أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يؤثرون على أنفسهم.. لاجئون سوريون في لبنان يعيدون إحياء "الفزعة" لإنقاذ مرضاهم من الموت

مريض سوري ينتظر (الفزعة) ليدفع أجرة ورسوم مشفى لبناني

لطالما كانت ظاهرة "التكافل الاجتماعي" من ميزات المجتمع السوري قبل أن تبتلعه "رحى الدم" وتوغل في مكوناته تشويها وتفكيكا وتهجيرا وقتلا.

يقول اللاجئ السبعيني "أبو أحمد" المهجر من قرية "النزارية" في ريف حمص لـ"زمان الوصل" إن "الحب في أيامنا كان الدينامو الذي يحرك كل علاقتنا الاجتماعية في القرية، والبوصلة التي ترشدنا إلى كل سلوك جميل علينا أن نبادر إليه اتجاه جار أوصديق أوقريب أوصاحب حاجة".  

ويتابع "أبو أحمد": "كانت طريقتنا في التعبير عن ذلك الحب، وخصوصا في الأرياف، تأخذ شكلا عملياً وهو ماكنا نسميه بالفزعة".

 و"الفزعة" بحسب توصيف اللاجئ السبعيني "أبو أحمد" ليست كلمات تعاطف عابرة نتبادلها في سهراتنا ونمضي، كما أنها ليست جُمل مواساة شفهية منمقة لا تغني ولا تسمن من جوع، "الفزعة" طقس اجتماعي صارم، لايحتمل التسويف أو التأجيل، إنها نشاط اجتماعي يهب من خلاله كل سكان القرية لمد يد العون للأشخاص والعائلات لأكثر حاجة وفقرا، كل حسب قدرته واستطاعته". 

وأردف محدثنا: "للفزعة أشكال عدة، فقد تكون جسدية، وذلك عندما نهب لمساعدة بعضنا في مواسم الفلاحة والسقاية والحصاد، وجني محاصيل المشمش والزيتون، وقطف كروم العنب، وعصر الزبيب، وقد تأخذ الفزعة شكل دعم مالي، حيث نقوم في القرية بجمع مبالغ مالية من بعضنا البعض لمساعدة مريض في دفع تكاليف العلاج، أولمساندة شاب مقدم على الزواج، وكذلك عند دفع دية أو تعويض لشخص متضرر، أو للمشاركة مع رب عائلة فقير يحاول بناء منزل متواضع لعائلته". وكثيرا ما تأخذ "الفزعة" شكلا "ماديا".

ونوه "أبو أحمد" إلى أن التخلف أو التقصير عن المشاركة في في ذلك النشاط الاجتماعي المعروف "بالفزعة" يعتبر سلوكا اجتماعيا مستهجنًا ومعيبا من قبل سكان القرية، وينظر للشخص المتخلف عن المشاركة فيها بنظرة "اللوم والعتب" من  جميع سكان القرية.

وأبدى السبعيني "أبو أحمد" حسرته وحزنه على غياب هذه الظاهرة الاجتماعية عن سلوكيات المجتمع السوري، والتي كانت تشكل "حصناً" صحيا وماليا منيعا لكل فرد من سكان القرية.

واستهجن "أبو أحمد" حالة التفكك الاجتماعي التي باتت تصبغ المجتمع السوري خلال العقدين الماضين، وكأنه أصبح شعار كل واحد منا "يارب أسألك نفسي".

*محاولة لتدارك نقص الخدمات
تأتي "الفزعة" بين اللاجئين السوريين كرد فعل لتردم الهوة الناجمة عن تراجع الخدمات الصحية من مشافي ومستوصفات والنقاط الطبية داخل بلدة "عرسال".

  يقول مراسل "زمان الوصل" في البلدة إن تلك المؤسسات الصحية كانت تقدم خدماتها الطبية شبه المجانية للاجئين السوريين داخل "عرسال"، قبل أن تتراجع خاصة خلال العامين الأخيرين بسبب نقص التمويل والدعم من جهة، وبسبب القوانين اللبنانية التي بدأ تنفيذها بشكل صارم من قبل الجهات المختصة ذات الصلة.

وضمن هذا السياق وجه محافظ بعلبك "بشير خضر" إنذاراً إلى المسؤولين عن المستوصفات والمراكز الصحية على اختلافها في "عرسال"، يحذر فيه من توظيف أو تشغيل ممرضين وممرضات وصيادلة من التابعية السورية، لأن القانون اللبناني لا يسمح لهم بمزاولة هذه المهن، وذلك تحت طائلة إقفال المركز وتحميلهم مسؤولية أي ضرر صحي يثبت أن هذه المراكز قد تسببت به.

وعلل المحافظ هذا الإنذار بقانون العمل اللبناني وقانون تنظيم المهن الذي يمنع من مزاولتها إلا بحال وجود إقامة لصاحب العلاقة،وخضوعه لامتحان الكولوكيوم، واستحصاله على إذن مزاولة المهنة من النقابة المعنية.

وأكد مراسلنا أن عمليات الإغلاق التي  طالت 4 مراكز صحية كانت تقدم خدماتها الطبية للاجئين السوريين في مخيمات "عرسال" بشكل شبه مجاني، يضاف إليها هجرة بعض الأطباء السوريين للمخيمات، قد جعلت من تأمين رسوم الطبابة والعلاج وإجراء عمل جراحي أمراً شبه مستحيل قياسا لدخل اللاجئ السوري الذي وصفته تقارير أممية رسمية بأنه يعيش تحت خط الفقر المدقع. 

وزاد في الطين بلةالأزمة الاقتصادية الخانقة التي يشهدها لبنان بكل قطاعاته من عام 2019، والتي انعكست على المستوى المعيشي والطبي للاجئين السوريين.

أمام هذا التردي الذي يشهده القطاع الصحي في مخيمات "عرسال" اضطر ناشطون سوريون في المجال الإنساني أن يلجؤوا لأسلوب "الفزعة" وجمع الأموال من اللاجئين في المخيمات لجمع تكلفة عمل جراحي للمريض الأشد خطورة. 

*شهامة رغم الفقر   
"ريم عباس" ناشطة إنسانية ومواظبة بشكل دائم على المشاركة في "الفزعات" التي يتم الإعلان عنها عبر مجموعة "واتس اب" تؤكد لـ"زمان الوصل" حرصها على التبرع لكل حالة مرضية يعلن عنها في مجموعة الواتس اب، وغالبا ماتكون كلفة العمل الجراحي هائلة تصل أحيانا إلى 4 آلاف دولار. 

وتضيف "ريم": "لقد أثبت أهلنا السوريون في المخيمات رغم فقرهم وأوضاعهم الاقتصادية المتردية أنهم أهل شهامة وكرم، فالجميع يبادر للمشاركة في الفزعة ولو بمبلغ رمزي".

عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(178)    هل أعجبتك المقالة (16)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي