فقدت الحركة المسرحية العربية واحداً من أهم مثقفيها ومبدعيها الكاتب السوري "عبد الفتاح رواس قلعه جي" الذي رحل، الأحد الماضي، عن عمر ناهز الـ 85 عاماً بعد معاناة مع المرض، وصُلّي عليه في جامع آمنة بسيف الدولة ليدفن في مقبرة (أبو الرجا) بالكلاسة.
وعبد الفتّاح رَوّاس محمّد قَلعَه جي في حلب في 21 يوليو 1938 شاعر وكاتب مسرحي سوري. درس الابتدائية في مدرسة العرفان ثم انتقل إلى إعدادية سيف الدولة ومنها إلى ثانوية هنانو. انتسب إلى دار المعلمين في 1953 وتخرج منها عام 1956.
وتابع دراسته في كلية التربية في 1957 ولمدة سنتين على أساس أهلية التعليم. ثم انتسب إلى جامعة دمشق وحصل على الليسانس في اللغة العربية في 1965.
عمل مدرسًا في ثانويات حلب ومناطقها من 1956 حتى 1979. ندب إلى العمل في مكتب الحبوب، وبعدها إلى إذاعة حلب، ثم عاد إلى مديرية التربية وعيّن مديرًا للمكتب الصحفي، ثم في مكتبة المديرية، حتى أحيل إلى التقاعد. عمل في إعداد البرامج في إذاعة حلب، وفي المركز التلفزيوني بها. تسلم رئاسة فرقة المسرح الشعبي بحلب 1968 – 1969.
كما عيّن رئيسًا لفرقة المسرح الشعبي في حلب عامي 1968 – 1969.
نشر شعره وأدبه في الصحف والمجلّات السورية وشارك في العديد من الندوات والمهرجانات في سوريا والوطن العربي وإيران وذلك بصفته باحثا ومحكّما. له مؤلفات قصصية للأطفال ودواوين شعرية وأعمال مسرحية ودراسات في الفكر والأدب والفن.
وهو عضو في كل من اتحاد الكتاب العرب بجمعية المسرح، وهيئة مجلة الحياة المسرحية وهيئة مجلة الشهباء الحلبية وجمعية العاديات بحلب.
مدينة من قش.
وكان قلعجي من أوائل الذين تنبئوا باحتراق سوريا بالشكل الذي نشهده الآن، وذلك في مسرحيته (مدينة من قش) وخلاصتها أن مدينة ينتشر فيها الظلم والفساد والاضطهاد والرشوة والاستغلال ..الخ .. هي مدينة من قش تكفي شرارة واحدة لتحترق بكاملها.
وقال في حوار أجرته "زمان الوصل" معه في آب 2013 إن مسرحيته المذكورة تتحدث عن الشخصية التاريخية الفكاهية جحا الذي يأتي مع حماره إلى المدينة ليصبح قاضياً، أرادته السلطة لعبة في أيديها، ولكنه يفاجئها بفضح أمر العصابة الحاكمة المؤلفة من الوالي والكتخدا مدير أعماله وزوجة الوالي ورئيس البلدية ورئيس الشرطة.. وشاهبندر التجار.
حياة مشخّصة
ولدى سؤاله عن كيفية التحرر من الرقابة الفكرية والأدبية في سوريا التي تخضع لمعايير لا علاقة لها بالموضوعية والشفافية، قال قلعجي أن المبدع لا يكتب مقالاً سياسياً مباشراً وإنما يقدم فناً هو في حقيقته أشد من أي مقال سياسي لأنه يقدم حياة مشخّصة، ولهذا ليس من الضروري أن يكون ما يقدمه فجاً مباشراً، المهم أن تصل الكلمة إلى الجمهور وبفنية عالية".
وأضاف: "في فترة الرقابة المشددة لجأت إلى "مسرح اللامعقول" وفي فترات تالية لجأت إلى مسرح حداثي تجريبى وجماهيري أيضاً.. لم أعد أخشى الرقيب فقد صار اسمي في جميع أرجاء الوطن العربي يدافع عني.
وعن تصوره لشكل الرقابة على الإبداع في سوريا بعد أن دفع الشعب السوري فاتورة باهظة ثمناً للحرية، قال الكاتب الراحل في الحوار المومى إليه إن الشعب السوري اليوم يدفع الفواتير الواحدة تلو الأخرى تارة باسم السلطان والوطن، وأخرى باسم الحرية والديموقراطية، وثالثة باسم الخلافة.. أو بأسماء أخرى.
وأردف أن "محرري هذه الفواتير المدنسة وحاملو خوابي الدم واللحم الإنساني وطباخو الرؤوس المقطوعة، في أغرب وأغبى وأقذر حرب شهدها التاريخ -بعد حرب راوندا- هؤلاء جميعهم انحرفوا عن الطريق فهم يحملونها اليوم وبإصرار إلى مائدة الشيطان الأكبر.
وختم :"إذا استمر الحال على هذا الانحراف المأساوي فلن تكون هنالك رقابة في المستقبل لسبب بسيط هو أنه لن يكون هنالك إبداع ولا مؤسسات للثقافة والإبداع.. كل شيء محرم.. وستعود سوريا إلى العصر الجليدي".
سقوط الجدران الأربعة
يذكر أن آخر مؤلفات الكاتب الراحل كتاب بعنوان "حداثة المتصل. مشروع آخر في المسرح العربي" الذي صدر عن الهيئة العربية للمسرح، وضم بين دفتيه استجواباً للتراث وشعلة التأصيل وسحر الموروث ومعملية التجريب، وسقوط الجدران الأربعة، وتضمن إحالات نحو مشروع مسرحي آخر، ليجيب على سؤال علاقة العرب بالمسرح، مستعرضا مساخر عديدة وعروض خميس المشايخ والقاصود.
وأصدرت هيئة المسرح في الإمارات العربية المتحدة مجلداً يضم أربع مسرحيات من تأليف الكاتب الراحل وأهمها مسرحيته -سيرة مدينة اسمها حلب -ملحمة حلب المسرحية الكبرى، سنوات الجمر والنار.
وقال الكاتب الراحل عنها: لم أفرح بكتاب لي مثل فرحي بصدور هذه المسرحية التي كتبتها عن أحداث ومعاناة أهل حلب في سنوات الحرب التي نعيشها، وفي ظروف إصابة سكني بصاروخ وخروجي جريحا من بين الأنقاض، وقد عمدت فيها إلى اعتماد تقاطع تقني فني وفكري متعدد الأساليب المسرحية مع تاريخ حلب عبر العصور.
وأضاف: "للأسف لم أستطع نشر هذه المسرحية الملحمية في وطني بسبب الرقابة وغباء احد المحكمين الذي يؤول مالا يؤول وبقيت مخطوطة في درج مكتبي منذ عام 2013 إلى أن طبعتها لي الهيئة العربية للمسرح.
ومنح قلعجي العديد من الجوائز الأدبية والفنية ومنها جائزة مجلس مدينة حلب للإبداع الفكري عام 1998 وتم تكريمه ودراسة أعماله المسرحية في تشرين 1999 من قبل جمعية المسرح – اتحاد الكتاب العرب، بالتعاون مع مديرية الثقافة بحلب. كما منح جائزة الدولة التقديرية في المسرح والآداب عام 2015 .
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية