يبدو أن "الأنصار" لم يعودوا أنصارا، ولا "المهاجرين" قيض لهم العيش على أرض تصون كرامتهم وتحفظ حقوقهم كبشر على أرض الله الواسعة، التي ضاقت عليهم بما رحبت، فالصور القادمة من تركيا، تؤكد أن حياة السوريين باتت كالجحيم أو أشبه بذلك.
هذا الأمر ليس بجديد، فمع كل حملة انتخابية يكون وقود نيرانها المستعرة بين المرشحين، إهانة السوريين والتنكيل بهم وتهديد مصيرهم ووجودهم، الأمر ذاته يحدث عند كل خطوة تطبيع أو محاولة إعادة تأهيل لنظام الأسد سبب الويلات الذي كان وما زال.
*"قيصرى" جديد مآسي السوريين
عشرات العنصريين الأتراك لم يناموا ليلهم (الأحد – الإثنين)، قبل أن يهاجموا في مجموعات منظمة حاقدة، أملاك السوريين في ولاية "قيصرى"، بحجة أن "شاب سوري تحرش بطفلة سورية"، فقاموا بتكسير المحال وحرق السيارات ومهاجمة المنازل التي يقيم فيها اللاجئون، مرددين هتافات تنادي بطرد السوريين والأجانب من جميع البلاد.
"حرب حقيقية غير متكافئة بين جيش عنصري متسلح بملكية الأرض وتحيز القانون، وبين فئة مسحوقة معدومة مظلومة"، بهذه العبارة لخص "أبو هادي" ما جرى هناك، قائلا إن أحداث قيصرى "ذكرتنا ببراميل نظام الأسد ورائحة الموت التي انتشرت في كل مكان"، مؤكدا أن حالة الخوف والرعب منعت السوريين من الخروج ما جعلهم "حبيسي منازلهم".
هذا ما أكده الشاب "محمود" الذي وصل منذ شهور إلى الولاية، قادما من الأراضي السورية، مشددا على أن "ما جرى يصعب وصفه"، متسائلا أين "الأمم المتحدة ومنظمة شؤون اللاجئين والائتلاف الوطني السوري والحكومة السورية"، أم أن السوريين في تركيا ليسوا بشرا ولا تستدع المخاطر التي تحيط بهم تدخلا من أحد!؟.
الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ندد بالاعتداءات وحمل ما جرى لما أسماه بـ"خطاب المعارضة السام"، وقال: "لا يمكن قبول التخريب.
اللجوء إلى خطاب الكراهية من أجل مكاسب سياسية هو ضعف. التمييز والتهميش وإثارة العداوة لن يكون لها مكان في سياسة حزب العدالة والتنمية. نحن نسعى لخدمة تركيا سواء كنا في السلطة أو في المعارضة".
وأضاف: "لا يمكن تحقيق أي شيء من خلال تأجيج العداء للأجانب والكراهية تجاه اللاجئين. إشعال الشوارع بالتخريب أمر غير مقبول.. نرى أن العناصر الراديكالية داخل المعارضة تحاول إعادة تفعيل ممارسات تذكرنا بفترة 28 شباط. يجب عدم السماح بذلك".
*خطاب كراهية
أحداث العنف التي شهدتها الولاية، خلقت مجددا بيئة للعنصريين الأتراك ليبثوا سمومهم، وطالب نائب زعيم حزب الحركة القومية التركية "إسماعيل أوزدمير" بترحيل العاجل للسوريين، زاعما أن ذلك من أجل "سلامة تركيا والأتراك"، فيما قال مرشح الرئاسة التركية السابق "سنان أوغان"، إن "الحادثة يمكن أن تحدث في أي وقت في بلدنا حيث يوجد الكثير من اللاجئين".
حادثة "قيصرى" ليست الأولى، فبين الحين والآخر تنشط حملات التضييق على السوريين كان أكبرها في مدينة إسطنبول، وشهد شهر أب/أغسطس من عام 2021، حملات تهجم واسعة على السوريين شملت تكسير محال وسيارات، ما دفع المرشحين للرئاسة التركية بإدراج عودة السوريين إلى بلادهم على رأس قائمة برامجهم الانتخابية، منهم الرئيس "رجب طيب أردوغان" الذي تعهد بإعادة مليون سوري "طوعيا".
*الائتلاف يدعو لـ"ضبط النفس"
ندد الائتلاف الوطني السوري بأعمال الشغب والاعتداءات، داعيا إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء خطاب الكراهية والعنصريين الذين يحرضون على الفوضى والأذى، مؤكدا أنه قد قام بالتواصل مع الجهات التركية ذات العلاقة بخصوص ما حدث.
الائتلاف دعا السوريين المقيمين في تركيا إلى ضرورة التعامل مع الحوادث الفردية أو الجماعية عن طريق القوانين والسلطات التركية المسؤولة عن الأمن ومكافحة الشغب والانتهاكات، مذكرا الشعب التركي بـ"عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين الشعبين السوري والتركي"، وطالبه بـ"عدم الانجرار وراء من يريد خلق الفتنة والكراهية بين الشعبين الشقيقين".
بدروه، المجلس الإسلامي السوري طالب المسؤولين الأتراك في مقدمتهم رئيس البلاد، بأن يقوموا بواجبهم في حماية اللاجئين المستضعفين، مذكرا بحرمة العنصرية وعظيم جرمها وأنّ ضررها وخطرها يشمل الجميع.
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وثقت 3.6 مليون سوري يعيشون في تركيا بحماية مؤقتة منذ عام 2011، غالبيتهم يعتمدون على أنفسهم في تأمين قوت يومهم، وتحول قسم منهم إلى صناع وتجار لا يقلون عن الأتراك.
الحملات العنصرية المستمرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان، هدفها الأول والأخير إخفاء السياسة البائسة، العاجزة عن إصلاح مشاكل البلد، فراحت ترمي بأحمالها على ظهور اللاجئين المستضعفين الذين تخلى عنهم القاصي والداني وتحولت قضيتهم إلى ابتزاز المستضيفين وبازار جشع لجني الأموال والتبرعات من مؤتمرات المانحين، وهذا لن ينتهي إلا بعودتهم إلى بلادهم بعد رحيل نظام الأسد وعودة دولة القانون والعدل.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية