أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يوميات لاجئ .. سكر مر

قرأت نصا لفنان الرسوم المصورة الأشهر في فرنسا "رياض صطوف" أعاد ذاكرتي إلى سوريا وحمص، حين تحدث عن طابور الحشود الجماهيرية أمام نافذة المؤسسة الاستهلاكية لينالوا "أساسيات الحياة" الفيزيولوجية، في إشارة إلى المواد التموينية التي كان يشتريها المواطن الصالح بموجب كوبونات (البونات) تحدد عدد أشخاص عائلته.

صاحب سلسلة "عربي المستقبل" وفي نصه المعلق على أحد جدران معرضه الذي دام أربعة أشهر في "أنغوليم" وسط غرب فرنسا، وهي عاصمة الفنون المصورة المعروف اختصارا بـ"BD" يوضح أن "الأساسيات" التي كتبها عربية لكن بحروف فرنسية (ASSASSIAT)، هي الرز والشاي والسكر.

وهناك نوع رديء من زيت بذر القطن، لم يذكره "رياض"، ومعه كل الحق لأن هذا الزيت بالذات يسبب فقدان الذاكرة!

السكر كان المادة الأهم لمعظم السوريين من عشاق مشروب الشاي والمتة، وغيرهما.

لكن "رياض" نسي التذكير بلون السكر.

قد تظنون أنه من الطبيعي أن يكون السكر أبيض، نعم هذا صحيح، لكن بائع المثلجات في حمص الشهيرة بالنكتة، كان يكتب عبارة "لدينا مثلجات باردة"!

وهل هناك مثلجات ساخنة مثلا؟

كما كان بعض أصحاب الحوانيت يكتبون "نفتح ليلا ونهارا فقط"!!

لكن للسكر قصة أخرى، فالسكر الأبيض كان حلما لا يحققه إلا صاحب الوفير من المال ويحصل عليه تهريبا من لبنان الجار القريب.

إلا محسوبكم، فقد حقق هذا الحلم، لا بل وغرق بالسكر الأبيض رغم أني كنت ولا زلت من أصحاب الدخل الذين يدخلون توسلا وتسولا على الله وملائكته وأنبيائه ورسله لكي يكتمل شهرهم بالحد الأدنى من الديون.

القصة وما فيها أني كنت في الحادية عشرة من عمري، حين وصفني عمي بأني جبان لأني رفضت الركوب وراءه على الدراجة النارية.

عمي معروف بسرعته الجنونية وهو يقود الدراجة، لكن لم يكن ذلك سبب رفضي.

كان يريدني أن أركب فوق كيس السكر القادم تهريبا من لبنان، لألعب دور الثقالة، رغم أن وزني لم يكن يصل إلى منتصف وزن الكيس، المفترض أني سأمنع سقوطه على الطريق.

المهم، ولكي أتجنب ديباجة الجبن ونقص الرجولة، نسيت الطفولة، وقبلت التحدي وامتطيت صهوة الدراجة النارية فوق السكر الأبيض.

يا له من حظ، ما إن اتجهنا صوب السوق ليبيع السكر، وإذ بدورية الجمارك لنا بالمرصاد.

لم يستسلم العم عاد إلى الوراء وبدأ فيلم الأكشن!

سرعة جنونية وطريق مزروع بالحفر والمطبات.

أحد المطبات كان مرتفعا زيادة عن اللزوم، فقفزت أنا وكيس السكر وسقطنا، فغرقت بالسكر الأبيض بعد أن تمزق الكيس!!

العم تابع الطريق، غير واع لما حدث وراءه. 

أما أنا فقد أنقذني بكائي وصرخات آلامي من ضربات عناصر الجمارك.

اكتفوا بلملمة ما استطاعوا من السكر وعادوا من حيث أتوا.

هذا هو السكر الأبيض الذي كان يستحق المغامرات.

أما سكر "أساسيات" الحياة الذي تحدث عنه "رياض"، هو السكر الأحمر الذي قد يحتاج إلى مطرقة لطحنه ليصبح قابلا للاستخدام، وحينها يمكنك الاصطياد في الماء العكر بفضل سكر الأساسيات الذي يعكر الماء والمزاج!

جودت حسون - زمان الوصل
(35)    هل أعجبتك المقالة (29)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي