تعد الباحثة الاجتماعية السورية "حذام زهور عدي" واحدة من النساء السوريات اللواتي جاهدن طوال أكثر من نصف قرن في سبيل تلقي النساء التعليم وخروجهن للعمل المهني والسياسي وتثقيفهن، وممن دافعن عن حقوق المرأة السورية في وقت كانت فيه مدينة حماة التي تنتمي إليها تعيش في ظروف من التقييد والمحافظة، ودعت لإصلاح القوانين التي تحد من حريتها، مثل القوانين المنظمة للزواج والحضانة والولاية والطلاق وغيرها.
ولدت زهور عدي في مدينة حماة عام 1940 وذلك التاريخ يتضمن فيما بعد خروج الاحتلال الفرنسي من سوريا الذي شاهدته وهي صغيرة ثم الفرح العامر للشعب السوري بالاستقلال وعيد الجلاء وبعد ذلك نكبة فلسطين وجيش الإنقاذ، ثم تلا بعد ذلك الأحداث المختلفة التي مرت على سوريا.
وتروي الباحثة التي تعيش في فرنسا منذ سنوات لـ"زمان الوصل" أن جيلها كان الجيل الذي حمل الآمال الكبيرة من أجل القضايا القومية بالدرجة الأولى، والتي هي قضية التحرر وقضية الوحدة من الناحية السياسية، وهذه البيئة التي كانت بيئة مليئة بالتفاعلات السياسية والاجتماعية المختلفة تركت أثرها على كل أسرة تقريباً في مدينة حماة، وبخاصة الأسرة المتعلمة المثقفة، ومنها عائلتها التي احتضنت اتجاهات فكرية واجتماعية وسياسية مختلفة وكان مكاناً للحوار الديمقراطي الدائم.
وتروي مؤلفة كتاب "الزمن السوري" أن منزل عائلتها كان يستقبل من الأقارب من له اتجاه إسلامي ديني تقليدي، ومن هو من الأحزاب المختلفة التي نشأت بعد الاستقلال ومن هو مستقل، لكن بشكل عام كان الحوار الديمقراطي دائماً هو الذي يميز البيئة العائلية لذلك المنزل.
وتضيف أن والدها الشيخ "محمد سعيد زهور عدي" كان من رجال الدين المتنورين تماماً، ويشبه اتجاهه خط الشيخ "محمد عبدة" و"جمال الدين الافغاني"، وكان قد درس في تركيا بإسطنبول وعمل وهو شاب في تلك المناطق، ونقل لأبنائه التجارب التي مرت عليه في تلك الفترة ثم بعد زمن فقد بصره نتيجة مرض ألمّ به فكانت حذام -كما تقول- تصطحبه إلى الأمكنة التي يحب أن يذهب إليها ليتابع نشاطه الثقافي.
*"الماجستي" و"نهج البلاغة"
وعرفت حماة آنذاك العديد من الملتقيات والندوات وجلسات العلم والفكر مثل ندوة مسجد النوري لمفتي المدينة الشيخ "سعيد النعسان" وكبار مشايخها الآخرين، الذين كانوا يتدارسون معاً كتب المنطق والفلك وكتب البلاغة أحياناً.
وتروي محدثتنا أنها لم تكن في سن يسمح لها بفهم الكتب المتداولة في تلك الندوات ولكن بقي في ذهنها كتاب اسمه "الماجستي" في علم المنطق وكتاب "نهج البلاغة " للإمام "علي بن أبي طالب"- رضي الله عنه.
وكان والدها المثقف المستنير مشتركاً في الصحف والمجلات المصرية التي كانت تصل إلى حماة في ذلك الوقت، وكانت تقرأ بعضها ومنها مجلة "المرأة" التي كانت تحررها الكاتبة المصرية "أمينة السعيد".
بعد التحاقها بجامعة دمشق لمست محدثتنا -كما تقول- الأجواء التي كانت تعيشها الجامعة آنذاك من نشاط فكري وسياسي وأدبي وفني، إضافة إلى الرحلات المختلفة داخل سوريا وخارجها التي كانت تشارك بها بالإذن من عائلتها، وروت أن والدها كان يحب أن يجعل أبناءه يرون العالم بطرقهم مع مراعاة الأعراف والأخلاق.
ولم يقتصر تشرّب "حذام زهور عدي" على الثقافة التراثية التي نشأت عليها بل امتد إلى الثقافة الغربية من خلال الكتب المترجمة، وخلال دراستها الجامعية توسعت ثقافتها وبدأت بتكوين فكر مستقل تقريباً عن الآخرين.
*الوعي بقضايا المرأة
وحول بداية الوعي بقضايا المرأة وهمومها لفتت محدثتنا إلى أن هذا الإهتمام بدأ في سن مبكرة من حياتها حيث كان والدها يوجهها إلى قضية العدالة ورفض الظلم والحكاية التاريخية عن النساء المتميزات في التاريخ، ولمست آنذاك الظلم الذي كانت تعيشه النساء وبخاصة الفتيات اللواتي كن يجبرن على الزواج المبكر ويمتنعن عن الدراسة، رغم أن الكثير منهن كن ذكيات، ويمكن أن يتابعن تعليمهن ويستفيد المجتمع من ذكائهن ومن تطلعاتهن الإبداعية، عدا عن الظلم والجور اللذين كانا يلحقان بنصف المجتمع.
وتتوقف محدثتنا لتشير إلى أن هذه الأمثلة وغيرها من ظلم المرأة جعلها تشعر بمسؤوليتها في حمل قضية أولئك النسوة ومحاولة إنصافهن من خلال عمل مستمر اجتماعي وفكري وسياسي، وهو الذي جعلها تنحو هذا الاتجاه، إضافة إلى الثقافة التي اكتسبتها سواء من والدها أو من خلال قراءاتها في ميدان الثقافة المتعلقة بالمرأة والمجتمع والدين.
*حقوق المرأة في الإسلام
واستذكرت محدثتنا أن والدها الراحل كان يجلسها إلى جانبه ويقول لها "سأشرح لك يا ابنتي كل حقوق المرأة في الإسلام حتى لا يأتي يوم وتسمعين من هنا وهناك أن هذا حلال وهذا حرام وهذا يجوز وهذا لا يجوز ولا يكون ذلك من صلب الدين"، ومن ذلك -كما تقول- أن من حق المرأة أن تضع في عقد الزواج ماتريده من الشروط إذا رضي الرجل بهذه الشروط، لأن الزواج في الإسلام هو اتفاق بين اثنين وهذا الاتفاق قائم على الرضا والقبول.
أداة تسلط
وحول مطالب المرأة السورية قبل الثورة التي اقتصرت على التصدي لتزييف صوتها وتحويلها إلى أداة تمكّن النظام الأسدي من الاستمرار في تسلطه، رأت زهور عدي أن المعاناة والآلام التي عاشتها المرأة السورية فترة الثورة وماقبلها كانت صعبة وقاسية جداً بالنسبة لها، فما ماتحملته هذه المرأة من قضايا الاضطهاد الذي كان شديداً جداً من ناحية الاعتقالات والاغتصاب والتعذيب والقتل والإهانات والتجويع عندما لم يبقى للأسرة من يعيلها والخروج من المنازل، إلى جانب ظروف اللجوء الذي كان وحده من أكثر الحالات إذلالاً للمرأة، ولاسيما عندما تكون هذه المرأة وحيدة مع أطفالها ومع من تعيله دون وجود رجل بجانبها ليعينها في ماهي فيه ، وما يفرزه ذلك من منعكسات نفسية وفيزلوجية بالغة التأثير.
ولاحظت بعض الدراسات التي قدمتها المؤسسات السورية والغربية أن حوالي 20٪ من النساء عانين أمراضاً عصابية قد تصل إلى الذهان وهو نوع من أنواع الاختلال العقلي ولاسيما في مخيمات اللجوء بتركيا ولبنان.
*فكرة تصنيع المرأة
ولفتت الباحثة "حذام زهور عدي" إلى أنها ضد فكرة تصنيع المرأة التي طُرحت منذ فترة من قبل إحدى السيدات المرتبطات بالإدارة الجديدة لسوريا، وهذا الأمر هو ضد إنسانية الإنسان سواء كان امرأة أم رجلاً أم مجتمعاً بشكل عام فلا يمكن تصنيع المرأة بالشكل الذي تريده السلطة، لأن المرأة والرجل هما بشر ولديهم احتمالات وآراء مختلفة، ولهذا نتحدث عن حرية الرأي والديموقراطية، ومن هنا لا يمكن أن نتحدث عن فكرة تصنيع المرأة وفق ما يرون أنه مطابق للشرع الذي هو بعيد عن ذلك.
وعن القضايا التي لا تزال تحتاج إلى نظر بالنسبة لوضع المرأة العربية من وجهة نظرها تقول حذام عدي: "كثيرة هي القضايا التي لا تزال بحاجة إلي إعادة نظر وتطوير بالنسبة للمرأة العربية منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلي الإنسانية، فقانون الأحوال الشخصية بحاجة لتطوير بعد أن أصبحت المرأة تعمل وتساهم في اقتصاد المنزل، وقانون التقاعد، وعدم منح جنسية الأبناء للمرأة السورية إذا كان زوجها غير سوري ومن الخطأ -كما تقول- الخلط بين النسب والجنسية فالجنسية عمل سياسي له علاقة بالمواطنة، أما النسب فهو مسألة بيولوجية مختلفة كلياً، وهناك دول غربية وإسلامية تمنح المرأة جنسيتها فيها لأولادها باستثناء سوريا.
وهناك أيضاً –كما تقول- عدم الموافقة على اصطحاب المرأة لأبنائها دون أذن الزوج حتى لو كان الزوج بعيداً أو متوفياً، وفي حالة الوفاة يسند للعم مهمة إعطاء الأذن، مما يخلق مشاكل كثيرة، وكذلك قضية ولاية المرأة التي أثبتت بأنها تستطيع أن تقوم بأي عمل مهما كان كبيراً أو صغيراً ولم يأت أي تحريم لهذه الولاية وعلى العكس من ذلك فالقرآن الكريم يشير بامتداح إلى بلقيس التي كانت ملكة سبأ.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية