أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما بين بشار الأسد ومفيد عبد الكريم.. وواقعة بيع النفط لإسرائيل

ينشر "اقتصاد" في تقرير خاص رواية نجل وزير النقل الأسبق، الدكتور مفيد عبد الكريم، حول حيثيات الأحداث والتطورات التي واجهته خلال فترة توليه لمنصبه (1992 – 2000)، والتي انتهت بتوقيف الوزير عبد الكريم، في حزيران/يونيو عام 2000، والحكم عليه في كانون الأول/ديسمبر 2001، بالسجن 10 سنوات وبغرامات كبيرة، بتهمة تقاضي رشاوى في صفقة شراء طائرات "إيرباص"، جرت في العام 1996.

وقد جاء توقيف الوزير عبد الكريم، بالتزامن مع ترويج نظام الأسد يومها، لحملة مكافحة فساد، يقودها بشار الأسد، الذي كان يجري تجهيزه لتولي السلطة مكان والده. وقد طالت تلك الحملة رئيس الوزراء الأسبق، محمود الزعبي، الذي زعمت سلطات النظام أنه انتحر، في آذار/مارس 2000. وطالت الحملة حينها، أيضاً، نائب رئيس الوزراء، سليم ياسين.

التفاصيل التالية، نقدمها وفق رواية الخبير المالي والاقتصادي، الدكتور محمود مفيد عبد الكريم، وبقلمه.

ولم يُجرِ "اقتصاد" أي تعديل على مضمون شهادة الدكتور محمود مفيد عبد الكريم.

ولا يتبنى "اقتصاد" ما سيأتي، وينشره على ذمة الراوي.

المرحوم الدكتور مفيد عبد الكريم، وزير النقل الأسبق، وُلد عام 1943 في محافظة طرطوس. شغل منصب رئيس قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، كما درّس مادة الاقتصاد السياسي في كليتي الاقتصاد والحقوق، وعمل محامياً خلال الثمانينيات. تم تعيينه وزيراً للنقل في حكومة محمود الزعبي عام 1992.

بداية الخلاف بين بشار الأسد والدكتور مفيد عبد الكريم بعد أربعين يوماً من وفاة باسل الأسد، التقى الدكتور مفيد ببشار الأسد لأول مرة، حيث طلب منه شخصياً إقالة مدير محطة مؤسسة الطيران في لندن. ومع مرور السنوات، بدأ العمل على تجهيز بشار الأسد لخلافة والده، وازداد تدخله في شؤون الدولة، فارضاً تعيينات إدارية في الوزارات والمؤسسات دون الرجوع إلى الوزراء المختصين.

كما فرض تدخلاته في المناقصات الاقتصادية الكبرى، مما تسبب في صدامات مباشرة مع الدكتور مفيد.

في عام 1996، طرحت وزارة النقل مناقصة لتبديل الرادارات الجوية لمطارات دمشق وحلب واللاذقية. كان بشار الأسد يتابع هذه المناقصة عن كثب، وقد رست على شركة "إلينا" الإيطالية، التي كان رامي مخلوف وكيلها.

في عام 1997، تلقى الدكتور مفيد تقريراً من العماد علي دوبا، يشير إلى أن الشركة تستورد معداتها من إسرائيل، مما يجعل التعاقد معها مستحيلاً. كما أشار تقرير من هيئة الرقابة والتفتيش إلى أن لجنة فض العروض تعرضت لضغوط للموافقة على التعاقد مع الشركة. وبناءً على ذلك، قرر الوزير إيقاف الصفقة، مما أثار غضب رامي مخلوف وبشار الأسد.

بعد ساعات من القرار، تلقى الدكتور مفيد اتصالاً من أبو سليم دعبول، مدير مكتب حافظ الأسد، مستفسراً عن سبب الإيقاف دون الرجوع إليهم. فأوضح الوزير أن القرار اتُّخذ بناءً على اعتبارات أمنية مرتبطة بالدولة والجيش، وأن بإمكانهم مراجعة الجهات الأمنية المختصة. أثار هذا الموقف استياء بشار الأسد ورامي مخلوف، حيث كانت الخطة تقضي بأن تتولى الشركة الإيطالية تزويد المطارات المدنية بالرادارات، مما يُجبر وزارة الدفاع على التعاقد معها أيضاً لتوحيد الشبكة الرادارية المدنية والعسكرية.

تصاعد التوتر والتدخل في التعيينات لم يتوقف الأمر عند إيقاف المناقصة، بل ازداد حقد بشار الأسد على الدكتور مفيد يوماً بعد يوم. بدأ الأسد

بتضييق الخناق عليه، متدخلاً في جميع التعيينات الإدارية داخل الوزارة، فارضاً قراراته على التعيينات دون أي اعتبار لموقف الوزير.

كما أجبره على منح استثناءات متكررة لشركائه، مما زاد من الضغط عليه.

في عام 1997، وعند وصول الوزير إلى مكتبه، أبلغه مدير مكتبه بأن رامي مخلوف في انتظاره. عند اللقاء، طلب مخلوف الحصول على عقد تشغيل السوق الحرة في مطار دمشق الدولي. حاول الوزير التهرب بالإشارة إلى أن هذا الملف بيد الطيران المدني، إلا أن مخلوف قاطعه مؤكداً أن "الدكتور بشار" هو من أرسله، مهدداً الوزير بطريقة مباشرة.

لم تمضِ ساعات حتى تلقى الدكتور مفيد اتصالاً من أبو سليم دعبول، الذي نقل إليه رسالة مباشرة من حافظ الأسد، مفادها أن عقد السوق الحرة يجب أن يُمنح لرامي مخلوف مقابل إيجار سنوي لا يتجاوز مليون ليرة سورية، لأن "الموضوع يخص الدكتور بشار شخصياً".

بيع النفط لإسرائيل

مع فرض الحصار على العراق في عام 1990، بدأ التجار السوريون بإرسال المواد الغذائية إلى العراق مقابل النفط، الذي كان يُباع لاحقاً إلى تركيا أو يُصدّر عبر مرفأ طرطوس.

في عام 1998، تلقى الدكتور مفيد تقريراً من مكتب مراقبة السفن، يفيد بأن إحدى البواخر غادرت ميناء طرطوس مباشرة إلى ميناء حيفا في إسرائيل بعد تحميلها بشحنات نفط عراقية، وقد كررت هذه العملية أكثر من خمس مرات.

عند التأكد من هذه المعلومات، أصدر الوزير قراراً بحجز الباخرة وتحويل طاقمها للتحقيق، وأرسل ملف القضية إلى رئاسة مجلس الوزراء ومكتب رئاسة الجمهورية. في مساء اليوم ذاته، زاره مضر رفعت الأسد في مكتبه بالوزارة، وأبلغه أن الباخرة تخصه شخصياً، مقترحاً عليه
إنهاء القضية مقابل أي مبلغ مالي يطلبه. رفض الوزير هذا العرض، وأبلغ مكتب الرئاسة بالواقعة.

بعد خمسة أيام، تلقى اتصالاً من مدير مرفأ طرطوس يُخبره أن طاقم الباخرة عاد إليها، وأنه صدر قرار من مجلس الوزراء برفع الحجز والسماح لها بالمغادرة. أعاد الوزير طرح القضية في اجتماع مجلس الوزراء، إلا أن الجميع تجاهل الأمر وكأنه لم يكن. لاحقاً، أكد وزير الزراعة الأسبق أسعد مصطفى في مقابلة تلفزيونية أن مضر الأسد كان يبيع النفط لإسرائيل.

محاولات لتهدئة التوتر

مع تصاعد العداء والكره للدكتور مفيد من قبل بشار الأسد، حاول العديد من المقربين من الأسد التوسط لتخفيف التوتر.

اقترحوا أن يقوم الوزير  بتقديم مبلغ مالي شهري يُدفع لبشار الأسد مباشرة كنوع من الترضية و"إبداء الولاء"، في محاولة لاحتواء حقده المتزايد. جاء هذا الاقتراح عبر وليد عثمان، محافظ درعا السابق ووالد زوجة رامي مخلوف، لكن الدكتور مفيد رفضه رفضاً قاطعاً، ما أدى إلى تفاقم الخلاف بينه وبين بشار الأسد.

نهاية الصراع

حاول الدكتور مفيد جاهداً التمسك بقراراته ورفض تقديم أي تنازلات أو استثناءات لبشار الأسد ولشركاء الأسد، رغم الضغوط المتزايدة. لكنه كان يصطدم في كل مرة بسلطة أقوى، حيث كانت الأوامر النهائية تصدر مباشرة من مكتب حافظ الأسد عن طريق أبو سليم دعبول، الذي كان يتولى
إيصال التوجيهات التي لم يكن بالإمكان مخالفتها، مما جعل الوزير في موقف حرج وصعب داخل منظومة الحكم.

الخلاصة

كان الدكتور مفيد عبد الكريم نموذجاً للمسؤول الذي واجه ضغوط السلطة ورفض الإذعان للفساد، مما جعله في صدام مباشر مع بشار الأسد وشبكته الاقتصادية. لم يكن الخلاف فقط لاعتبارات إدارية، بل كان معركة بين مصلحة الدولة وسلطة العائلة، حيث كانت النتيجة محسومة لصالح النظام الفاسد، على حساب أي محاولة للإصلاح.



 



اقتصاد - أحد مشاريع "زمان الوصل"
(11)    هل أعجبتك المقالة (11)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي