أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثروة المائية ....والحفاظ عليها

الماء أصل الأشياء كلها .(الفيلسوف طاليس)

قبل الدخول في موضوع المياه والمشاريع المنفذة والتي ستنفذ في المستقبل,ومن أجل شربة ماء تصل إلى الفم ليحيا بها إنسان,لا بد من الحديث عن دمشق العزة والكبرياء ,الأمن والآمان ,التي تنام بين أحضان قاسيون وقلبها بردى.

دمشق التاريخ ,العاصمة الأقدم منذ نشوء الكون,الأبية والعصية على من يريد الشر بها,دمشق المجد,العابقة برائحة الياسمين,عاصمة العرب وملجأ الأحرار,دمشق الطاردة لجحافل الغزاة ,دمشق المحبة والتسامح والعنفوان.

لأجل كل ذالك ستبقى دمشق نبع السلام وماء الحياة لمن يريد لها الخير.

بردى ونبع عين الفيجة:

يغذي دمشق وغوطتها منذ أقدم العصور نبعان هما نبع الفيجة ونبع بردى ,يقع نهر بردى على بعد 40 /كم /من دمشق ,ويبلغ وسطي تصريفه السنوي 112مليون م3 ,ويتجه في مساره من الغرب إلى الشرق ويبلغ طوله من منبعه حتى مصبه 65كم,ويسير في سهل الزبداني إلى أن يمر بواد يسمى(بردى),حيث ينظم إليه عند قرية الفيجة نبع عظيم هو نبع الفيجة ,الذي يبلغ وسطي تصريفه السنوي 250مليون متر مكعب ,ويصل تصريفه اليومي ألأعظمي في سنين العطاء إلى حوالي 2,5مليون متر مكعب,وبعد أن ينظم نبع الفيجة إلى بردى يزيد في غزارته إلى حد كبير ,ثم يتابع بردى سيره في الوادي ,وعلى مشارف دمشق تتفرع عنه ستة أقنية هو سابعها ,وتتجه جميعها نحو الغوطة لتستخدم في أغراض الري ,ثم يتابع ليصب في بحيرة العتيبة.

لقد عرف الأقدمون أهمية نبع الفيجة وجودة مواصفات مياهه وعذوبتها ,فاتخذوه مكاناً للعبادة ,بدليل وجود المعبد الروماني فوق النبع المعروف بأسم (حصن عزتا),ولم يبقى من هذا المعبد سوى بقايا جدران التي يظهر جزء منها شمالي خزان النبع...هذا فضلاً عن الحجرة المقدسة أو حجرة مقاسم المياه التي كانت تخرج المياه من الفوهات المنتشرة في أسفلها وتندفع جارية نحو القناة الأثرية ,التي كانت تحمل مياه نبع الفيجة إلى دمشق في القرون الأولى.

وآثار هذه القناة لا تزال ماثلة في سفح الجبل في منطقة بسيمة من وادي بردى,ويدل مقطع هذه القناة على أنها كانت تستطيع جر ما لا يقل عن متر مكعب بالثانية ,ويقال أنها كانت في زمن الرومان تجر المياه إلى سهول الضمير على بعد /25/كم إلى الشمال الشرقي من دمشق,هذا وإن عدم استقرار تربة المنطقة التي كانت تمر فيها هذه القناة والإهمال سببا تخريبها.

لقد أقامت لجنة عين الفيجة عام 1932حوضا لحصر المياه فوق النبع والمعبد وقد تصور أحد الفنانين المعبد في عهد الرومان ,واللوحة مرسومة بالفسيفساء علة أحد جدران قاعة الاجتماعات في مبنى المؤسسة.

جر مياه نبع الفيجة لمدينة دمشق وتوزيعها بواسطة السبلان:

عند ما كانت السيول تقذف الأتربة الحمراء في الأنهر خلال فترة الشتاء , كانت المياه تحمل معها الرسوبات إلى القساطل فتسدها كما أن المياه تصبح غير صالحة للشرب بسبب عكارتها .... وكان الناس يلجأ ون إلى ملء أوانيهم من بعض العيون الموجودة حول المدينة (عين الكرش-عين الفيجة-عين الزينبية-عين علي..)أو من الآبار المحفورة بالمنازل التي كانوا يستخرجون منها المياه السطحية الملوثة ,عدا ذالك ف‘ن مياه الأنهر كانت مرتعا خصبا لكثير من الجراثيم ,لذا أصبح الزحار مرضا بلديا ,وأخذت الحمى التيفية والأوبئة الفتاكة كالهيضة الأسيوية تنتابها بشكل جائحات مهلكة بين حين وآخر ,إلى أن استقر الرأي في عهد الوالي التركي ناظم باشا على إسالة جزء من مياه الفيجة إلى دمشق بأنابيب محكمة وتوزيعه على مناهل منتشرة في أنحاء المدينة.

وقد تم جر المياه عام / 1908/ بواسطة أنبوب من الفونت قطره/250/ملم ,كان يصب في خزانين كلاهما في المنطقة الشمالية المرتفعة من المدينة.,(خزان العفيف 2000م3,وخزان ظبيان وسعته 500م3).يوزعان المياه على/ 400/سبيل منتشرة في أنحاء المدينة ,وكان يجري فيها الماء بمعدل ساعتين في الصباح والمساء ,وتكاد تكفي لسد حاجة السكان من مياه الشرب,وظل الأهلون يستعملون معها مياه الأنهار للأغراض المنزلية.

تعميم مياه نبع الفيجة على بيوت دمشق وأول جمعية تعاونية في القطر:

إن دمشق كانت منذ عام 1908 تشرب من مياه السبلان وتستخدم مياه الأنهار للأغراض المنزلية ,ولقد بقي الأمر هكذا حتى عام 1932,حين هيأ الله عام 1924 نخبة خيرة من أبناء الوطن المخلصين ,انبثقت عنهم لجنة
...تمكنت بعد كفاح مع المستعمر من تخليص هذا المشروع من براثن الشركات الأجنبية ,وشكلت جمعية ملاكي المياه بدمشق (كجمعية تعاونية )انبثقت عنها لجنة عين الفيجة (كمجلس للإدارة)وأشرفت اللجنة على تنفيذ مشروع جر مياه عين الفيجة إلى دمشق وتوزيعه بواسطة شبكات نظامية ,وقد قامت بدراسة المشروع شركة "فرنسية"وبوشر بالتنفيذ عام 1932 حيث تم تدشينه بإسالة المياه إلى بيوت دمشق على أوسع نطاق.

لقد شمل المشروع:

1-إنشاء حوض الحصر على نبع الفيجة .

2-إنشاء قناة جر من نبع الفيجة إلى دمشق مكسوة بالبيتون طولها 16,8كم ومقطعها عبارة عن مربع طول ضلعه 130سم تعلوه نصف دائرة بقطر 130سم وقد صممت هذه القناة لتؤمن تصريفا قدره 3م3/ثا/.

3-إنشاء ثلاث خزانات :

الأول :خزان الوالي وتصب فيه قناة الجر وتبلغ سعته1500م3 ويقع على منسوب 800م عن سطح البحر,وتتغذى منه المنطقة المتوسطة من المدينة.

الثاني:خزان الفواخير وسعته 1500م3 ويقع على منسوب 750م عن سطح البحر ويتغذى من خزان الوالي ,وتتغذى منه المنطقة المنخفضة من المدينة.

الثالث:خزان قاسيون العالي الذي يغذي المنطقة العالية من المدينة فيتغذى بواسطة عنفه هيدروليكية تعمل على ضغط الماء الذي يصب في خزان الفواخير من خزان الوالي وسعته 500م3.

4-تمديد شبكة مياه من الفونت تغطي معظم أحياء المدينة ,وما زالت تستخدم قناة الجر وخزان الوالي وخزان قاسيون إلى يومنا هذا,أما شبكة القساطل فقد تم استبدالها ,وكانت هذه المرحلة بحق مرحلة التأسيس في تاريخ توزيع مياه دمشق بشكل فني وحديث,وقد أحيطت بعناية ورقابة فائقتين حتى أتت غاية في الإتقان ,بالرغم من أن تقنية شق الأقنية وأعمال البيتون المسلح لم تكن متقدمة في ذالك الحين كما هي عليه الحال الآن ..وهكذا حققت أول جمعية تعاونية بالقطر نجاحا كبيرا بسبب إخلاص القائمين عليها وتبني الأسس العلمية في إحداثها.لقد تم جمع المبالغ اللازمة للمباشرة بالمشروع من المواطنين عن طريق شراء حقوق ارتفاق دائمة على الماء,وقد حددت آنئذ قيمة حق الارتفاق للمتر المكعب الواحد بمبلغ/30/ليرة عثمانية ذهبا.
ولعل فكرة حق الارتفاق التي كانت سائدة بالنسبة لمياه بردى قبل المشروع وحب تملك المياه المتأصلة لدى المواطنين بالإضافة إلى تعطشهم لجر المياه النقية إلى المدينة قد ساعدت كلها في إقناعهم بدفع قيمة حق الارتفاق على مياه نبع الفيجة مسبقاً,لتكوين رأس المال اللازم لتنفيذ المشروع الذي بلغت قيمته/270000 /ألف ليرة ذهبية .........وبذالك تم تشكيل أول جمعية تعاونية في القطر العربي السوري أعضائها المشتركون بحقوق الارتفاق على مياه الفيجة وقد سميت(جمعية ملاكي المياه).وقد توجت لجنة عين الفيجة جهودها بإنشاء مبنى المؤسسة الذي يعتبر آية من آيات الفن المعماري العربي الأصيل...وقد أصبحت هذه اللجنة مؤسسة عامة عام 1958بعد إحداث وزارة الشؤون البلدية والقروية.

المؤسسة العامة لمياه عين الفيجة:

لقد كان عدد سكان دمشق في بداية استثمار المشروع عام 1932/225/ألف نسمة ,وكان عدد المشتركين بمياه الفيجة في ذالك العام /4000/مشترك ,وكانت تستهلك المدينة /20/ألف م3 من المياه يوميا ,وتطور عدد المشتركين مع الزمن تطورا قليلا نظرا لضعف النشاط العمراني في المدينة ,بسبب ضعف الحالة المادية لغالبية المواطنين ,وظلت منشآت التأسيس تؤدي دورها على الوجه الأكمل ..وبعد الحرب العالمية الثانية عم المدينة نشاط عمراني هائل(عشوائي غير منظم)فاتسعت رقعة المدينة وازدادا عدد المشتركين بالماء ...لقد بقيت دمشق تتوسع على غير هدى ,وبلغ عدد سكانها بموجب إحصاء عام 1960/532000/ألف نسمة,وبدأ هذا العدد يتزايد بشكل فاق كل تصورات المخططين والإحصائيين وانعدام الانسجام بين شبكة المياه القائمة ورقعة المدينة ,كذالك فإن التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي رافق التزايد وحاجة الفرد من المياه...كانت المؤسسة العامة لمياه عين الفيجة في حيرة من أمرها إذ إنها لم تكن تعلم مسبقا أهمية ومواقع التي سيتم توسع المدينة على حسابها...لتهيئة
خطة عامة لتأمين المياه للمدينة على المدى البعيد ,بل كانت تقوم بإيصال المياه إلى المناطق التوسعية تبعا لإحداثها وذالك بتنفيذ عدد من الخزانات ومراكز الضخ وتوسيع الشبكات حسب الحاجة.

ولذالك تقوم المؤسسة وخاصة بعد التزايد الغير منظم في دمشق وريفها حيث تم الدمج بتاريخ1/4/2009/لتصبح الجهود مضاعفة ولا أبالغ إذ قلت مضاعفة مضاعفة الجهود لتأمين مياه الشرب إلى كل منزل .....وهذا ما أخذته المؤسسة العامة لمياه الشرب على عاتقها من خلال توجيهات إدارة تعمل ليلا ونهارا من أجل إيصال مياه الشفا إلى كل فرد ....من أجل ذالك واكبت المؤسسة التقنيات الحديثة في مراقبة الشبكة على مدار الساعة , مع إمكانية تشغيل وفصل محطات الضخ لمراكز الإنتاج من خلال دائرة للتحكم الآلي ...وأيضا تقديم أفضل الخدمات للمواطنين من خلال دائرة لخدمة المشتركين لتسهيل تقديم طلبات الاشتراك لتركيب العدادات وإصلاحها ,وتلقي شكاوى المواطنين وجباية الفواتير...التي تم وضعها عام /2005/في الخدمة من أجل راحة المواطن وتسهيل الأمور عليه.

خطة المؤسسة للمدى القريب والبعيد:

-تنظيم المصدر الرئيسي وتحسين استثماره بشكل دائم وهو نبع الفيجة.
-تأمين وسائل التخزين من خلال بناء الخزانات العالية والأرضية بكافة المناطق.
-تأمين وسائل الضخ لتغذية مناطق المدينة التي لا تتغذى بالراحة.
-تدريب العناصر العاملة في المؤسسة وإيفادهم إلى الخارج للاستفادة على السبل الحديثة في التشغيل والصيانة.
-التعاون مع الخبراء ذوي الاختصاص العاملين في مختلف قطاعات الدولة لإشراكهم في مناقشة الخطط والمشاريع واقتراح الحلول المناسبة لدفع المشاريع إلى الأمام.
-الاستعانة بالخبرات الأجنبية في المجالات التي لا تتوفر فيها خبرات وطنية.

(-علما بأن الحاجة السنوية في تزايد مستمر مثلا:عام2009/كانت 164مليون متر مكعب خلال السنة ,وفي عام 2010/الحاجة لأكثر من 210مليون م3في السنة.)

أخيراً:

كل هذا العمل يتطلب تعاون المواطنين مع المؤسسة بشكل جدي للمحافظة على هذه الثروة الوطنية .

استعمال المياه بطريقة غير مسئولة (التزايد السكاني في العاصمة -السكن العشوائي-غسل السيارات -ري الحدائق الخاصة-التعدي على الشبكة-...)يؤدي بضرورة إلى استنزاف الثروة المائية والمصادر الاحتياطية .

من أجل كل ذالك أتمنى أن أرى يوما وزارة مياه للشرب (فقط) تعنى بهذه الثروة الهامة والمحافظة عليها من خلال تشريعات وقوانين جديدة صارمة

حسني هريرة
(133)    هل أعجبتك المقالة (129)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي