أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سنديانة المسرح.. رحيل الكاتب والمخرج السوري " فرحان بلبل " عن 88 عاماً

فرحان بلبل

فقدت مدينة حمص اليوم الجمعة الكاتب والمخرج المسرحي "فرحان بلبل" بعد معاناة طويلة مع المرض عن عمر ناهز الـ 88 عاماً ليخسر المسرح العربي بغيابه واحداً من رواده الذين جاءوا بعد جيل المؤسسين، وشكل علامة فارقة في تاريخ المسرح السوري والعربي في العقود الأخيرة، إذ عمل كاتباً ومخرجاً في آن معاً واستطاع أن يرسخ الأدب المسرحي في سوريا من خلال عشرات الأعمال المسرحية المكتوبة والمجسدة والمعربة.

ولد الراحل " فرحان بلبل" في حي شعبي من مدينة حمص السورية في أسرة توارثت العلوم الدينية الإسلامية. فجده ووالد جده وأبوه من علماء الفقه الإسلامي والتصوف وبحسب زوج ابنته الفنان "صبحي حمدون" الذي عمل معه في المسرح العمالي لسنوات انتقل الراحل فرحان بلبل بعد أن نال الشهادة الثانوية إلى دمشق لإتمام دراسته الجامعية في الجامعة السورية كما كانت تسمى في تلك الأيام، ودرس فيها اللغة العربية لشغفه المبكر بالأدب.

ومنذ المرحلة الإعدادية حتى الجامعية كان نهماً للثقافة بجميع صنوفها، فدرس الفقه الإسلامي والتراث الأدبي العربي في شعره ونثره وحفظ منه آلاف الأبيات الشعرية وكثيراً من النثر مع حفظ أكثر من ثلثي القرآن. ودرس الفلسفة منذ عهد اليونان حتى العصور الحديثة.

واهتم بالأدب الغربي من رواية وكتب فكرية اهتماماً كبيراً، كما تابع الأدب العربي المعاصر في مختلف الأقطار العربية وخاصة في مصر.

*الجدران القرمزية
بعد تخرجه من الجامعة عام 1960 قسم اللغة العربية وآدابها عُيِّن الراحل مدرساً لمادة اللغة العربية للمرحلة الثانوية، وبدأ عندها نشاطه الأدبي فكان شاعراً وقصاصاً. كما أخذ يكتب في النقد الأدبي، وكتب 13 مسرحية لم يُظهِر واحدة منها لأنه اعتبرها تمرينات على هذا الفن، وفي عام 1969 كتب أول مسرحية ناضجة هي (الجدران القرمزية).

كما اقتبس عدداً من المسرحيات الأجنبية المعروفة ومنها بعض مسرحيات ناظم حكمت. ومسرحيتان روسيتان. ومسرحية ألمانية وهي (الجرة المحطمة) لفون كلايست. واقتبس مسرحية بريخت (دائرة الطباشير القوقازية) فكتب (القرى تصعد إلى القمر) التي اختفى فيها الأصل الألماني لتبدو عربية بامتياز.

*بيته الثاني
غير أن العلامة الفارقة في حياة الكاتب فرحان بلبل وإبداعه كانت فرقة المسرح العمالي التي أسسها في حمص عام 1973 وكانت بمثابة بيته الثاني، ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 1990 قام بإخراج اثنين وعشرين مسرحية منها مسرحيتان للأطفال، وهذه المسرحيات من تأليفه وتأليف كتاب عرب وأجانب. ومن أهمها "الحفلة دارت في الحارة"، "الممثلون يتراشقون الحجارة"" لا تنظر من ثقب الباب" "العشاق لا يفشلون" و"الصخرة والحفرة" "الصندوق الأخضر" "لا ترهب حد السيف".

وانتهجت الفرقة منذ تأسيسها أن تقدم عروضها المسرحية في حمص وغيرها من المدن والأرياف والتجمعات السكنية في سورية من شمالها إلى جنوبها، ولجأت الفرقة إلى أسلوب جديد هو إقامة ندوة حول المسرحية بعد الانتهاء من العرض مع هذا الجمهور في كل أنواعه من جمهور المدن العريقة في فن المسرح إلى جمهور القرى والتجمعات السكنية التي لا تعرف المسرح. وبذلك ساهمت الفرقة بنشر الثقافة المسرحية في سوريا.

واستمرت الفرقة في نشاطها حتى العام 2011. إذ توقفت عن العمل بسبب الحرب وهجرة العديد من أفرادها خارج البلاد ، وبهذا ظلت الفرقة تعمل بحيوية مدة تقرب من خمسة وأربعين عاماً. وهي أطول فرقة مسرحية عمراً في تاريخ المسرح.

*استبداد البعث
وعايش الكاتب والفنان الراحل استبداد البعث وعانى من نيرانه كغيره من المبدعين السوريين، ورغم ذلك كان جريئاً في انتقاد السلطة والظلم والطغيان، وبدا ذلك واضحاً من خلال عناوين ونصوص مسرحياته التي كانت تتحايل على الرقابة وتخترق الخطوط الحمراء بمهنية وحرفية، وفي كلمة يوم المسرح العربي التي ألقاها خلال مهرجان الهيئة العربية للمسرح الذي أقيم في تونس عام 2018 طالب بلبل بأن يكون المسرح العربي حراً وبإقفال مخافر الشرطة في عقول المبدعين وتحطيم القيود على ألسنة المسرحيين وعلى أفكارهم، وإزالة الخوف من قلوبهم عندما يفكرون.

وكان ابنه الفنان "نوار بلبل" أحد معارضي نظام الأسد، وعاش بعيداً عنه ومنفياً خارج سوريا منذ عام 2011 إلى أن عاد إلى مدينته حمص منذ أيام بعد سقوط الأسد وتحرر البلاد من الاستبداد ليراه في أيامه الأخيرة.

*ستبقى روحك تضيء خشبة المسرح
ونعى عدد من الفنانين والمثقفين السوريين الفنان والكاتب السوري واصفين إياه بـ "هرم المسرح السوري والعربي الذي حمل على كاهله هموم المسرح ومدلولات الكلمة لإيصال عبرة سامية للإنسان.

وعلق الكاتب "عبد الكريم عمرين" الذي رافق الكاتب الراحل لسنوات طويلة وعمل معه في المسرح العمالي: "قد تكون جسراً لغيرك قد تكون الشمعة في يدك لاتكفي لإضاءة العالم لكن يكفيك شرف الريادة في زمن لاجسور فيه ولاشموع".

وقال الفنان والمخرج السوري "عروة الأحمد": "لم يكن "فرحان بلبل" عرّاب حمص المسرحي وحسب، بل كان أيضاً مربياً فاضلاً للكثير من مثقّفيها".

وأضاف: "لقد بنى هذا الرجل مجتمعاً حمصياً موازياً قائماً على القيم الأخلاقية النبيلة في دولةٍ عصف الفساد في مناخها الثقافيّ، وكان بدوره تركيبةً فريدةً من التمرّد والدّماثةِ في آن".

ووصف الكاتب "تيسير خلف" الراحل فرحان بلبل بأنه أحد ثلاثة حفظوا أمانة المسرح في تاريخ سورية إلى جانب "أبو خليل القباني" و"عبد الوهاب أبو السعود".

وقال " عماد دعبول": "اليوم، يودعنا أبو عمار إلى عالم السماء، لكنه سيبقى حاضرًا بأعماله، بمسرحه، وبإرثه الذي سيظل منارة للأجيال القادمة وداعاً فرحان بلبل... ستبقى روحك تضيء خشبة المسرح!".

وعلق "حسان فلاح أوغلي": "سنفتقدك كثيراً، أستاذاً ومبدعاً، أخاً وصديقاً و"حكواتياً" من طراز نادر، وقبل ذلك كله إنساناً نبيلاً ومضيافاً كريماً سنفتقد ابتسامتك، وحديثك العذب، وجلساتنا في بيتك العامر".

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(7)    هل أعجبتك المقالة (7)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي