أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريو فرنسا.. قلوب على وطن تحرر وعيون تترقب القرارات الفرنسية

يترقب أكثر من 45 ألف سوري، وفقا للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا)، قرارات الحكومة الفرنسية، بشأن السماح لهم بزيارة وطنهم سوريا، بعد سنوات طويلة من المعاناة والمكابدة اليومية، جراء قرارات النظام المخلوع بمنعهم من العودة، وتصنيفهم في خانة المعارضة والارهابيين.

"نطف قلبي، اذوب كشمعة، لا تريد الانطفاء، كل يوم نسأل، عن القرارات الجديدة، أريد زيارة ضريح موسى وعلاء، غادرتهم مجبرة، اريد العودة اليوم، وليس غدا، لا تهمني السياسة، ومواقف هذه الدولة أم تلك، هذه قضايا إنسانية، فلا تقتلونا مرتين، مرة بالسماح بتهجيرنا، وأخرى بمنعنا من ذرف الدموع على أحبتنا وبيوتنا التي تهدمت، ومدننا التي هجرنا منهم".

تكفكف السيدة "ابتسام المصري" (54 سنة)، دموعها المنهمرة، بمنديل تبدو واضحة عليه علامات الضغط العصبي بين اصابعها، كأنها تحاول ضد كثير من مكبوتات النفس البشرية، أمام لحظات تحول، لا تملك معها سوى الضغط والصبر.

تضيف السيدة المقيمة في مدينة "أميان" إحدى مدن الشمال الفرنسي: "وصلنا هنا منذ عشر سنوات، ومنحتنا فرنسا حق اللجوء السياسي، لكن قلوبنا هناك، لم يمر يوم دون أن أبلل مخدتي بالدموع، كل يوم، أنت لا تصدقني، نعم كل يوم، كيف تنام أم بلا روحها، تركتهم هناك في مقبرة قريتي "عتمان" بريف درعا، بعد أن تحولوا لأشلاء من اللحم البشري، كان نظام الأسد قد أنزل برميلا متفجرا على بيتنا ليلا، نصف البيت تحول لرماد، "موسى 12 عاما وعلاء 15 عاما"، جمعنا أشلاءهم من تحت الرماد، لم يتركوني أقبلهم، لم أشبع من البكاء عليهم ككل الأمهات".

تعاود السيدة المتشحة بالسواد، منذ عشر سنوات، موجة بكاء أشبه بالهستريا، نتوقف عن الحديث، استراحة اضطرارية، لتعاود بعد سكينة رواية معاناتها.

"ساعدونا الجيران، ورحلونا إلى مخيم "الزعتري" الأردني، كنت قريبة منهم قليلا، أتطلع كل يوم للعودة، أناديهم يا علاء يا موسى يا روحي، كنت اسمع صوتهم، بلدة "الرمثا" الاردنية قريبة على بلدة "عتمان" في درعا، كانوا يصرخون بقلبي، ماما لا تتركينا، ليتني بقيت هناك، اليوم بعيدة عنهم ولا أعرف ماذا أفعل، بقية العائلة في المدرسة، لدي ثلاث فتيات في المدارس الفرنسية، ماذا أفعل، أأقسم قلبي بين هناك وهنا".

*آلاف المنكوبين
لا تختلف مأساة "المصري" عن آلاف العائلات السورية في فرنسا، فإن اختلفت بتفاصيلها لكنها تتطابق بعموميتها، فحتى العائلات المجنسة، بدت مكسورة الجناح أمام كلف اقتصادية مرتفعة لعودة عائلة متوسطة، سواء لجهة تذاكر الطيران، وكلف الوصول لمدنهم السورية، واماكن الاقامة لمن صودرت بيوتهم او دمرت بفعل القصف الهمجي الذي مارسه نظام الاسد البائد.

"حسام مصطفى" (55 عاما)، يحمل الجنسية الفرنسية، لكن زوجته واولاده بدون جنسية، وهو ما يحتم الانتظار وترقب قرارات الحكومة الفرنسية إن كانت ستنظر بقضية السوريين والسماح لهم بزيارة بلدهم.

يقول مصطفى: "لا استطيع العودة بمفردي، هذا متاح نظريا، لكنها أنانية لم نعتد عليها في العائلة، وقد تشاركنا هموم التهجير ومعاناته منذ وصولنا لتركيا، ثم وصولنا لفرنسا، نريد أن نكون معا دوما".

تلتقط الطفلة سارة 13 عاما حديث والدها، تظهر ابتسامتها وتتورد خدودها، تطرح سؤالها للجميع "هذه اول مرة، سأكون كزميلاتي، عندي وطن، اسافر إليه خلال الإجازة المدرسية، دوما كان زملائي بالمدرسة يسألونني أين أمضيت عطلتي الصيفية، ويعودون بالهدايا التذكارية من بلدهم سوى أنا، سنكون هذه الصيفية، في حمص، أليس كذلك بابا ؟.

*غياب القرارات الرسمية
لا أجوبة رسمية كالمعتاد في فرنسا، خصوصا وأن الحالة السورية وقعت فجأة، وسيترتب على الدول المستضيفة للاجئين السوريين تقديم مشاريعها لبرلماناتها للمصادقة على أية قرارات تتناول السوريين، وتراعي كافة ظروفهم ومتغيراتهم خلال السنوات الماضية، والمرحلة المقبلة، تمهل يمكن وصفه بالطبيعي من الجميع باستثناء السوريين، يريدونها عاجلة علها تشفي جمر سنوات تهجيرهم ومعاناتهم.

*حذر السوريين في فرنسا من فقدان صفة اللجوء
 بحسب صحيفة l'Orient-Le Jour الفرنسية نقلا عن رئيس جمعية روفيفر المهتمة بحماية اللاجئين في فرنسا فإن "مخاوف فقدان صفة اللاجئ واردة لكل من يغادر الاراضي الفرنسية، دون موافقة سلطاتها".

وحذّر الرئيس الفخري لجمعية روفيفر "ميشيل مورزيير"، السوريين الذين يعيشون في البلاد ويرغبون في الذهاب إلى بلادهم، على الأقل مؤقتاً، بحثاً عن أحبائهم الذين اختفوا، بأنهم بذلك يخاطرون بفقدان وضعهم كلاجئين.

وتابع "مورزيير" : "إذا التزمنا بالقانون اليوم، فإن اللاجئ الذي يعود إلى بلده الأصلي بعد أن طلب اللجوء في فرنسا، لا يحق له الحصول على وضعه عند عودته". مشددا على أن "الأمر يتطلب موقفا أخلاقيا" والتزاماً إنسانياً من قبل السلطات الفرنسية، يتمثل في القول بأن اللاجئين السوريين يمكنهم الذهاب إلى سوريا دون أن تكون هناك أي مشاكل عند عودتهم إلى فرنسا.

"علي الخطيب" (38سنة)، مترجم لغة فرنسية، يشارك "روفيفر" قراءتها معتبرا "الأمور ليست باليسر المتوقع، هذه إجراءات تحتاج لتمهيد وتهيئة سياسية في فرنسا، لتستطيع الحكومة تمرير حزمة القرارات المتعلقة باللاجئين، وقد زال سبب لجوئهم قانونيا، والحكومة الفرنسية بالاصل وليدة أيام ماضية، لم تنل ثقة البرلمان كاولوية".

ويلفت الخطيب:" من خلال مراقبتي لتعاطي وسائل الاعلام الفرنسية للمستجدات السورية، اعتقد ما زال القرار والتحول بعيدا، اللغة الاعلامية ما زالت تعتمد مقارباتها القديمة تجاه كل الحركات الاسلامية، وتنشط في اصطياد بعض العثرات التي لا تخلو منها المجتمعات المستقرة، هذه أجواء ستعيق الحكومة حتى وإن رغبت ببعض القرارات لتسهيل عودة السوريين وزيارتهم لوطنهم الجديد".

"لا اخاف على السوريين، سيجدون طرقا واساليب ضغط على المؤسسات الفرنسية، من عرف كيف يحرر وطنه من أكبر طاغية عرفه التاريخ المعاصر، سيعرف طريقه للوصول".

خاتما حواره بالابتسامة السورية المعتادة، حين تحار بتفسيرها، غضبا، ام تحد وإصرار، ام سخرية مما يحيط بها.

محمد العويد - زمان الوصل
(5)    هل أعجبتك المقالة (6)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي