منذ عام 2008، اعتبرت العالم الافتراضي، وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، جزءاً لا يتجزأ من عملي اليومي. وقد توصلت إلى قناعة راسخة بأن هذا العالم لا يعكس الواقع إلا بنسبة ضئيلة جداً لا يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات. ففي هذا الفضاء تختلط المشاعر الشخصية مع التكهنات غير المنطقية والنوايا الخبيثة، مما يطغى على قلة من الأخبار الحقيقية. والنتيجة هي منشورات مليئة بالتشاؤم والتهويل " كما يقول أهل الشام".
هذا الواقع يؤثر حالياً بشكل سلبي على الحالة النفسية للسوريين، خاصة بعد انتصار ثورتهم المباركة، حيث يخلق شعوراً بالخوف من اقتراب الهاوية، كأن خطر التقسيم، والحرب الأهلية، والفقر، والعزلة الدولية أصبح حتمياً. يضاف إلى ذلك إشغال الناس بقضايا تافهة تصرفهم عن الأولويات.
بإسمي الحركي أبو فارس جوبر، وخلال عملي في مؤسسات الثورة السورية، سواء في اتحاد التنسيقيات أو الهيئة العامة للثورة وغيرها، شهدت بنفسي حجم التضخيم الإعلامي من مختلف الأطراف، سواء الإعلام الحكومي للنظام السابق أو القوى الثورية. كان هذا التضخيم جزءاً من الحرب النفسية والإعلامية، حيث تُقدَّم الأخبار بطريقة تخدم الأهداف السياسية لكل طرف. أحياناً، تبدو الأخبار بصياغتها وكأنها واقعية تماماً، لكنها في الحقيقة لا تعكس ذلك الواقع.
إلى جانب ذلك، ظهرت فئة من الحالمين بمجتمع مثالي، يرغبون في تطبيق تجارب وأساليب الأوروبيين في المحاكمات والأمن والقضاء وغير ذلك على بلد مدمر وشعب مشرّد. يريدون تحقيق هذه المثالية فوراً، وإذا لم يحدث ذلك، يصفوننا بالجهل والتخلف والبلادة.
وعندما شاركت في مؤتمرات تخص القضية السورية في مدن متعددة وعلى مستويات مختلفة، رأيت كيف أن تصريحات السياسيين أمام الكاميرات تختلف تماماً عن أحاديثهم خلف الأبواب المغلقة، التي غالباً ما تكون مفاجئة وأحياناً صادمة.
حالياً وفي عام 2024 وبداية 2025 ، نحن نعلم بأن معظم من ينشط في هذا الفضاء الافتراضي يعيش خارج سوريا لأنه ببساطة يتمتع برفاهية الوصول المستمر للإنترنت والوقت ودخل مريح فتراهم في كل يوم يثيرون قصة جديدة يتداولونها ويشاركونها ويزيدون عليها بقصد أو بجهل
الواقع الحالي في سوريا.
أولاً، المهم أن ندرك بأن جهود حكومة أحمد الشرع الحالية، التي هي عملياً ليست فقط لتصريف الأعمال، هي في الواقع لتأسيس قواعد حكم حديثة و مؤسسات جديدة تبدأ بعملية نظيفة ومنظمة يمكن ان تبني عليها الحكومات اللاحقة سياساتها وخططها.
ثانياً، رغم كل الضجيج الإعلامي والنقاشات السلبية المتداولة في منصات السوشيال ميديا حول أداء الحكومة الجديدة، فإن الوضع على الأرض يعكس صورة مختلفة تماماً.. الواقع الآن هو أن جميع مؤسسات الدولة تعيد بناء بياناتها الحقيقية لتبني قراراتها عليها وتعمل على إسعاف المواطن السوري بما تيسر لها.
وهذا أبرز ما قاموا به لتاريخ كتابة هذا النص في أرض الواقع:
1. وزارة الكهرباء: تعمل على تنفيذ خطة لإيصال الكهرباء إلى جميع المناطق في سوريا خلال 3 سنوات وخلال هذه الأشهر القليلة سيتم تأمين إستمرارية التيار طوال اليوم لمن عنده إتصال بالشبكة الحكومية.
2. وزارة الصحة: تسعى جاهدة لتجديد آلات ومعدات وأجهزة المستشفيات الحكومية، التخلص من الترهل والنزيف المالي على قلته كما قال أيضاُ وزير الصحة ومدراء المستشفيات ولمسه المواطنون.
3. وزارة الدفاع: تعمل على تنظيم القوات المسلحة ضمن سجلات حقيقية لضمان الشفافية، تنظم الفرق والألوية لتخرج من عقلية الفصيل إلى عقلية الإنضباط التنظيمي الرأسي إضافة إلى التسليح والتذخير وبناء مخابرات عسكرية حقيقية مستفيدة من تجارب فصائل الثورة الأمنية وعلاقاتها المختلفة.
4. وزارة المالية: تعيد هيكلة النظام المالي لمكافحة الفساد وتنظيم الضرائب لتخفيف الأعباء على المصدرين و المستوردين و باقي الفاعليات التجارية
5. وزارة الاقتصاد: تحقق تقدماً ملموساً في توفير وخفض أسعار المواد الغذائية بشكل عام وبنسب كبيرة.
6. وزارة الخارجية: تعمل على تحقيق إنجاز غير مسبوق في الشرق الأوسط، وهو بناء محور جيوسياسي جديد يجمع بين دول مختلفة حول مركز واحد، ما يعكس رؤية دبلوماسية طموحة. بالإضافة إلى ذلك، يركز الفريق الدبلوماسي على تعزيز العلاقات والحصول على دعم عربي إقليمي. ومن أبرز النجاحات في هذا السياق، المساعدات السعودية الضخمة التي وُصفت بأنها "لا محدودة"، ما يمثل دعماً استراتيجياً لم يحدث لبلد عربي من قبل.
7. وزارة العدل : تعمل وزارة العدل حالياً على إصلاح جذري للنظام القضائي من خلال تطهير السلك القضائي من العناصر التي أساءت استخدام مناصبها وشوهت نزاهة القضاء على مدى عقود. هذه الخطوة تهدف إلى استعادة ثقة المواطنين في المنظومة القضائية وإرساء أسس العدالة المؤسسية. ويشهد المحامون والعاملون في المجال القضائي هذا التحول الإيجابي، الذي يمثل حجر الأساس في إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات
8. المحافظات و الإدارات المحلية : في كل مدينة و قرية تعمل على إحصاء و تنظيم و تنظيف هياكلها التنظيمة لتنطلق برشاقة و من خلال بيانات حقيقية يمكن التأسيس عليها لتنفيذ خطط التنمية المستدامة.
9. الدفاع المدني الذي أنقذ أرواح الآلاف و ينظف الأراضي من الألغام و يبني روح التعاون المجتمعي.
10. إدارة المساعدات الإنسانية: الجهات المسؤولة الآن توزّع المساعدات العربية بطريقة تضمن الحد من السرقات التي كانت شائعة سابقاً في مؤسسات الإغاثة، وهي مشكلة شهدتها شخصياً.
11. أما باقي الوزارات والمؤسسات الحكومية، فهي تشهد عملية تطوير شاملة وفق خطة مرحلية تراعي الأولويات والموارد المتاحة. تتضمن هذه العملية:
1. تحديث قواعد البيانات وأنظمة المعلومات
2. إعادة هيكلة الكوادر الإدارية والفنية
3. تطوير آليات العمل وتحسين كفاءة الأداء
4. ترشيد استخدام الموارد وتعظيم الاستفادة منها.
يتم تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل متدرج، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الأكثر تأثيراً على حياة المواطنين وتماشياً مع الإمكانيات المتوفرة."
التحديات السياسية والعسكرية.
أولاً، لدى جهاز الأمن والمخابرات الخاص بـ هيئة تحرير الشام معلومات تفصيلية دقيقة عن المتمردين المحتملين في مناطق عدة، تشمل جبال العلويين، السويداء، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و غيرهم. هذه المعلومات تم جمعها وتحليلها على مدى أشهر وسنوات.
• المسلحون في السويداء
على الرغم من قدرة هيئة تحرير الشام على التعامل معهم بسرعة، حيث يمكنها خلال ساعات أو أيام نزع سلاحهم بالقوة ووضع معظمهم في السجون بتهمة التمرد على أهداف الثورة أو أولويات الحكومة– بغض النظر عن التسمية – إلا أن الإدارة المركزية في دمشق اختارت اتباع نهج سلمي في التعامل مع هذه القضية. وقد فضّلت تجنب العنف وإراقة الدماء، سعياً لتحقيق حلول مستدامة تحافظ على الاستقرار وتجنب المزيد من التوترات في هذه المنطقة الحساسة.
• شمال شرق سوريا
إن القضاء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليس بالمعضلة التي يصورها الإعلام، فبمجرد اتخاذ القرار، يمكن خلال بضعة أيام دفع عناصرها إلى اللجوء إلى جبال قنديل، خصوصاً بعد تراجع الدعم الأمريكي لهم.
ومع ذلك، تسعى الحكومة السورية، بالتنسيق مع كل من تركيا والولايات المتحدة، لحل القضية الكردية بطرق سلمية. يعود هذا النهج إلى سببين رئيسيين:
1. الحفاظ على أرواح السوريين من الطرفين، وتجنب إراقة الدماء التي قد تزيد من معاناة الشعب.
2. الحساسية الجغرافية للمنطقة، نظراً لقربها من مناطق نشاط تنظيم داعش، إقليم كردستان العراق، ووجود سجن الهول المعروف، مما يستدعي التعامل بحذر ودقة لتجنب تداعيات أمنية واسعة.
• فلول النظام في مناطق الساحل
عملياً، وبعد عمليات التطهير الجارية والمستقبلية، هؤلاء فقدوا قوتهم، وتنظيمهم، وحتى رغبتهم في الدخول بأي نزاع مع الحكومة الجديدة. السبب ببساطة هو أن هذه الحكومة أصبحت تمثل مشاعر وتطلعات غالبية الشعب السوري، مما جعلهم يدركون أن خيارهم الوحيد هو الرضوخ والتكيف مع هذا الواقع الجديد.
ومع ذلك، فإن الإعلام الموالي لهم، والذي يعمل من الخارج، يروّج لصورة مغايرة تماماً، محاولاً إظهارهم كضحايا ينتظرون دورهم للمقصلة.
الحقيقة على الأرض مختلفة تماماً، حيث لم يعد لديهم حاضنة شعبية كافية لدعم أي مواجهة، وأصبحت الخيارات أمامهم محدودة للغاية.
• عملية صياغة الدستور وتعيين حكومة إنتقالية
1. أولا هذا الموضوع ليس أهم من تحسين الأمن و الواقع المعيشي و تطهير البلد من فلول النظام السابق ، و لا يكترث له على أنه أولوية بالنسبة للغرب المنافق أو لمجموعات المعارضة الفاشلة ، ولا مشكلة لدينا بأن يعترف فينا الفرنسي أو الألماني لأن الإعتراف الدبلوماسي ببساطة هو ليس بأولوية حالياً على الأقل ،علما أن الإعتراف الأمني قد تم منذ أن كانت تلك الدول تستجدي الهيئة لتزويدهم بخطط داعش في أوروبا
2. الشرعية للحاكم تأتي من المحكوم، وليس من السفارات أوالمؤتمرات. الشعب السوري البسيط، الذي يعاني من قلة الوصول إلى مقومات الحياة ، والذي لا يملك بيوتاً يأوي إليها، والذي عانى في السجون ثم تحرر، هو من سيمنح الشرعية لمن حرره، عندما يطلبها.
3. الدستور هو كتاب ينظم حياة السوريين لعقود وعقود، ولا يمكن أن يُقارن بالمقالات السياسية أو تقارير الجلسات. إعداد المؤتمر الدستوري بشكل جيد يُعد مفتاح النجاح. ورغم التحديات المتوقعة مثل الحوارات الساخنة والانقسامات، إلا أن تجربتي السابقة في مؤتمرات المعارضة، مثل مؤتمرات القاهرة ومدريد وروما وغازي عنتاب وغيرها، أكدت لي أن التخطيط المسبق واختيار المشاركين بعناية يُحسن من النتائج ويحد من المشاكل. ومهما كان عدد الحضور، فإن حسن التنظيم يمكنه امتصاص الفوضى وتحقيق توافق كبير وبناء.
4. سيتم الإستفادة من وثائق المنظمات و عشرات اللجان التي أنفق عليها ملايين الدولارات على فنادق و رواتب و مجموعات عمل أعرفها وعملت معها أيضا ضمن مؤسسات المعارضة الوطنية و غير الوطنية ، و بالمناسبة تلك الوثائق هي أصلاُ محفوظة عند مكتب الأحزاب في هيئة تحرير الشام و منذ زمن إنتاجها.
• العلاقات الخارجية
1. أولاً وبشكل عام، الزيارات الدبلوماسية الرسمية أقرب إلى الاستعراض الإعلامي منها إلى التعبير عن مشاعر حقيقية وعلاقات صادقة. في الغرب بشكل خاص، يستغل المسؤولون هذه الزيارات لزيادة قاعدتهم الانتخابية وتقوية موقع أحزابهم في الحكومات القادمة، كمن يسعى لإضافة إنجاز جديد إلى سيرته الذاتية.
2. الوفود التي كانت صادقة ظاهراً وباطناً في دعمها لنا هي وفود تركيا وقطر والسعودية، بينما كانت بقية الوفود مجرد بريستيج أو رفعاً للعتب، دون أن تحمل دعماً حقيقياً أو التزاماً فعلياً.
3. القرارات الحقيقية تُتخذ عبر قنوات الاتصال المخابراتي بين هيئة تحرير الشام والحكومات الغربية، والتي لم تنقطع منذ سنوات. خاصة في إطار عملية مكافحة الإرهاب التي استهدفت مقدرات وعناصر داعش. هذه العمليات وضعت بيانات وخزان معلومات الهيئة في مقام "الكنز" الذي تسعى إليه أجهزة المخابرات الغربية والعربية.
الخلاصة
1. التقدم الفعلي في حال سوريا يبشر بمستقبل زاهر لبلدنا، بعيداً عن التشاؤم الذي تروج له منصات وشخصيات العالم الافتراضي، سواء عن جهل أو خبث.
2. الشعب السوري الذي يجب أن نسمع صوته هو أولئك الناس الذين يبحثون عن لقمتهم، مأواهم، أمنهم، ودوائهم. أما غيرهم، فيأتون بعدهم في كل شيء. أما مبعوثو وقناصل الغرب، فلا قيمة لرضاهم حالياً.
3. تحرير وفتح سوريا سيظل معلماً تاريخياً لن يُنسى في هذه المنطقة، ويجب علينا الاستمرار في ترسيخ تلك المثل العيا الجديدة التي أدت لهذا الإنجاز، ليزرع في عقل الجيل الجديد مشاعر القوة والانبعاث ، رمزاً للشجعان الذين ضحوا بأرواحهم وممتلكاتهم ولم يستسلموا لأجل تحرير البلاد من الظلم والطغيان.
4. لدى الحكومة السورية الحالية أوراق قوة جيوستراتيجية متعددة، قديمة وجديدة، ولديهم عقول كبيرة، خبيرة وواقعية التفكير.
5. هؤلاء الفاتحون بشر مثلنا، يخطئون ويصيبون، لكنهم يحتاجون إلى العون والمساعدة من أولئك الذين يعملون بإتقان وإخلاص، لا لمن قال عنه "بطل".
عمر شعبان - عضو مؤسس في اتحاد تنسيقيات الثورة والهيئة العامة للثورة السورية
عمر شعبان - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية