أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا يزال الخفي أكثر من الجلي



إن قرار الرقابة أن تجيز لوسائل الإعلام في إسرائيل نشر أن الجيش الإسرائيلي هاجم في ارض سورية من غير نسبة هذه الحقيقة إلي مصادر أجنبية هو في ظاهر الأمر مسألة تقنية لكن له معني كبيرا بالواقع.
هذه مسألة تقنية، لان القرار لم يكشف عن أي تفصيل لم يكن معروفا إلي الآن. إن حقيقة أن إسرائيل هاجمت في سورية نشرت في جميع وسائل الإعلام المهمة في العالم، بل إن رئيس سورية بشار الأسد بنفسه أجاز ذلك أول أمس. وساعدت زلة لسان رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو في الأسبوع الماضي علي هدم السور الحديدي الذي منع أي نشر عن مصادر إسرائيلية يتصل بالهجوم.
إن قلة علي علم بأن مجرد إجازة نشر أن الجيش الإسرائيلي هاجم في سورية ليس اعترافا إسرائيليا رسميا بأن هجوما كهذا وقع حقا. يحق للرقابة أن تلغي أنباء خوف الكشف عن أسرار أمنية، لكن إجازة نشر نبأ ما ليست ضمانا لصحة التفصيلات التي تظهر فيه، كلها أو بعضها.
باستثناء أمر وقوع الهجوم في سورية، لا يوجد إذن بأن تنشر مصادر إسرائيلية أي تفصيل آخر يتصل بالعملية. من هذه الجهة ما يزال الخفي أكثر من الجلي. ورغم ذلك يوجد معني كبير لحصول وسائل الإعلام في إسرائيل علي إذن بنشر معلومات عن مجرد الهجوم. إن العالم ينسب إلي نشرات من هذا النوع صدقا تاما بل يميلون في العالم العربي إلي أن يروا الأنباء التي تظهر في وسائل الإعلام في إسرائيل رسائل منقولة مباشرة من السلطة كما هي العادة في بلادهم. باستثناء محاولة منع تسريب تفصيلات عملية تتصل بالعملية، كان السبب الرئيسي للتكتم التام الذي فرض عليها الخوف من انه إذا تحملت إسرائيل تبعة الهجوم في سورية، علي نحو رسمي أو ضمني، فان السوريين سيُدفعون إلي الركن وسيضطرون إلي الرد بعمل عسكري ولو من اجل الدفاع عن كرامتهم. كان تسلسل أمور كهذا قد يؤدي إلي حرب غير معني بها الجانبان.
إن حقيقة أن السوريين اعترفوا هم أنفسهم بأن إسرائيل هاجمت أرضهم وأنهم لم يردوا إلي الآن علي الهجوم بوسائل عسكرية قللت جدا من تخوف حرب تنشب بسبب ثرثرة إسرائيلية. لكن إذا أجيز نشر جميع التفصيلات عما حدث في الخامس من أيلول (سبتمبر) في عمق سورية، كما تظهر من شظايا المعلومات المنسوبة (مرة أخري) إلي مصادر أجنبية ، فقد يزداد التضييق علي سورية للقيام بعمل رد علي إسرائيل.
ورغم جملة التقديرات الواسعة، اتخذ أفراد الرقابة أنفسهم قرار الإذن لوسائل الإعلام في إسرائيل بنشر أن الجيش الإسرائيلي هاجم في الأرض السورية، بغير تدخل جهات رفيعة من المستوي السياسي أو من قيادة الجيش. خلصوا في الرقابة الي استنتاج انه في ضوء طوفان النشر عما حدث، لم يعد يوجد داع الي إلصاق تعبير علي حسب مصادر أجنبية بكل تقرير عن الهجوم في سورية. تعمل الرقابة بضرورة ترتيب بين جهاز الأمن ومصادر الإعلام، يمنحها تقديرا مستقلا للرأي. إن حقيقة أن هذا القرار، الذي هو في ظاهر الأمر تقني، قد اتخذ بلا تشاور واسع هي التي أغضبت جهات في ديوان رئيس الحكومة وفي قيادة جهاز الأمن نفسه.





القدس العربي
(126)    هل أعجبتك المقالة (127)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي