في البحث عن "مانديلا" سوريا

أعترف بأنني ما زلت كمن "أكل 100 كف على غفلة" رغم مرور شهر على سقوط "النظام الكلسوني"، كما وصفه سوريون.

السقوط الدراماتيكي المفاجئ جعل من "خبط عشواء" عنوانا عريضا لهذه المرحلة. فوجئنا بالخروج من عنق الزجاجة بعد ما انكسرت، ورأينا كيف لف الكثير المنعطف التاريخي الخطير ببراعة ليس لها نظير!!

ما علينا، يبدو أن الثورة مازالت كاشفة بعد النصر كما كانت قبله، على الصعيدين الداخلي والخارجي.

في الأشهر الأولى من الثورة، مع نهاية مرحلة المندسين، وبداية حقبة الجراثيم، كنا، نحن الحالمين بفصل البلد عن الأسد، نرى أن إسقاط النظام لن يؤدي إلى عمليات انتقام من حاضنته الشعبية، لأن من يربح الجائزة الكبرى (إسقاط النظام)، لن يلتفت إلى جوائز الترضية (عمليات انتقامية).

ربحنا الجائزة الكبرى بعد نحو 13 سنة وأعداد مضاعفة من الضحايا، ولم نلتفت لجوائز الترضية، رغم الثمن الباهظ، باستثناء تصرفات لا تعبر إلا عن سلوكيات مرتكبيها، ربما تندرج تحت تبرير "فورة الدم" المتعارف عليها في مجتمعاتنا!

لست من أنصار التبرير، لكن مآسي السوريين الذي جربوا الموت برا وجوا وبحرا على مدى 13 سنة تكاد تحطم المعايير التي تتعلق بالثورات والحروب.

تذكرت نصيحة المناضل "نيلسون مانديلا" لثوار الربيع العربي، عندما قال: "إنّ إقامةَ العدل أصعبُ بكثير من هدم الظّلم".

الرسالة كانت موجهة حينها لثوار تونس ومصر، وهذا الرجل الذي نال جائزة "نوبل" للسلام، لديه من التسامح ما لا يمكن توفره إلا نادرا بين المظلومين.

تخيلوا أنه أكرم سجانه، ولو علمتم ماذا كان يفعل هذا السجان، ربما رفعتموه إلى مقام القديسين!

"مانديلا" دعا السجان لحضور الاحتفال بذكرى خروجه من السجن الذي قضى فيه  27 عاما.

عندما كان يطلب  مانديلا من السجان ماء كان يبول عليه!

ربما يغص سيناريو المأساة السورية بآلاف النسخ من المناضل الأسمر الجميل (مانديلا).

ولكن هل يمكن مقارنة سجانه بجلادي النظام؟؟!

لم أقرأ على جدران مسلخ "صيدنايا" تلك العبارة المكررة على ما تبقى من جدران سوريا المدمرة (لا تبول هنا يا حمار).

جدران "صيدنايا" طالما تخضبت بدماء المعذبين وكانت شاهدا على فظائع موتهم، الحيطان لها آذان، لكن ليت كان لها صوت يبدد ذلك الصمت الرهيب!!