سلطت دراسة لـ "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" الضوء على محاولة فهم طبيعة العلاقة بين نظام حزب البعث والمجتمع المدني السوري، خلال فترة حكم حافظ الأسد، وتحليلها، وسبر الأسباب التي جعلت من نشاط المجتمع المدني في تلك الفترة نشاطًا معارضًا للنظام.
واعتمدت الدراسة التي اعدتها الباحثة "ماسة الحمصي" على مقابلات واسعة مع ناشطين في مجال حقوق الإنسان وفي المنظمات الحقوقية، ومع محامين وقضاة ناشطين في منظمات مدنية، ومع سياسيين لديهم باع في العمل في مجال المجتمع المدني.
ووفق الدراسة تعَدُّ منظمات المجتمع المدنيّ أحد أهمّ المؤشرات الدالة على مدى تطور المجتمعات المعاصرة، ذلك لأنها تعنى بتعزيز صلات الفرد بمجتمعه، وتجعله عنصرًا فاعلًا في تحقيق التنمية المجتمعية. وقد ارتبط مفهوم المجتمع المدني، خلال مراحل تطوّره، بنضال الشعوب من أجل الحرية.
إعاقة العمل المجتمعي
ومرّ بمراحل طويلة حتى تبلور مع بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، بأن كان الوسيلة التي تنظّم العلاقات بين الفرد والدولة والمجتمع في النظم الديمقراطية.
وأشارت الدراسة الى ان وجود منظمات مدنية فاعلة وذات تأثير في المجتمع يكاد يجعلها سلطة مقابلة لسلطة الدولة، ولهذا نجد أن النظم الدكتاتورية والاستبدادية تعمل على إعاقة العمل المجتمعي، وترفض منح تراخيص لأي عمل من هذا النوع تحت أي مسمى سواء أكان منظمة، أم هيئة، أم جمعية، أم فريقًا، أم منتدًى، أم ناديًا.. إلخ، إلا إذا كان تحت سيطرتها الكاملة.
قيادة المجتمع السوري
وتتبعت الدراسة مسار انتقال قيادة المجتمع السوري، على يد حزب البعث الشمولي، إلى الدكتاتور الذي حكم سوريا، دولة ومجتمعًا، وعمل على توريث السلطة كاملة لابنه بشار. وفيها تحليل للسمات العامة لسياسة حافظ الأسد، ثم سياسة بشار الأسد، تجاه المجتمع المدني، انطلاقًا من فرضية أنه "لا وجود للمجتمع المدني في ظلّ حكم حزب واحد شمولي".
مع ملاحظة أن النظام السوري هو نظام جمهوري شبه رئاسي، وفقًا للدستور، وليس نظامًا ملكيًّا يُشرع نظام توريث الحكم!.
وتكونت الدراسة من جزئين: الأول تناول موضوع واقع المجتمع المدني، ابتداءً من عام 1963، العام الذي استولى به حزب البعث على الحكم في سوريا، حتى عام 2000، تاريخ وفاة حافظ الأسد الأمين القطري لحزب البعث ورئيس الجمهورية.
فيما تناول الجزء الثاني الموضوع للفترة ما بعد عام 2000، اي منذ تولي بشار الأسد رئاسة حزب البعث والجمهورية العربية السورية.
وأجاب الجزء الأول عن جملة من الأسئلة: كيف أثّرت التوترات السياسية في نشاط الهيئات الاجتماعية قبل وصول حزب البعث إلى السلطة؟ وهل تمكّن السوريون من بناء نواة لمجتمع مدني بعد الاستقلال عن فرنسا؟.
وكيف تعامل حزب البعث في فترة رئاسة حافظ الأسد مع حراك المجتمع؟.
وما هي البدائل التي وضعها لإحكام سيطرته عليه؟ وهل يمكن تصنيف تلك البدائل بأنها مؤسسات مجتمع مدني.
ولماذا أصبح كلّ حراك للمجتمع المدني في سوريا يتصف بأنه حراك سياسي حقوقي منبثق عن جهات معارضة لنظام حكم حزب البعث؟.
مراقبة الأنشطة
وبينت الشهادات التي قدّمت للدراسة عن الفترة الأولى لحكم حزب البعث، ما بين عامي 1963 و1970، أنه كانت هناك مساحة صغيرة لممارسة بعض الفعاليات والأنشطة، التي يمكن أن تكون أقرب إلى أنشطة المجتمع الأهلي.
ومنها إلى أنشطة المجتمع المدني،لأن نشاطها كان مقيدًا بنصوص القانون ومراقبًا ومقتصرًا على العمل الثقافي والخيري.
وبالبحث في أسباب منح حزب البعث للمجتمع هذه المساحة الصغيرة من العمل المجتمعي، تبين لباحثة أنها تعود أولًا لقرب تلك المرحلة زمنيًّا من عهد الاستقلال الذي انتشرت ومورست خلاله الأفكار الديمقراطية ضمن المجتمع السوري.
وثانيًا لأن قيادة نظام حزب البعث في بدايات تسلّمه السلطة في سوريا كانت مدنّية ومتمسّكة نوعًا ما في خطابها بأفكار الحرية، على أنها منهج حياة ينبغي ترسيخه في الواقع السياسي والاجتماعي.
أما في الفترة الثانية الممتدة من انقلاب التيار العسكري على القيادة المدنية داخل حزب البعث، في العام 1970، التي سماها الحزب "الحركة التصحيحية"، فقد أصبح حزب البعث الذي يقوده حافظ الأسد هو القائد للمجتمع والدولة، بموجب الدستور.
القضاء على مؤسسات المجتمع المدني
وخلال هذه المرحلة قُضي نهائيًا على مؤسسات المجتمع المدني من نقابات مهنية وعمالية وفلاحية، ومن جمعيات ثقافية وعلمية، ومن هيئات وحركات نسوية وطلابية.
وحلّ محلها اتحادات ونقابات وجمعيات تابعة بشعاراتها وأهدافها لشعارات حزب البعث العربي الاشتراكي.
أما الجمعيات الخاصة التي رُخّصت للعمل وتمكّنت من ممارسة نشاطها المجتمعي في تلك الفترة، فإنما هي جمعيات تأسست قبل استلام حافظ الأسد حكم سوريا عبر قيادته لحزب البعث، وأغلبها جمعيات أهلية خيرية أو أهلية ثقافية.
ولا يمكن -بحالٍ من الأحوال- وضعها في حقل نشاط المجتمع المدني، لأنها من ناحية تخضع لرقابة النظام وفروعه الأمنية، ومن ناحية أخرى لا تُحقق الشرط الأساسي للمجتمع المدني في الدول الحديثة، وهو أن يكون نظام الدولة ديمقراطيًا في التطبيق العملي، لا على الورق فقط.
ومركز حرمون للدراسات المعاصرة "مؤسسة بحثية علمية مستقلة غير ربحية، تدعم الابتكار النظري المؤسس على اشتقاق المعرفة من الواقع،وتهتم بقضايا الإنسان السوري الراهنة وبمستقبله، وبالصراع الدائر في سورية وآفاقه، وبسبل الانتقال إلى الدولة الوطنية الحديثة".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية