إن الدراسة التى نضعها أمامكم الآن, رصدنا فيها المراحل المختلفة التى مرت عليها مومياءات الفراعين من خلال العشرات من كتب الآثاريين.
وتثير كلمة مومياء فى النفس الغموض وعبور الواقع الى ما وراء الخيال, فالعامة من الناس ينظرون الى الكلمه على أنها جسد ميت قديم تتلبسه الأرواح الشريرة وتجلب النحس والتشاؤم لكل من يلمسها أو يقترب منها لذلك لم يكن الطريق أمام العلم سهلا مفروشا بالورود, حيث اتجهت الأنظار إلى الناحية التجارية, وفى أحيانا أخرى كانت المومياوات نوعا من اللوحات الفنية, التي يقتنيها الأثرياء الأوربيون حبا فى الغموض المغلق بالسحر.
غير أن القرن العشرين من التاريخ الميلادي اعتبر نقطة تحول فى علم دراسة الأجساد المحنطة الذي عرف باسم "الموميولوجي" وأصبح في النهاية علما له أسس ويؤدى الى نتائج قد تغير فى تاريخ البشرية كما تفيد فى حاضرها.
وقد تأكد أن ارتباط اللعنة بالمومياءات الفرعونية لم يكن بمحض المصادفة أو أنه جاء من وحى الخيال بل هو سوء فهم للنصوص المصرية القديمة, ففي مقابر الدولتين القديمه والوسطى (بين القرن الثامن والعشرين والقرن السابع عشر قبل الميلاد) توجد نصوص شاعت بين علماء المصريات باسم "نصوص اللعنة" وهي كتابات موجودة على أوجه المقابر تهدد كل من يلمس المقبرة بسوء بأنه لن يفلت من عقاب الثعابين والتماسيح والأشياء المخيفة.
غير أن الهدف الرئيسى من هذه النصوص هو حماية المقابر من المعتدين ويذكر أنه وجد داخل حجرة الدفن لمقبرة الكاهنه الطيبة "حنوت محيت" هذا النص "يا من جئت لتسرق لن أسمح لك أن تسرق فأنا حامى المرحومة "حنوت محيت" بجانب أن نصوص اللعنه عند قدماء المصريين لم تكن إلا لإضافة اللعنة, وذلك لإدراكهم أهمية الكلمة,ومفعولها السحري في التخويف, وليس بهدف أن تتحول الى حقيقة والا تعرض كل العاملين فى مجال الآثار الى اللعنة.
وقد اتهم الروائيين والسينمائين بأنهم وراء ترسيخ هذه الفكره لدى العامة, فأول حادثه ارتبطت بفكرة اللعنة، تلك الحادثة التي وقعت عام 1699 عندما أشترى أحد تجار الآثار الآوربيين اثنين من المومياوات المصرية, وحملها معه فى باخرة الى أوربا فى عرض البحر المتوسط, هبت عاصفة شديدة فانقلبت الباخرة وغرق أغلب من فيها, فظن التاجر أن سبب هذه المحنه التى تعرضت لها الباخرة هى المومياتان المصريتان اللتان أستدعتا الأرواح الشريره لتقلب الباخرة, فقرر التاجر إلقائهم فى البحر.
الجميع أكد أن تلك القصة لم تكن إلا من وحي خيال الكاتب الفرنس لويس بنشييه, وهى أقدم قصة خيالية تدور حول المومياوات المصرية, ومن أشهر القصص غير الواقعية هى محاولة تبرير غرق السفينة الشهيرة تيتانيك عام 1912 بوجود مومياء مصرية على سطحها وقت الغرق وهي نفس المومياء الموجودة فى المتحف البريطانى تحت رقم 22542 بل إن الكنديين أكدوا صحة هذه الأسطورة وأضافوا لها أن هذه المومياء أرسلت الى مونتريال بعد غرق السفينه تيتانيك, وغرقت فى المياه الكنديه سانت لورانس.
وأكدوا أن المومياء المقصوده لم تكن جسدا ولا مومياء, بل هي غطاء خشبي ملون كان موجود على تابوت لكاهنه من الأقصر غير معروف أسمها وترجع للقرن الحادى عشر قبل الميلاد, ويبلغ ارتفاع الغطاء حوالي متر و62 سنتيمترا موجود بالمتحف البريطانى تحت رقم 22542 , ولا يزال بعض البريطانين يخافون أن يلمسونه , أو حتى الإقتراب منه معتقدين أنه سيجلب لهم اللعنه والحظ السيىء.
وقد مرت المومياوات المصرية بالعديد من المراحل قبل الوصول الى علم دراسة الأجساد المحنطه, وفى القرن العاشر الميلادى كانت نظرة العالم للمومياوات المصريه نظره غريبه , فقد إعتبروها مصدرا جيدا للدواء وعلاج الناس.
وقيل إن المؤرخ العربي عبد اللطيف البغدادي ذكر أنه ظهر فى ذلك العصر طبيب عربى يدعى المجر, وكان يصف لمرضاه الذين أصابتهم أمراض جلديه, دواء يتكون من مسحوق بودرة عظام المومياوات المصرية، بل إن أحد أمراء أوربا وهو والد زوج الأمبراطوره الفرنسيه كاثرين كانت تصيبه نوبات عصبيه وهستيريا, ولا يوقفه سوى ابتلاع مسحوق بودرة المومياوات المصرية.
وسجل كاتب عربي آخر في عام 1424 أن الناس كانوا يبحثون عن المومياوات فى المقابر, ويغلونها في المياه تحت درجة حرارة عالية حتى تتساقط جلودها, ويجمعون الزيت الذى طفا على السطح المغلى ويبيعونه للفرنسيين مقابل خمسة وعشرين قطعة من الذهب, كما أن أباطرة المخدرات فى أوربا فطنوا الى أهمية هذه المومياوات فقاموا بشرائها لسحق عظامها, وخلطها بالهيروين، أما فى القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين فتغيرت النظرة العالميه للمومياوات وتحولت من تدميريه غير حضاريه الى فنيه راقية حيث جمل أثرياء أوربا قصورهم بالمومياوات بديلا عن اللوحات الفنية وكان أول رجل فكر فى ذلك هو الفرنسى دوكاسييه الذي اشترى من القاهرة مومياء وتابوتين عام 1605 ميلاديه.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية