أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صعوبة تأمين المتطلبات المعيشية منعت الناس من الادخار في الذهب...

لم تشهد الأسواق السورية مثل هذا الركود» يقول الصائغ هاني عاقل لـ«الوطن»، في محله في سوق الذهب من منطقة الحريقة الدمشقية الشهيرة التي فرغت أغلبها من الزبائن.

 

يضيف «بدأت حركة السوق بالتراجع منذ عامين لنصل اليوم إلى درجة معدمة»، الزبائن تحول معظمهم من فئة المشترين إلى المستطلعين عن الأسعار أو الراغبين ببيع حليهم ومصاغهم، يقول هاني: «معظم الناس لا تشتري بسبب الضيق المادي الذي يعانون منه بعد ارتفاع الأسعار، وهناك فئة باعت حليها ومصاغها تحت ضغط الحاجة مع ارتفاع سعر الذهب، لتسديد ثمن عملية أو قسط جامعي، بينما تمسك الباقي بمصاغه على أمل ارتفاع الأسعار أكثر».
المعطيات العامة لا توحي بأن السعر سيرتفع أكثر حتى الآن، أمام ارتفاع سعر الذهب مؤخراً بشكل غير مسبوق خلال السنوات العشر الماضية، ووصول سعر غرام الذهب من العيار 21 إلى 1600 ل.س وانخفاضه منذ بضعة أيام إلى 1550، الارتفاع الأخير جعل العيارات المنخفضة تتسيد السوق، بعد أن قل التداول فيها في وقت سابق، لعل أبرزها العيار 12 النادر بقاموس تجار السوق رغم أن الأسواق السورية عرفته منذ أكثر من عشر سنوات، وهو عيار يقدمه على أنه «الأكثر استخداماً اليوم في ظل المعطيات السابقة في كل من الخواتم والأقراط بسبب ما يحققه من ضخامة وجمالية بخاصة في الخواتم، وبالمقابل هناك انخفاض في الوزن والسعر ما يجعل الناس تحت وطأة ارتفاع الأسعار الأخيرة تتجه نحو شرائه هدية في المناسبات».
بدوره نبيل الموصللي «صائغ» يربط التراجع بحركة المبيع بالأزمة العالمية التي جعلت سوق الذهب السوري يتراجع حجم المبيع فيه بنسبة 70%، لكن موصللي يشير إلى أنه «عادة يعود السوق للتحرك عند لجوء بعض التجار لشراء الذهب على أمل ارتفاع الأسعار مجدداً وبيعه».

الذهب مؤشر للمعيشة
بيدروس ديربيدروسيان يربط ركود سوق الذهب بالركود العام الذي تشهده الأسواق السورية، ويقول: «عندما ترتفع المتطلبات المعيشية حكماً لن يبقى للذهب موطئ قدم، لأن الذهب سلعة للادخار في سورية، ومع ارتفاع ثمن المتطلبات المعيشية لن يتمكن الناس من الادخار»، بيدروس يدلل ذلك بالمقارنة بين الأمس واليوم، عندما كانت «محال الصاغة تبيع عشرة أضعاف ما تبيعه اليوم بخاصة عندما تمر أيام ولا يتم بيع قطعة حلي واحدة»، الواقع الأخير دفع بعض الصاغة لـ«تغيير الصنعة»، يقول بيدروس «هذه المهنة تتطلب رأسمال كبيراً وربحاً صغيراً وفقاً للقرارات الناظمة للمهنة محلياً، لأن المالية تحدد ربح الصائغ بنسبة 6%، وهذه النسبة تقتطع منها أجرة الصياغة وبالنتيجة تترك لنا هامش ربح 2%».
المشهد الأخير يدفع الصاغة للمقارنة بين الأمس والحاضر في مؤشر يفضل البعض ربطه بـ«قيمة الليرة السورية والتضخم»، عندما «كان غرام الذهب يعادل 100 ل.س، وكان مبلغ 2000 ل.س كافياً لشراء عشرين غراماً من ذلك المعدن النفيس، بينما لا يمكنك اليوم شراء أكثر من غرام وربع من الذهب بمبلغ ألفي ليرة سورية»!

إغلاق معظم ورش الذهب وهجرتها
وضع سوق الصاغة «الذي لا يحسد» وفقاً للصاغة أنفسهم، يجر بتبعاته على ورشات الذهب التي خففت في البداية من تداولها للعيارات الثقيلة وتوجهت نحو العيارات المنخفضة «12، 14»، لكن ذلك على مايبدو لم يكن كافياً أمام التدهور المستمر في «الصنعة»، حصاد ذلك تمثل بخروج أكثر من 100 ورشة للصياغة من العمل خلال العام الماضي، أما في جمعية الصاغة فكان عدد المصوغات التي تنتظر الدمغ عند زيارتنا لا يتجاوز الست عشرة علبة، بعد أن كانت في وقت سابق تزيد على 130 علبة يومياً!
جورج الصارجي «رئيس جمعية الصاغة» يبين لـ«الوطن» أن «جزءاً من الركود الذي تشهده الأسواق السورية، سببه عدم وجود منفذ خارجي للصاغة يخفف من الركود المحلي ويقوم بتشغيل الأيدي العاملة، علماً أن عدداً من أبرز تجار الذهب «الجملة» خارج سورية هم من السوريين، وهؤلاء لهم فروعهم في دبي ولبنان وغيرهما، صارجي يعدد أسماء عدد منهم ويبين أن معظم حرفيي الذهب في لبنان هم سوريون، مشيراً إلى أن توجههم إلى هذه الدول يرتبط بقوانينها التي لا تقيد البيع والشراء كما هو الوضع هنا، بالنتيجة قوانين التقييد تركت لمساتها الخاصة جداً مع توضيح صارجي لـ«الوطن» بوجود صائغين فقط في سورية يتمكنان من التعامل مع الخارج تحت قرار الإدخال المؤقت»، نتائج القرار يمكن قراءتها بشكل أوضح بالمقارنة مع دول الجوار والحجم الإجمالي الذي يسهم به الذهب من الناتج الإجمالي، وخاصة أن هذه الصناعة لا تشكل رقماً مهماً في معادلة الدخل القومي في سورية لدى مقارنتها بدول الجوار، وهذا رغم سماح وزارة الاقتصاد والتجارة للصناعيين والحرفيين باستيراد المعادن الثمينة غير المصنعة، ويقابله عدم السماح بتصدير الذهب أو الاشتراك في المعارض الخارجية، والنتائج يمكن قراءتها من الأرقام التي يقدمها صارجي، بلغت أجور تصنيع الذهب في تركيا خلال عام 2008 مبلغ 63 مليار دولار، وفي لبنان ملياراً و800 مليون دولار، أما في سورية ووفقاً لقرارات الإدخال المؤقت التي شملت صائغين فقط لا تتعدى حاجز المئة ألف دولار»! ويضيف: «ورش الصاغة تغلق أبوابها وتهاجر، وخاصة عندما يأخذ الحرفي إثبات مهنة من نقابتنا، والحرفي السوري مرغوب لنزاهته وحرفيته، وخاصة أن المصاغ السوري هو صناعة يدوية ما يجعله مشهوراً بجماليته، على النقيض من باقي الأسواق العربية التي تعتمد على المكنات الآلية، وهؤلاء لن يتمكنوا من العمل هنا مع استمرارية 70 ورشة بالعمل من أصل 600 ورشة أغلقت أبوابها.

قرارات منتظرة
الوضع الأخير أدى لجملة من الاجتماعات بين جمعية الصاغة والنائب الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، وأيضاً حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة، لصياغة منفذ للصاغة السوريين مع الأسواق الخارجية. ويكشف صارجي لـ«الوطن» عن أنه تم الاتفاق مع المصرف المركزي على السماح للصاغة ببيع الذهب المصنع محلياً في الأسواق الخارجية وبالمقابل تصريف القطع الأجنبي لثمن المصاغ في المصرف المركزي بموجب شيك أو حوالة، وكذلك السماح بالاستيراد لتنظيم وضع الصاغة الذين يشترون ذهباً من سياح أو مغتربين في سورية.
ويمنع بيع الذهب المصاغ خارج سورية في الأسواق السورية إلا بعد تذويبه وإعادة صياغته. القرار الهادف «لحماية الصناعة المحلية» أدى - وفقاً لصارجي- لبيع بضائع مهربة تحت الطاولات وتفويت مبالغ طائلة على الخزينة في ظل عدم السماح بالاستيراد، وأيضاً أدى إلى «مداهمة محال بعض الصاغة من المكتب السري بتهمة التهريب رغم أن بعضهم قد يعرض المصاغ الذي اشتراه من مغترب أو سائح على واجهة محله، وهي مصاغ مستعملة لكنها تعتبر مهربة».

الوطن
(103)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي