أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هكذا يمكن الانطلاق بالاقتصاد السوري.. الخبير الدولي "الرفاعي": الأمن والطمأنينة أولاً ومن ثم تدور عجلة الإنتاج

غسان الرفاعي

يجزم الخبير الدولي السوري، "غسان الرفاعي" أن الأمن هو منطلق "سوريا الجديدة" الاقتصادي، فرأس المال ليس جباناً برأيه، بل الأمن والأمان وبيئة العمل الجاذبة، هي أبسط مطالب الرساميل ورجال الأعمال ليؤسسوا أعمالهم من دون مجازفة، مشيراً خلال حديث خاص لـ"زمان الوصل" أن سوريا بلد "واعد ومهم" لكن نظام الأسدين، الأب والابن، أجهزا على سمعتها أولاً على الصعيد الدولي وقيضا بناها وهياكلها الاقتصادية، حتى بدت، للأسف، بيئة طاردة ومناخ منفّر.

لذا، يلفت "الرفاعي"، الذي تبوأ منصب وزير الاقتصاد السوري، منذ عام 2001 حتى عام 2004، خلال حكومتي، "محمد مصطفى مير و"محمد ناجي عطري"، أن المهام الملقاة على "الحكم الجديد" كبيرة وشاقة و"أعتقد لا بداية سوى من الأمن ومن ثم الترويج لسورية الغنية".

*ترتيب الأولويات
يؤكد الوزير السوري الأسبق "الرفاعي"، على ضرورة "إدارة الطمأنة والهدوء" الهدوء السياسي والهدوء في التبدل الاقتصادي السوري، وذلك ريثما تتحدد ملامح الدولة، لأن أي تغيير عن طريق "الصدمة" قد يأتي بمفاعيل عكسية حسب رأيه، فسوريا تعاني من جمود "إن لم نقل موتاً سريرياً" منذ عشر سنوات، لذا الأفضل، للاقتصاد والحكومة وحتى الشعب، التحول المنهجي والمخطط له بدقة عناية، لأن الهدم بعد البناء "صعب ويأخذ وقتاً طويلاً"، وكما أن ملامح الدولة والأمان والقانون تجذب الاستثمار، ملامح الدولة هي دافع الجذب ومحرّض الرساميل.

وحول القطاعات الضرورية والتي يراها الخبير بالبنك الدولي لأكثر من 30 عاماً، "غسان الرفاع، فيقول: "المتداول والمعروف هما قطاعا الصحة والتعليم، وهذا الرأي صحيح وضرورة، لأن وضع السوريين الصحي والتعليمي يعتبر منطلقاً ضرورياً، ولكن بالنسبة لسوريا" التي تعاني من التهديم والخراب، لابد من إطلاق قطاعات أخرى بالتوازي مع التعليم والصحة، فالزراعة بالنسبة لسوريا هي أحد أطواق النجاة، ففضلاً عن أن سوريا بلد زراعي، وزاد إنتاجها من القمح عن 4 مليون طناً، ونحو مليون طن قطن وحمضيات وزيتون، فهي بلد متنوع بمناخه، ما يعني إمكانية كفاية السوق ومنذ العامين الأوليين لانطلاقة ما بعد سقوط نظام الأسد، بل وربما التصدير أيضاً.

وينبه الوزير "الرفاعي" من عدم تصدير الإنتاج الزراعي "خاماً" بل الربح وتسويق سمعة سوريا الجديدة، يكمن بالاستفادة من القيم المضافة للإنتاج الزراعي وحتى الحلقة النهائية، فإن تصدير القطن خاماً غيره أن تصدره غزول وغيره أن تصديره نسيجاً أو أن تصدره أقمشة، لأن القيمة المضافة الكبرى تأتي من تحويل الأقمشة إلى ألبسة "مجرد مثال" ينسحب على القمح وتحويله لمنتجات غذائية والمحاصيل الزيتية والدوائية وغيرهم.

ويرى "الرفاعي" أن إيلاء الأهمية لإعادة بناء القطاع الصناعي، أولوية وقصوى بالنسبة لسوريا، لأنها تمتاز بوفرة المواد الأولية ورخص اليد العاملة، والأهم العراقة والخبرة الصناعية الممتدة لقرون، سواء بالصناعات النسيجية أو الجلود أو الغذائية، والتركيز على الصناعة يغني عن الاستيراد ويشغل العاطلين عن العمل ويعود بالقطع الأجنبي على سوريا، وكل هذا النتائج يمكن اعتبارها أولويات، لأن البطالة آفة الاقتصاد واستثمار الثروات حكمة اقتصادية وتأمين القطع استقرار وقوة للنقد وضمان للاستثمارات.

وعن التجارة الخارجية يقول الخبير الدولي "ستأتي نتيجة حتمية بعد تطوير الزراعة والصناعة"، ولكن يحذر من إدمان الاستيراد وتخفيض الرسوم الجمركية، لأن بذلك تعطيل لانطلاق الصناعة السورية المنهكة وتبديد للقطع الأجنبي.

*نعمة الجغرافيا
يلفت الوزير السوري الأسبق "غسان الرفاعي" إلى ضرورة استثمار الجغرافيا السورية، والتي يصفها "هبة الله للسوريين"، فبلاده الممر شبه الإلزامي بين أوروبا "عبر تركيا" إلى آسيا والمنطقة العربية، ويمكن من خلال الترانزيت وصناعة خدماته وتخديمه، أن تدر الجغرافيا دخلا وتؤمن فرص عمل، تساعد بنقل السوريين من حال إلى آخر.

ولكن، يلفت إلى أن استثمار الجغرافيا والطرق والعبور يلزمه تأمين البنى التحتية وإعادة النظر بالقوانين والشراكات مع دول الجوار، وذلك ليس بالأمر الصعب أو الذي يحتاج وقتاً وأموالاً، ما يعني يمكن البدء به بالتوازي مع القطاعات الضرورة.

وعن نعمة الجغرافيا يضع الخبير "الرفاعي" الموانئ السورية كمتمم للطرق البرية "إن لم نقل أهم" فمن ينظر للخريطة وموقع سوريا وموانئها، يستنتج الأهمية لجهة اختصار الوقت بالنسبة للبواخر أو التكاليف التي تنعكس على أسعار السلع والمنتجات، ملمحاً لتبديد تلك الثروة من خلال تأجير الموانئ السورية خلال حقبة الأسد، لعقود طويلة أو تخلف البنى وعدم الدخول ببعض الاتفاقات الدولية وإجادة استثمار نعمة الموانئ.

ومن نعم الجغرافيا السورية كما يصفها "الرفاعي"، التنوع المناخي الذي ينعكس على الزراعة "جميع المحاصيل يمكن زراعتها وتطويرها بسوريا" وأيضاً السياحة، فمن نعم الجغرافيا، بحسب الأرقام والبيانات السورية، جعلها موطناً للأديان وتعاقب الحضارات، ولكن للأسف، لم يزد السياح بسورية عن 9 ملايين، ولم تتعد عائداتهم 8 مليار دولار، بمعنى مساهمة السياحة بالناتج الإجمالي السوري كانت بين 11 أو 12 % بأحسن الأحوال، في حين يمكن رفع هذه المساهمة للضعف، شارحاً ل"زمان الوصل" أهمية السياحة بترويج الإنتاج والمعالم وحتى السياسة، فهي برأيه "صناعة من دون دخان" ومن القطاعات التي تحتاجها سوريا اليوم لتصويب النظرة التي تكونت عبر السنوات السابقة.

*صناعة المال وخدماته
ينسب للوزير "غسان الرفاعي" أنه من أدخل، أو ساهم خلال حقبته الوزارية بدخول المصارف الخاصة وقوننتها بسوريا، إضافة إلى شركات التأمين وإعادة التأمين، لذا يستفيض بالشرح حول أهمية القطاع المصرفي والمالي ويراه أهمية قصوى، ولكن عبر العامل بحذر ومن دون ردود أفعال على الفترة السابقة، سواء لجهة القوانين الناظمة للاستثمار المصرفي والمالي أو التعامل مع المصارف القائمة، ولكن بالوقت نفسه، لا بد من إعادة النظر بالمنظومة بأكملها، لأنه وللأسف، شابها فساد كبير وكانت أهم القطاعات التي دخلها المال الفاسد وسيطر على قرارها وعلاقتها وطريقة عملها، رجال النظام السابق.

ويكرر "الرفاعي" مراراً "لن أستفيض بالقطاع الذي أحب" فدور وأهمية المصارف لا تخفى على اقتصادي، فلها دور رئيس بتطوير واستقرار الاقتصاد، وهي عملياً المسؤولية عن تنفيذ السياسات النقدية وبعض المالية، فضلاً عن دورها الحاسم بالتحكم بالتضخم عبر سعر الفائدة وغيره، وتزيد من شروط التمو والاستقرار المالي بأي بلد.

ومن هذه الأدوار وغيرها، لا بد برأيه من إعادة النظر بالمصارف الحكومية الموجودة اليوم "صناعي، زراعي، توفير، عقاري وتجاري" معتبراً أن هاتيك التخصصات وجدت لأسباب تاريخية وربما ايديولوجية، ولا ضير، بل واجب، إعادة النظر بتقسيمها ودمج المتشابهة بعملها ومهامها والخروج بمصرف أو مصرفين كبيرين بتخصصات وخدمات وسلع متعددة، تلبي حاجة السوق السورية الواعدة، خاصة لجهة التمويل.

ويلفت أن سوريا جذبت مصارف خاصة وشركات تأمين مهمة على صعيد المنطقة "بيمو السعودي الفرنسي، بنك سوريا والخليج، المصرف الدولي للتجارة والتمويل، بنك سوريا والمهجر، البنك العربي-سوريا، بنك عودة سويا وبنك قطر الوطني وغيرهم" كما جذبت مصارف إسلامية "سوريا الدولي الإسلامي، بنك الشام، بنك البركة - سوريا والبنك الوطني الإسلامي"، لذا برأي الخبير "الرفاعي"، القصة ليست بالمصارف بل بآلية عملها والتعامل معها، ولكن بجميع الأحوال، المرحلة المقبلة مختلفة بالمطلق عن الفترة السابقة، لأن إعادة إعمار سوريا وإطلاق العمل الصناعي والزراعي وحتى التجاري، يحتاج تمويل، وحتى على الصعيد الشخصي، يحتاج السوريون قروضا لترميم بيوتهم وأخرى لمشروعاتهم الصغيرة، ما يعني أن قطاع المصارف والتأمين، من الضرورات القصوى، ولكن أكرر، من دون استعجال أواستئثار أو تضييق.

*هوية الاقتصاد السوري
ينبه الوزير السوري الأسبق إلى أن "من العجلة نسف هوية الاقتصاد السوري" رغم أنه،كما يقول، لم يكن من هوية واضحة المعالم للاقتصاد السوري قبل عام 2011، فقد كانت  مخلطة خلال حكم الأسد الأب والابن، ولكن كانت واضحة ما قبلهما، ولكن بشكل عام في سوريا وبعد ما قيل عن النهج الاشتراكي، ومنذ عام 1991 وقت أصدرت سوريا قانون الاستثمار رقم 10، أعلنت عن التخلي عن الاقتصاد الاشتراكي، وسارت "باختلاط" بين الاقتصاد الموجه والحر وأعلنت عام 2007 اقتصاد السوق الاجتماعي "وإن اسمياً".

وأما اليوم، فقد تكون ردود الأفعال بنسف بنية وهوية الاقتصاد السوري والتوجه إلى الاقتصاد الحر "كما نسمع"، وهذا قد لا يكون من المناسب أو المثمر، فبعض القطاع الحكومي ضرورة اقتصادية واجتماعية، كما بعضه خاسر ومعيق، فأن يتم التعميم بالخصخصة أراه غير صائب، مثله مثل الاحتفاظ بشركات وأعمال بالقطاع العام تعتبر استنزافاً للثروات والمال العام.

ويلفت أن نهج الدولة الأبوية، خاصة بتشغيل العمالة، ليس صائباً، ولكن لا بد من استيعاب الداخلين سوق العمل من الكفاءات وعدم تسريح جميع العمال، فذلك سيسبب أزمات معيشية واجتماعية، وما بينهما دراسة خارطة العمالة والتخلص من "المقنعة" عبر التدوير والتأهيل.. وبمجمل الأحوال حينما تبدأ الاستثمارات بالتدفق وتدور عجلة الإنتاج وعملية إعادة الإعمار، سيكون الخيار واسعاً أمام العمالة والكفاءات، سواء الموجودة اليوم داخل سورية أو التي المهاجرة أو التي سيستقطبها المناخ السوري.

ويبيّن "الرفاعي" أن مباني وموجودات بعض القطاع الحكومي، يمكن أن تكون رافداً مهماً بالوقت الحالي، فيما لو تخصخصت، أو حتى لو اعتمدت سوريا الجديدة مبدأ الشراكة، سواء مع القطاع الخاص السوري أو الشركات والدول بالخارج.

وينصح الخبير الدولي اعتماد مبدأ "بي أو تي-B O T" أي بناء تشغيل وإعادة بعد تشغيل المستثمر لفترة زمنية، وببعض القطاعات، كالنقل على سبيل المثال، فهو مناسب للحال السورية اليوم، كما يمكن أن يكون عامل جذب إضافيا لشركات ودول عريقة ويهمها بناء وإعمار سوريا.

*القروض ومد اليد للخارج
يأتي رأي الوزير السوري الأسبق، "غسان الرفاعي" بالقروض والتعامل مع المؤسسات الدولية المالية، مختلف عن غيره، فهو العامل بالبنك الدولي منذ عام 1972 حتى إسناد منصب وزير الاقتصاد بسوريا إليه عام 2011، وتنقل بمناصب ومهام عديدة بالبنك الدولي، حتى بلغ المستشار الرئيسي للاستراتيجية الإقليمية والسياسات القطاعية. بعد أن أدار ملفات مالية خلال مناصبه الإدارية العليا التي تشرف على صياغة الاستراتيجية والعمليات والمساعدة التقنية وتشجيع الاستثمار. ووصل لمنصب نائب رئيس الوكالة الدولية لضمان الاستثمار بالبنك الدولي.

لذا يقول باختصار "القروض ليست سيئة كما يصورها البعض" لطالما تستخدم بقطاعات تنموية وتعود بالنفع والعائدات بما يزيد عن ديونها وخدمات الديون، ولكن، تتحول إلى "كارثة مع الاستمرار والزيادة" إن وظفت بمطارح غير إنتاجية أو تنموية، بل تتحول حينذاك إلى عامل استلاب للقرار الاقتصادي وحتى السياسي.

ويضيف أن سوريا ربما بحاجة ماسة للقروض والمساعدات الدولية، ولكن بشروطها ووفق الحاجة التي يفرضها الواقع، والأهم أن لا تدمن الحكومة السورية، الحالية أو التي تليها، على القروض والقبول بشروط المقرضين، لأن بعض القطاع العام ضرورة لسوريا بهذه المرحلة، كما خصخصة بيعه الذي وجد لأسباب تاريخية وايديولوجية، أيضاً ضرورة وملحة.

وهذه السياسة تحددها الحكومة بناء على الواقع والضرورة والحاجة، وقد لا يجوز لنا أن ننظر أو ننصح من دون الاطلاع على ظروف الحكومة وسياستها وأولوياتها، ولكن بجميع الأحوال، لا بد من تصويب النظرة الخاطئة حول القروض، لأن أكبر اقتصادات العالم مدانة وبنسب تفوق نصف ناتجها الإجمالي.

*توصية ورجاء
ويختم الخبير الدولي "غسان الرفاعي" حواره مع "زمان الوصل" ب"وصية أخ ومجرّب" وهي تأهيل الكوادر السورية وضرورة امتلاكهم ما أسماه "لغة العصر" من لغات أجنبية وتقنيات البرمجة، لأن السوريين و"للأسف" عانوا من التجهيل كما عانوا خلال العقد الماضي خاصة، من التفقير، وزادت الفجوة المعرفية بينهم وبين شعوب المنطقة والعالم، ومعلوم أن صناعة التكنولوجيا وعائداتها اليوم، تفوق أي قطاع، بما في ذلك عائد الثروات الباطنية وتصدير النفط والغاز، لذا وكي يجيد السوريون التعامل مع الوافدين إليهم، من شركات واستثمارات وكي يحسنوا استثمار امكاناتهم وثرواتهم، لابد من التأهيل والتدريب والإيفاد للخارج، مشيراً إلى تفوّق السوريين خلال الثورة بجميع دول العالم وتميزهم بأعمالهم ودراستهم، وهو ما يزيد الأمل بسوريا الجديدة.

عدنان عبد الرزاق - زمان الوصل
(29)    هل أعجبتك المقالة (23)

محمد عبد الرزاق

2025-02-17

ومن الأدوات المساعدة الهامة على تسريع عجلة النهوض بالدولة و تحقيق العديد مما ذُكر هو عودة الخبرات والطاقات السورية التي أثبتت تفوقها أحيانا وفعاليتها أغلب الاحيان الأخرى في كل مكان وجدت فيه وهي من المهام التي يجب ان تعمل عليها الحكومة الجديدة بكل الوسائل والله ولي التوفيق.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي