أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

باب الحارة مسلسل يحاكي أفلام الكاوبويز ... أمجد درويش


في ذلك اليوم وبينما كنت أشاهد شاشتنا الرمضانية فوجئت بالمخرج بسام الملا وقد قام بتحضير (تنجير) الجزء الثاني من المسلسل الرائع باب الحارة ...مع بعض التعديلات ففي هذا الجزء ليس هنالك وجود لشخصية (الادعشري ) بل يوجد (التلطعشري).....
عندها بدأت أهلوس ...
أيام شامية.... ليالي الصالحية .... باب الحارة....
يا الهي ؟!!! كم هو عدد حارات( القبضايات والعضوات) الموجودة في سوريا والتي يريد التلفزيون أن يصورها لنا؟!!!
أو بالأحرى ما هو ذنبنا؟!!! ماذا فعلنا حتى نستحق هذا الاستخفاف الكبير بعقولنا ؟!
لم هذه النظرة المحدودة في تصوير شعبنا ؟ هل انتهت النصوص؟!!
ألا يعلم القائمون على الفن في بلدنا أنه بعد كل جزء من هذه المسلسلات يزداد في شوارعنا حاملوا (الموس) ... من المراهقين و الشباب ...
طبعا في هذه الحالة حقق المسلسل غايته ... إذ لم تبق شخصية مهزوزة أو تافهة في حينا ولم تتأثر بهذا المسلسل وأبطاله الذين لا يهزمون ...لأنه يعرض وفيه نوع من الحنين إلى تلك الأيام ...أيام المجتمع الذكوري والرجولة المطلقة...
- تصوير لشخصيات تصنع الحضارة بشراويلها وشواربها... وبأصواتها المرتفعة والممطوطة ...
وربما لو كان الممثلون يتكلمون لغة عادية ومن دون أحرف المد لكان المسلسل عبارة عن ثلاث حلقات ... وسبع وعشرون حلقة هي عبارة عن أدوات استغراب واندهاش واستنكار من قبيل :
- كييييييييييييييييييييييف؟ أي (كيف )...
- شووووووووووووووههههههههه ...أي (ماذا أو شو)..
- أي مانا زابطاااااااااااااااااااااااااااع ..أي (لا تصلح أو مستحيل )..
بالإضافة إلى الأمثال الشعبية التي تتشدق بها نساء الحارة.. والدعوات التي لا تنتهي والتي مختصرها (الله يوفقك يا ابني ) ... مع العلم أن أي أم في الكرة الأرضية تحب ابنها وليس هذا الحب هو حكر على نساء تلك الحارة ...
أين الجميل في متابعة حارة كلها قبضايات ومحسوبيات ... تتمنى لو أنك ترى فيها رجلا عاديا من دون سلاح أبيض ....ما الفرق في هذه الحالة بين العضاوات والكاوبويز...
كل الرجال في هذا المسلسل تنحين ...لا تستطيع التفاهم مع أحد ... لغة النقاش والحوار معدومة ....
لماذا المعلم عمر لا يخطئ أبدا ...
لماذا لا يستطيع أحد أن ينتصر على ( غرندايزر) الحارة ( المختار) ..مع العلم أن سقفه كف واحد....
ولماذا العقيد الركن أبو شهاب لا يبتسم ولو على جثته.....
ولماذا عندما تصف الأم العروس لابنها يكون دائما الوصف ذاته في كل مرة ..
عيون كبيرة وفم قد الفستقة ...وسنان مثل حبات اللولو( بتقول للقمر قوم لأقعد محلك)
لدرجة نظن معها أنه كلما أنجبت امرأة في ذلك الحي طفلة يقول القمر (منو لحالو )
(أماني تعي قعدي محلي )...
المسلسل عبارة عن حشد من المشاهد المخجلة...
فالنساء تتكلم مع بعضها عبر الجدران... وهنا يجب أن ندرك الحقيقة القائلة ( الحاجة ليست أم الاختراع ).. إذ لسنا من اخترع الموبايل ....
والديون تعقد بثلاث شعرات من الشارب...
والحموات ينتظرن العريس في ليلة دخلته حتى يمد يده بمنديل مضمخ بالدم وكأنه يرفع علم ثورة ما ( الثورة الجنسية ) ...
هل من المعقول أنه لم يعد لدينا مشاكل نعبر عنها أو مواضيع نطرحها ...
ماذا عن مرحلة تأسيس الشاب لنفسه والتي قد تصل حتى سن الثلاثين من دون تأمين بيت جيد... ماذا عن الكبت والفصل بين الجنسين ... ماذا عن الجرائم التي ترتكب بدافع الشرف ... ماذا عن الإنسان الذي قد يموت بطعنة سكين وتعتبر (فورة دم ) ولا يعاقب الجاني عندها عقابا صحيحا ...
ماذا عن الشباب الذي ينجر إلى هاوية فن مقرف ... ماذا عن التأثير السلبي لبقاء الشباب في بيت الأهل لفترات طويلة ...
ماذا عن الناس التي تدعي أنها تعيش مراحل حياتها وهي في الحقيقة لا تعيشها إلا شكليا من المراهقة إلى الشباب إلى الرجولة ...إلى الندم...
ماذا عن المراهقين الذين يحددون مصيرهم في الشهادة الإعدادية ...أي في المرحلة التي تمثل قمة الاضطراب وانعدام المسؤولية والهوية ...ماذا عن ( شيوخ الشباب)الذين يريدون هداية الأمة ...ماذا عن استغلال الدين .... ماذا عن التكفير والتحليل والتحريم ...
ماذا عن أولئك الذين يضيعون وقتهم ووقتنا بجدولة الفضيلة والرذيلة .....
وآلاف المواضيع التي لا تحتاج في تصويرها إلى شيء سوى الصدق والصراحة في طرحها...
إن النصوص في هذه المسلسلات لا تتناسب و معطيات عصرنا ... ولا مع نفسيات الناس حاليا .... ومحاولة إعطاء المسلسل بعد قومي من حيث أن هؤلاء هم من ساعد الثوار ضد المستعمرين ... هي أولا محاولة فاشلة لإعطاء عمق للأحداث وثانيا هي إهمال للمناضلين الواعيين والسياسيين والشعراء والمقاتلين وآخرون هم الأحق بأن يكونوا أبطالا للتحرير ...
عزيزي المخرج بسام !!
اذا كنت تريد محاكاة (الواقع) بمادة (درامية)... انظر جيدا إلى الشخصيات المثالية لديك ... فهي إما خيرة بشكل مطلق أو أنها شريرة بشكل مطلق (ملائكة أو شياطين)... ولا تنسى (أو تتناسى) أن الواقع يبنى بالإنسان الذي يعيش حياته في صراع مستمر مع تناقضاته ...
أعزائي الممثلين!!!!
نعلم بأنكم آخر من يتمنى أن يحيا في جو مماثل لهذه (الحوا ير) ..
اذا على أي أساس تصدرون لنا هذا المفهوم عن الحياة الاجتماعية على أنه خير مثال على الحياة الحضارية السعيدة ...والجميلة أيضا ...
وفي النهاية لدي طلبين ...
أولا :
أطلب من الرقابة القيام بشيء مفيد ولو لمرة واحدة على الأقل ...وأن تحارب هذا النوع من المسلسلات بحجة أنه لدينا الكثير من الفترات التاريخية التي فعلا تدعوا إلى الافتخار ...وأن الحضارة تبنى بأشخاص من أمثال سعد الله ونوس ...أدونيس ...عبد الرحمن الكواكبي ..محمد الماغوط ...ممدوح عدوان ..يوسف العظمة ... جول جمال ...الخ...
ثانيا:
أطلب من المعلم عمر أن يصبر ولا يقلق ...
فالناس وصلوا إلى المريخ ... وتطوروا في مجال علم الأحياء والطب ... والتكنولوجيا تتقدم بسرعة الضوء .... والحياة لن تتوقف ...
حتى ولو لم تحبل سعدية ...
طول بالك معلم عمر ... طول بالك ...




(121)    هل أعجبتك المقالة (150)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي