسمية كانت تكرر بث مقابلات مع شخص يتفاخر بأن أخته تخرج الساعة الثالثة فجرا لشدة الأمن!

لا أحد ينكر أن بلادنا كانت تبدو آمنة كنظرة من الخارج، لكنه أمان كان باهظ الثمن لا يراه إلا دافعو ذلك الثمن من الضحايا داخل البلاد.

سأشرح ببساطة سبب الأمان والعلاقة بين النظام الساقط والشعب.

إنها تشبه العلاقة بين رجل تزوج امرأة رغما عنها وعن أهلها.

يظهران أمام الآخرين كما لو أنهما في شهر العسل، بينما يسومها الزوج شتى أنواع الضرب والعذاب داخل جدران منزله!

بالعودة إلى موضوع وظيفة الأمن، يبدوا أني سأكون مضطرا إلى رفع مستوى التجهم.

سأقطع الطريق على الابتسامة، وأرتدي قناعا عبوسا قمطريرا، يدب الرعب في صفوف اللصوص المحتملين.

ولأن الطبع يغلب التطبع، ربما أجد حلا آخر، كأن أرتدي قناعا يغطي الطيبة والسماحة التي تسيطر على وجهي، فالحياة صعبة ولا بد من العمل!!

وكأي مسؤول قبل استلام منصبه، سأكشف عن كل ممتلكاتي لكي لا يسألني احد يوما ما "من أين لك هذا؟".

أملك أنفا يزعجني طوله، سأكون سعيدا إذا تهشم يوما ما، إثر خوض معركة محتملة مع أحد اللصوص في العمل الجديد.

عندئذ سيعيد الأطباء ترميم أنفي ليبدو أقصر دون أن أدفع ثمن عملية التجميل!

بالنسبة للأسنان، ليس لدي شيء أخسره، فقد فقدت أسنان الفك العلوي إثر لكمة قوية قديمة من أحد رجال الأمن في بلد الأمن والأمان!

أسنان الفك السفلي، قررت الانتحار وسقطت حزنا على زميلاتها في الأعلى قبل أن يسقط النظام..!

كل ما تبقى لي اللسان والصوت العالي، وهما الأهم لكي أنفق رصيدي من الحرية في بلدي الجديد بعيدا عن نفاق الأمن والأمان شرق البحر المتوسط!!

جودت حسون - زمان الوصل
(15)    هل أعجبتك المقالة (14)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي