أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا بين دروس الماضي وتحديات المستقبل

من ساحة الأمويين بدمشق - أ ف ب

قد يلحظ البعض بعض ممارسات السلطة الجديدة في سوريا المشابهة لبدايات نظام الاسد.

ولأهمية مرحلة التغيير الحالية، لابد للمواطن السوري أن يتنبه لما قد يكرر أخطاء الماضي في سوريا.

على الحكومة الحالية العمل بشفافية تامة وتوضيح آليات صنع القرار وكيفية انعكاسها على الواقع والمستقبل السوري والانطلاق من رؤية وطنية تضع الوطن والمواطن أولاً على مصالح القوى الإقليمية والدولية.

ولابد من اعتماد سياسات متوازنة في الشأن الداخلي والدولي وإنشاء شراكات دولية مرتكزة على نجاح المواطن كركيزة بناء الوطن بدلاَ من تبادل الخدمات السياسية. إن نجاح ثورة السوريين يعتمد على إنشاء آليات عريضة بما يكفي لمشاركة جميع السوريين وضيقة كفاية لحماية الوطن من التدخلات الخارجية.

مع قدوم الثوار وحكومتهم الجديدة في سوريا، يلحظ للعيان أن التعيينات الحالية تتبع نمطًا مشابهًا لكيفية تعيين نظام الأسد لموظفيه سابقاً.

من المفهوم أن الإدارة الجديدة ترغب في استقرار أساسها باتباع هذا النمط.

ويبدو أن العديد من السوريين يتقبلون هذه السياسة، اما لثقتهم المفرطة في الثوار أو لاعتيادهم هذا النمظ. وقد تكرر اقتباس القول التقليدي "مالهم بالقصر إلا من مبارح العصر".

ولكني أخالف هذا الرأي، دون إنكار الفضل المستحق للثوار في تحرير سوريا.

إن كان لسوريا المضي قدمًا وضمان استقرار الحكومة الجديدة والبلاد، فلا بد من تجنب مثل هذه السياسات وعدم تكرير أخطاء الماضي.

للبعض أن يعترض، ولكن سوريا في أمس الحاجة لهذا النداء اليوم رغم ارتقاب إعلان الحكومة عن إطلاق مرحلة جديدة في الأول من آذار 2025.

إن وضع الأسس الصحيحة لهذه المرحلة سيضمن تعافي الوطن ويمنح السوريين الطاقة المطلوبة لدعم عملية المصالحة والتعافي وبناء الوطن.

ولابد للحكومة الثورية الجديدة أن تدرك أن النصر ضد الأسد قد جاء بعد نضال طويل للسوريين ضد نظام الأسد قبل وأثناء الثورة في سوريا وحول العالم.

وكان مجمل هذه الجهود هو ما هيأ الظروف المناسبة للحظة التاريخية التي تكللت بنصر الثوار.

ستستند الأسس الجديدة لبناء الوطن في الأيام والأشهر القادمة إلى ما يتم إقراره من قبل حكومة تصريف الأعمال الحالية. في حين أقصت التعيينات الحكومية الحالية جميع كوادر النظام السابق.

وقد انتابني القلق عند رؤية تعيين محافظ دمشق. وبينما تغيب عن العيون احداث ما وراء الكواليس، ولكن الافتقار الى الشفافية في صنع مثل هذه القرارات او التشاور مع المجتمع المحلي يخلق العديد من الشكوك والمخاوف بين الموالين اولا وابناء الوطن عموما.

لقد تطور نظام الاسد بداية باستبعاد الصوت الاخر وصولا الى الممارسات القمعية البشعة.

ولابد من وجود نموذج افضل لاتخاذ القرارات بالتعيينات الادارية. لكل من المرحلة الحالية وانتقالا الى المرحلة القادمة، فمن الانسب المحافظة على التشكيلات الحكومية وما تحمله من خبرة معرفية – مع الاقرار بسوء الادارة العملية السابقة – وما يمكن الاستفادة منها ضمن فرق عمل مشتركة من اعضاء الحكومة السابقة والحكومة الجديدة. ولمثل هذه الالية ان ترسل مؤشرات طيبة بان الانتقال يتم بمشاركة الجميع وان تبطل الهموم من هواجس الانتقام لدى المتخوفين.

من الطبيعي ان يتحرك حلفاء الثوار وأولهم الأتراك خلف رغبتهم في لعب دور كبير في المستقبل السوري. وفي نفس الوقت ستسعى الدول المجاورة إلى تأمين أي مصالح محتملة أو تعطيل الخسائر المحتملة لرصيد دول أخرى. 

لا بد للسوريين من الوعي بأن النزاعات العربية التركية لم تلتئم جراحها بالكامل وان التئمت فمن الممكن ان تتجدد. وبما تستلزمه الضرورة الوطنية أن تكون هناك علاقات صحية مع المجتمع العربي والجار التركي، فالواجب أن تكون سوريا قادرة على اتخاذ قراراتها من رؤية وطنية عنوانها سوريا والمواطن السوري أولاً، مع عدم التغالي والسعي للمصالح المتبادلة لما فيه فائدة جميع دول المحيط وبناء علاقات ذات مصالح مبنية على السلم المشترك وترابط القطاعات الاقتصادية غير السيادية ضمن ساسية السوق المفتوح، وذلك لما تقتضيه القطاعات الاقتصادية السيادية من تدخل الدول الخارجية في الشان الداخلي ان كان اي تغيير في حكومة منتخبة قد يهدد مصالح احدى الدول الاخرى، وهو سبب دعم روسيا وايران لنظام الاسد الفائت. 

علما ان الشراكات السابقة لسوريا مع روسيا لم تكن قائمة على مبدأ المساواة في السيادة كما نص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، بل كانت نتيجة تطورات الحرب الباردة والعديد من التدخلات العربية والغربية في الشؤون السورية. 

وهو ما ترك سوريا في ديون غير متوازنة وبشكل متزايد لروسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وهو ما قد يتكرر بعد تدمير اسرائيل للبنية التحتية العسكرية وما تقدر تكلفته باضعاف مضاعفة في ظل التضخم النقدي الدولي الحالي. 

واستذكر هنا بعض المقالات المتداولة حول خط أنابيب الغاز بين قطر وسوريا وتركيا وما تعيده إلى الأذهان من ذكريات الانقلابات العسكرية التي اجتاحت سوريا للسيطرة على موقعها الاستراتيجي ومواردها، مثل انقلاب حسني الزعيم ووعوده للبريطانيين والامريكان وما بعده من الانقلابات المنتهية الى وقوع سوريا في فخ محور المقاومة الايراني.

وهنا استذكر ضرورة سعي - زيادة على إنشاء محاكم دولية لملاحقة ومقاضاة كل من اجرم بحق الشعب السوري - الدولة السورية على العمل مع المجتمع الدولي وامريكا للحجز على الاصول الايرانية وتحويلها للتعويض عن الدمار والقتل الذي تسببت به ايران والحرس الثوري الايراني في سوريا، كما يتم التسويق لحجز الاصول الروسية لتعويض اوكرانيا. 

إن التركيبة الداخلية السورية وعلاقاتها الدولية قد تتطلب بعض المقاربات الفريدة، إلا أن القانون الدولي يذخر بما يفيد السوريين في الوصول للعدالة الدولية ضد زبانية النظام الاسدي وشركائه من الدول التي شاركته الاجرام بحق المواطن السوري، واسترداد الثروات والاصول المفيدة لمرحلة اعادة الاعمار وذلك بما لا يتعارض مع اولويات المصالحة في المرحلة الحالية.

ان امعان النظر في حالة الدمار الحالية في سوريا، واضافة لما سبق، فيجب على اي تشكيلة حكومية مقاومة الانجراف وراء اعادة الاعمار اعتماداً على الموارد الطبيعية للبلاد وخاصة النفط والغاز. وهي حالة تعرف في علم الاقتصاد باسم "لعنة الموارد الطبيعية". 

لقد تمكن الاقتصاد السوري، رغم تضرره بشكل كبير، من التحرك بوتيرة بطيئة حتى في ظل العقوبات الدولية. 

يجب على اي حكومة سورية - في ظل ما نتأمله من ازالة العقوبات الاقتصادية قريباً - أن تؤسس اعتمادًا مبكرًا على نموذج اقتصادي مشابه للنموذج الاوربي قليل الاعتماد على الثروات الباطنية وذو ركائز قائمة على مزيج متوازن بين الخدمات والسياحة والتصنيع والتكنولوجيا. وهو مايقتضي الابتداء بسياسة مالية تقشفية، لكنها ستكون مفيدة في استقرار الاقتصاد على وتيرة معينة ومتصاعدة في ظل صقل وتطور القطاعات الاقتصادية. 

ولمثل هذا النموذج الاقتصادي أن يساعد في خلق اسواق عمل هادفة ومستقرة للسوريين وابراز مواهبهم في القطاعات الاقتصادية المختلفة. 

وتجدر الاشارة الى ان مثل هذا النموذج قد يتصاحب مع شيء من التضتخم في المعاشات واسعار السلع والخدمات الى ان تتوازى مع مثيلاتها في الدول الاخرى. ويقتضي ذلك استقلال الاقتصاد السوري عن الارتهان لعائدات الموارد الطبيعية، وضرورة إنشاء نموذج ضريبي يمول الخدمات الحكومية ولخلق حافز مستدام لاهتمام الحكومات المتتالية بنجاح المواطن والاقتصاد المحلي.

لإدارة مثل هذه المرحلة الحرجة والمعقدة في تاريخ الوطن، على الحكومة الجديدة استخدام جميع الخبرات السورية المتاحة في الوطن وفي الشتات.

وكما طرحت ابتداءاً، فلربما يجب تشكيل لجان حكومية مشتركة تضمن تباحث الافكار وتتضمن الية لعدم عرقلة العمل وارتهانه للمتاهات السياسية والمنافع الشخصية. وأن تكون مفتوحة لقبول اي سوري ذو مؤهل وخبرة مناسبة في أي مكان في العالم بغض النظر عن ماضيهم. ممن لم يشاركوا في انتهاكات النظام البائد ضد الارواح السورية وباستعدادهم لتكريس خبراتهم في خدمة الوطن. ان الخبرات المحلية تمتاز بعلمها بالواقع السوري وتحتاج بالضرورة الى الخبرات السورية الدولية لما تقدمه من واسع الخبرة وتعدد التجارب. ان الواقع السوري بحاجة لحل عريض بما يكفل مشاركة جميع السوريين فيه وضيق بما يقتضيه من حماية الوطن من التدخلات الخارجية.

محمود دياب طحان - زمان الوصل
(3)    هل أعجبتك المقالة (2)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي