أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حلب الخضراء ترسم المشهد السوري من جديد

حلب خرجت عن سيطرة الأسد - الأناضول

حلب عادت تحت راية الثورة مجددا، وخرجت عن سيطرة الأسد الذي احتفل وهلل عام 2016، معتبرا سيطرته عليها آنذاك بالنصر الإلهي، رغم الدعم الإيراني بكل ما يحمله من ميليشيات طائفية متعطشة للدماء، والقوة الروسية الهائلة في أوج فائض تجبرها والتي سمحت لها سطوتها بتجريب نحو 300 نوع من الأسلحة من أجل فرض أكبر تهجير قسري شهدته سوريا عبر تاريخها.

آنذاك، احتفل بشار ومناصروه على ركام الأحياء المدمرة بفعل القنابل الارتجاجية والصواريخ الروسية، حتى أن بعض التقارير قالت إن المدينة تحتاج إلى عشرين عاما لإعادة إعمارها، وقدر البنك الدولي أن تكلفة إعمارها تفوق الـ150 مليار دولار، كل هذا "الانتصار" وعبارات "خلصت"، أصبحت هباء منثورا خلال ساعات قليلة، فلو أن فصائل "ردع العدوان" كانت في نزهة لما قطعتها بسرعة تحرير مدينة حلب.

مشاهد المعتقلين وهم يخرجون من جحيم سجون الأسد سيئة الصيت إلى الحياة، أعادت الحياة لقاطني المخيمات وجددت الأمل بثورة عظيمة صمدت كل هذه السنين رغم تأمر الصديق قبل العدو، ومثلها عودة المهجرين قسريا إلى منازلهم، عدا عن الهروب الجماعي لجيش الأسد والشبيحة، إلى جانب صمت وسائل إعلام النظام ودخولها في مرحلة "الذهول" أمام ما يجري، فكيف لها أن تتعامل بحدث كخسارة حلب التي توازي وربما تتجاوز أهمية العاصمة دمشق.

لا شك، أن التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، هو يوم تاريخي في عمر سوريا، فالمدن الكبيرة هي من ترسم التاريخ والمستقبل معا، فكيف إن كانت بحجم حلب؟ هذا بكل تأكيد سيدفع "الأشقاء" اللاهثين نحو دمشق لإعادة حساباتهم جديا، خصوصا وأنهم باتوا يدركون اليوم أن كل جهود إعادة تعويمه لا تساوي ثمن تذكرة الطائرة التي تقله لحضور قمة عربية هنا أو هناك، فهو يحكم دولة أوهن من بيت العنكبوت سرعان ما تصبح أثرا بعد عين مع أول صافر ريح.

من المؤكد، أن السيطرة على حلب بهذه الطريقة الخاطفة، سيفتح صفحة جديدة في الواقع السوري، وسيكون لها نتائج كبيرة على عدة مستويات، أولها على مستوى الحاضنة الشعبية للنظام التي قبلت بالجوع والعيش في زمن ما قبل اختراع الكهرباء والتكنولوجيا مقابل "انتصار سيد الوطن"، وقد تشهد مناطق سيطرته احتجاجات للمطالبة بتوفير أدنى المتطلبات التي تحتاجها البشرية.

أما ثاني النتائج المؤكدة هي استجداء بشار الأسد لأصدقائه العرب من أجل التوسط مع تركيا لوقف هذا السيل الرهيب، كما أنه سيستنجد بروسيا مجددا وهي صاحبة الفضل ببقائه، مقدما لها ما بقي بين يديه من امتيازات على حساب إيران.

لكن قراءة المشهد السوري اليوم، تؤكد أن الأسد خسر ما كان متاحا منذ عام 2011، فروسيا "الباردة اليوم"، ملت من حالة الجمود والاستعصاء في سوريا وهي تغوص في حرب أوكرانيا، وحزب الله أُنهك في الحرب مع إسرائيل، وإيران تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة على وجه الخصوص في سوريا ولبنان، كما أن الظروف الإقليمية -تحديدا تركيا- ناضجة من أجل تلقين الأسد درسا لأنه أغلق أمامها كل أبواب السياسة وهي التي هندست مع روسيا جميع اتفاقيات "خفض التصعيد" و"سوتشي" و"أستانا"، حتى أن "الأشقاء العرب" الذين مدوا له حبل النجاة تلو الآخر يعرفون جيدا أنه لن يتخلى عن إيران ولن يوقف إرسال المخدرات إلى بلدانهم، كما أنه سيبقى على ورقة اللاجئين من أجل استمرار ابتزاز دول الجوار والمجتمع الدولي. 

حلب خرجت عن سيطرة الأسد سواء بتفاهمات دولية وإقليمية أو غير ذلك، ومعها بدأت مرحلة جديدة عسى أن تكون خيرا للسوريين المعذبين في شتى أصقاع الأرض.. مرحلة لا يملك فيها بشار الأسد من الظروف التي سمحت له بالسيطرة على حلب عام 2016، إلا جيش لعبته الوحيدة "التعفيش" والفرار من أرض المعركة، و"خطوط أوباما الحمراء" التي ستسمح له بدك الأحياء والمنازل بالصواريخ والبراميل وكل ما يملك من أسلحة عدا الكيماوي، ليكمل هوايته المفضلة بالانتقام من السكان والإجهاز على تاريخ المدينة الضارب في عمق التاريخ.

محمد الحمادي - زمان الوصل
(689)    هل أعجبتك المقالة (16)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي