أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

'الصبّارة' تبدد حـــــر دمشق اللاّهب

"الصبر طيب" نداء لا تسمعه كثيرا في دمشق، إلا في صيفها اللاهب، خصوصا في هذه الأيام، وهو كناية عن دعوة الى المقاهي التي تقام خصيصا لتقديم فاكهة الصبار فقط، في موسمها.

عربة وبضعة فوانيس وعدد من الكراسي يجتمع حولها العابرون من أجل طبق من هذه الفاكهة الصيفية التي تقدم باردة.

وتضيء هذه المقاهي ليالي دمشق، وتحول إحدى أبرز ساحاتها، الخالية تقريبا في مواسم أخرى، من ساحة الروضة إلى ساحة الصبارة.

وإلى جانب ساحة الروضة يشكل شارع بغداد، وأبو رمانة أشهر مواقع بيع الصبار في قلب دمشق.

لكن الشارع الأجمل الذي تدب فيه الحياة وتضيء فيه هذه الثمرة الصيفية كما لو أنها هي نفسها تحولت إلى قناديل، فهو المتحلق الجنوبي، الطريق الدولي الموازي لأوتستراد المزة، المحاط في معظمه ببساتين الصبارة، التي كانت من قبل حزاما أخضر حول المدينة، فأصل هذا النبات الشوكي أن يكون سياجا للبيوت والمزارع قبل أن يصبح هو نفسه بيت القصيد.

وتكاد المزة، أو ما يسمى بدمشق الجديدة، أن تكون المصدر الأول والأهم للصبارة، إلى حد أن الباعة ينادون على بضاعتهم بالقول "مزاوية، وحلوة يا صبارة"، وهي تتميز بحلاوة ثمرتها، وبقشرتها السميكة، ما يعني أن تقشيرها أسهل. أما المناطق الأخرى لزراعتها ففي دروشة وخان الشيح ودير العدس في ريف دمشق، وغالبا ما تتهم صبارة الآخرين بأنها ليست مزاوية، ما يعني أنها هجينة. لكن صبارة المزة حين تنفد، سيلجأ الناس إلى سواها، خصوصا بعد أن ضاقت بساتين المزة التي امتلأت بالأبنية والعمارات الشاهقة، وبعد أن اختفى مذ زمن بعيد ذلك الفرع الشهير من نهر بردى، الذي كان يسقي حقولها والمسمى بالمزاوي.

أبو أحمد كوكش يضمن أحد بساتين المزة منذ 25 عاما، ويعمل في تجارة الصبارة منذ أربعين عاما، قال "إنها الفاكهة الأطيب والأميز في الصيف، هي التي لا يدخلها لا أدوية كيماوية ولا هرمونات". ولدى سؤاله عما تغير في إقبال الناس على مر السنين قال "كل سنة أحسن من قبل".

واضاف كوكش إن عمر المزرعة التي يعمل فيها لا يقل عن مئة سنة، هو عمر شجرة الصبار التي تعطي في الموسم حوالى 150 حبة، من دون رعاية كبيرة، سوى السقاية لمرتين فقط. وعن طريقة زراعتها قال "فقط تقطع الورقة وتغرس في الأرض".

وعن استخدامات أخرى للصبارة قال كوكش "إنها تجفف كما هي، بعد أن تغسل وتنظف من الأشواك. تجدها في سوق البزورية مجففة مثل أصناف الفاكهة الأخرى".

وتروي أم محمد فوائد هذه الثمرة التي تسمى في مصر وفلسطين بالتين الشوكي قائلة "عدا عن فوائد الثمرة نفسها، التي تفيد المعدة والكبد وسواهما، فإن ساق الشتلة تغلى وتشرب لمرضى الربو. أو تطحن لتصير مرهما لبعض الأمراض الجلدية كالصدف"، هذا عدا عن استخدامها المعروف في مركبات التجميل.

واعتادت أم محمد أن تأخذ لأبنائها من هذه الثمرة، ولكن بالنسبة لعائلة كثيرة العدد يصبح من العسير شراء الثمرة مقشورة جاهزة، لذلك فهي تأخذ كمية وتضعها في الماء كي يلين شوكها، ثم تستخدم القفازات لتتقي ما تبقى من شوك.

ويحاول أحد الباعة أن يخفف من فداحة أمر الشوك، فيكشف عن ساعديه ليري آثاره وهو يقول "إن هذه الأشواك الناعمة في الجسم تفيده بأن تمتص الالتهابات الموجودة فيه".

متاعب تقشير الصبارة، أو كلفتها، ربما هي ما جعل تناول هذه الثمرة لميسوري الحال، ومما جعلها تقتصر على أهل المدينة، مترافقة مع طقوس أخرى، فالناس غالبا ما يخرجون من المطاعم إليها، متلهفين للقاء هذه الثمرة الريانة، الحلوة، والباردة، التي تتلون بين البرتقالي والأخضر.

هناك يتنافس رواد مقاهي الصبارة من يأكل عددا أكبر من حباتها، قبل أن يمضي الصيف.

 

ميدل ايست اون لاين
(520)    هل أعجبتك المقالة (514)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي