غيّب الموت اليوم الخميس الباحث والمؤرخ السوري "فايز قوصرة" سنديانة إدلب الذي يعدّ من أبرز الباحثين بالتراث الحضاري في سوريا عن عمر يناهز 79 عاماً إثر إصابته بجلطة دماغية دخل على إثرها في غيبوبة منذ أسبوعين -وفق نشطاء-.
وكرّس قوصرة أكثر من نصف قرن في دراسة معالم إدلبَ وتاريخها وآثارها، أحب مدينته، وحفظ تاريخها عن ظهر قلب، وعرف عائلاتها وجوامعها وكنائسها وأزقتها وتراثها وأحيائها شبرًا شبرًا، وترك للمدينة التي أهملها النظام في السلم وحاصرها ودمرها في الحرب إرثاً غنياً تمثل بعشرات الكتب والأبحاث في التراث المادي والمعنوي.
بدأ المؤرخ الراحل "فايز عبد القادر قوصرة "مشواره الثقافي متأثراً بجَدّ أمه المؤرخ والمؤلف "محمد راغب الطباخ"، صاحب سيرة "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء"، وبحسب بيان نعي لرابطة الكتاب السوريين استمر الفقيد حتى أيامه الأخيرة في توثيق آثار إدلب وتاريخها، دارساً كل حجر فيها، أو صفحة مكتوبة عنها، لينجز مهمة كان يجب أن تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها، ويترك عشرات الكتب والأبحاث في التراث المادي والمعنوي للمنطقة، في الوقت الذي كان يعيش فيه حياة بسيطة ويعاني الفقر وظروف الحرب وكان في أواخر حياته يدير بقالية صغيرة ليؤمن قوت يومه.
درس "قوصرة" المرحلتين الإعدادية والثانوية في مسقط رأسه بمدينة إدلب، وأكمل تحصيله الجامعي في جامعة دمشق، وحصل على إجازتين علميتين في التاريخ والدراسات الفلسفية والاجتماعية، ليبدأ نشاطه الثقافي بعد تخرجه.
صدرت أول مؤلفاته عام 1984، بعنوان "الرحالة في محافظة إدلب"، لتبدأ بعدها سلسلة من المؤلفات والمراجع التي أصبحت إرثاً ثقافياً ومرجعاً لكل من يرغب في الاطلاع على تاريخ إدلب وحضارتها.
ومن أبرز مؤلَّفاته أيضاً "من إيبلا إلى إدلب"، وهو مجلد ضخم يحوي أكثر من 140 وثيقة وصورة في 422 صفحة و"الثورة العربية في الشمال السوري.. ثورة إبراهيم هنانو"، و"التاريخ الأثري للأوابد العربية الإسلامية في محافظة إدلب" الفائز بالجائزة الأولى في مسابقة جمعية العاديات في حلب عام 2004م.و"التاريخ الأثري للأوابد العربية الإسلامية في محافظة إدلب" و"قلب لوزة درة الكنائس السورية"، الصادر باللغتين العربية والإنكليزية.
وكان آخِر أعمال المؤرخ الراحل كتاب عنوانه "إدلب البلدة المنسية"، الذي يتحدث في الجزء الأول منه (400 صفحة) عن تاريخ إدلب القديم حتى الوحدة بين سورية و مصر، متطرقاً إلى حال السكان والزوايا والتَّكايا والمساجد والمقابر..، ثم تتحدث الأجزاء الأخرى عن التغييرات التي طرأت على إدلب في التاريخ الحديث.
منارة إدلب
ورثى عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الباحث قوصرة بعبارات مؤثرة وعلق "عبد الحليم الرحمون":" تودّع اليوم مدينة إدلب علما من أعلامها، ومنارة من مناراتها، المؤرخ السوري " فايز قوصرة" الذي ترك خلفه أثراً -وما أجمله من أثر- ، أورثنا العديد من المؤلفات التّاريخية لنُنير بها عقولنا من بعده.
وقال "مازن عرجة" راثياً الراحل :" عاش بسيطاً ...عزيز النفس كريما ... عالما، مؤرخا لتاريخ محافظته، غني الفكر، موثقا لتاريخ حضارات المواقع الأثرية لادلب ، والذي لم يقدر علمه الكثيرون للأسف".
وفي إشارة إلى إهمال نظام الأسد للباحث فايز قوصرة فيما يتم تلميع أدعياء الثقافة والعلم عقّب" "عمر حاج احمد": "الأمّة التي تُهمّش قاماتها العلميّة، وترفع وضيع العلم على حساب علمائها وأدبائها ومؤرخيها.. هي أمّة فاشلة.
وتابع حاج أحمد: "فايز قوصرة حاربه الأسد الأب والإبن وكل السلطات التي مرّت على مسقط رأسه ادلب. حاربوه وهمّشوه وأبعدوه عن مشهد التأريخ والثقافة والعلم، ولكن كتبه وأبحاثه ومكتبته الغنيّة، وحتى دكانته الصغيرة ستبقى شاهدةً على عظمة هذا الرجل، وما قدّمه لأمةٍ ما قدّرته..
ووصف "سراج الباشا" الباحث الراحل بالإرث الثقافي والتاريخ الذي يمشي على الأرض.
وأضاف: "يرحل اليوم المؤرخ د.فايز قوصرة بعد معاناة مع المرض وقبلها مع الفقر والتهميش والتعب ورغم ذلك لم ينقطع عن مسيرته المفعمة بالبحث والتوثيق والمعرفة بالتاريخ.
وقال "محمد أحمد لاطة:"اليوم ترحل و يفتقدك المختص و الباحث و الطالب الذي يقدر صنيعك و يعلم حجم الجهد و التعب الذي تكبدته لتخرج لنا الكتب التي أصبحت مراجعنا عن ادلب".
وتابع :"اليوم ترحل ولم تكمل ما بقي لديك من أفكار لم تنجز بعد ما هدفت لإنجازه".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية