أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كلمة ورد غطاها

لن أخوض كثيرا في تفسير المثل الشعبي الوارد في العنوان، لكن الكثير أجمع على أنه يعني الحزم في الإجابة وعدم الإطناب في الكلام.

وبناء عليه، أريد القول وباختصار، إن ما يقوم به البعض من تصيد لكل شاردة وواردة مما يصدر عن الإدارة الجديدة للبلاد في سوريا، وتسليط الضوء عليها وتضخيمها، لا يقدم ولا يؤخر، وإنما يجعلنا نبتعد عن الاستحقاقات الواجب علينا العمل عليها، حتى إذا ما اقترب موعد هذه الاستحقاقات، وجدنا أنفسنا وقد أضعنا الوقت في تفاصيل صغيرة، وعندها لا ينفع اللطم على الرأس.

بوضوح أكثر، سوريا في هذا الوقت بحاجة لحشد كل طاقاتها، لتشكيل تيارات تضم قوى مدنية وسياسية، للانخراط في الحوار الوطني الذي دعا إليه السيد أحمد الشرع، ومن ثم أن تكون هذه القوى قادرة لاحقا على المشاركة في كل الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بدءا من النقابات والبلديات وانتهاء بمجلس الشعب والانتخابات الرئاسية.

أما إذا بقينا على هذه الحال من ملاحقة كل تصريح أو سلوك لمسؤول هنا أو هناك في الإدارة الجديدة للبلاد، والاكتفاء بالنقد والسخرية، فهذا لن ينتج عنه أي عمل سياسي أو مدني، وإنما سوف يخدم من هو أكثر تنظيما، أي السلطة التي تمسك بزمام الأمور في الفترة الراهنة.

من وجهة نظري التي اعتبرها جدا متواضعة، أن حراكنا السياسي والمدني في المرحلة القادمة، يجب أن لا ينصب على الصراع على السلطة، وإنما أن يتجه لبناء الدولة، الدولة بمعناها المؤسساتي ودولة القانون والمواطنة. لأنه عندما نصل إلى هذا النموذج فلن نتهم، برأيي، من يرأس هذه الدولة.

الصراع على السلطة هو أكثر ما يعيق بناء الدولة وتنميتها، ولنا في النموذج الليبي والسوداني واليمني، مثال صارخ، إذ إنه بعد عدة سنوات من إسقاط أنظمة هذه الدول، والاعتقاد بأن مواطنيها حصلوا على حريتهم، إلا أن الأوضاع فيها أسوأ بكثير مما كانت عليه أيام أنظمتها السابقة .. فلا تدعونا يا أخواني نصل إلى مرحلة نترحم فيها ولو للحظة واحدة، على الماضي.

ولا من القول، رغم أن قسما كبيرا من الشعب السوري يرى أن حكم نظام الأسد هو "أوسخ" حكم عرفته البشرية، لكن يجب أن نعترف أن هناك قسما كبيرا آخر داخل سوريا لم يكن يرى ذلك، وحتى بعد ما شاهده من إجرامه وبطشه بحق من عارضه من الشعب السوري ..! لأن بشار الأسد ومنذ بداية الثورة السورية في العام 2011، عمل على تقسيم المجتمع إلى قمسين، ووضع حدودا فاصلة وقاطعة بينهما، فإما أن تكون معه بالمطلق وتساند إجرامه، وإما أن تكون من الطرف الآخر الذي يستحق القتل والإبادة.

لذلك نحن كنا الطرف الآخر الذي لم يكن الكثير من أبناء الطرف الأول يشعر بالإشفاق على قتلنا وتدمير بيوتنا وتهجيرنا، بل كان يرى أننا نستحق ما يحدث لنا. 

هؤلاء بعد أكثر من 13 عاما من التجييش والضخ الإعلامي تجاه الطرف الآخر، لا يمكن أن يستوعبوا الوضع الجديد بسهولة، والكثير منهم تعامل في البداية مع حكام البلاد الجدد وكأنهم وحوش كاسرة قادمة لالتهامهم، لذلك أول ما استغربوا لطافة القادة والجنود الذين دخلوا إلى مناطقهم بعد طرد قوات النظام منها،  وحدثونا عن دماثتهم وإنسانيتهم وخطاب التسامح الذي يحملونه، وهذا ببساطة لأن الصورة المكرسة في أذهانهم عكس ذلك تماما. 

أعتقد أن ما يخدم سوريا في المرحلة القادمة، ليس بناء التيارات السياسية أو المدنية، القائمة على الأيدلوجيات السياسية أو الدينية أو المذهبية أو العرقية .. إلخ، وإنما التيارات التي لديها رؤى وأفكار ومشاريع لبناء الدولة، الدولة بمفهومها الإداري والقانوني والاقتصادي. فأكثر ما أضر بلدنا ومجتمعنا خلال السنوات الستين السابقة هو الإيديولوجيا العفنة التي جلبها معه حزب البعث، والتي جعلته يتغول على السلطة ويستفرد بها، تحت ذريعة شعارات طنانة، لكنها فارغة من أي معنى،

لذلك وباختصار، سوريا بحاجة اليوم من يقرأ البيانات المرعبة عن تركة نظام الأسد، وبالذات فيما يخص الجانب الاقتصادي، وأن ينظر برأفة لحال هذه البلد، التي تستحق أن تكون أفضل بكثير، لأنها تمتلك كل الإمكانيات البشرية والثروات الطبيعية التي يجب أن تسخر جميعا لرفاه مواطنيها، وليس لتزكية الصراع فيما بينهم، كما فعل نظام الأسد. 

فؤاد عبد العزيز - زمان الوصل
(8)    هل أعجبتك المقالة (4)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي