رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر والمعاناة بدأها اللاجئ السوري "أ. ك" الملقب بـ"الرجل البخاخ" بدءاً من ريف حمص قريبة من الحدود اللبنانية إلى صحراء النيجر مروراً بلبنان والجزائر، وهي معاناة لازالت محفورة في تلافيف ذاكرته رغم مرور أشهر على انتهائها.
ولد الرجل البخاخ في قرية مؤيدة بكليتها للنظام ورغم أنه كان منتمياً لحزب البعث بسبب تلقي تعليمه في مدارس النظام والتي كانت تجبر جميع الطلاب على الانتساب للحزب سيئ الصيت، إلا أنه كان يحمل الفكر الثوري ومؤيداً لهذه الثورة منذ أيامها الأولى.
واعتاد -كما يروي لـ"زمان الوصل"- على الذهاب إلى حمص بسرية تامة ودون علم أهالي قريته، للمشاركة في المظاهرات السلمية حينها، وكان يشارك في وضع بعض الملصقات والمناشير على الجدران، ولكن سرعان ما تم كشفه من قبل أعين النظام الساهرة على الغدر والمكيدة ليوضع تحت المراقبة منذ ذلك الوقت وبات مطلوباً للأفرع الامنية بحسب روايته.
وحينها استشهد شقيقه الصغير الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره بقذيفة للنظام أثناء عودته من المدرسة، فاضطر "الرجل البخاخ" حينها للهروب مع عائلته إلى لبنان وللأسف بسبب وحشية النظام ودك المنطقة بالصواريخ العشوائية تعرض أثناء هروبه لإصابة بالغة هذا.
وأودت القذائف في حينها بحياة الكثير من الناس معه وكادت أن تودي بحياته، وبحسب رواية المنقذين حينها تم إسعافه ومحاولة علاجه على الحدود اللبنانية، وبسبب خطورة الإصابة لم يتم معالجته في المشافي الميدانية، ما اضطر الهيئات الطبية التي كانت تعمل على الأراضي السورية اللبنانية إلى طلب الإسعاف من الصليب الأحمر الدولي العامل في لبنان وبعد جهد جهيد وبمساعدة شخص لبناني مناصر للثورة تم نقله إلى أحد المشافي في "راشيا"، وخضع هناك لعملية جراحية بالغة الخطورة ليعود إلى الحياة، ولكن هذه الإصابة حرمته من إمكانية الإنجاب لفترة من الزمن.
وتابع الرجل البخاخ أنه عاش ظروفاً صعبة للغاية في لبنان آنذاك تعرض خلالها للمضايقات والمساءلات من قبل الفروع الأمنية اللبنانية، ومنها فرع المعلومات.
وحينها شعر محدثنا بخطورة بقائه في لبنان وقرر الخروج منها بشتى الوسائل قبل فوات الأوان وأخيرا تمكن من السفر إلى ليبيا بجواز سفر صادر عن النظام كان لديه، ولكن لم يتـمكن من البقاء في ليبيا بسبب توتر الأوضاع الأمنية هناك، فانتقل إلى الجزائر ولكن للأسف قبل وصوله إلى العاصمة الجزائر تعرض للاعتقال على يد الأمن الجزائري مع عدد من السوريين كما يقول- وبقوا حوالي الشهرين، وتم عرضهم على مجلس القضاء الجزائري قسم الجنح.
وأقر مجلس القضاء بتبرئتهم من تهمة دخول الجزائر بطريقة غير شرعية تبعا للقانون الجزائري الذي يمنح الأشخاص الفارين من دول الصراع حق اللجوء ولكن عدل القضاء تبخر فيما بعد لتأتي سلطة المحكمة العسكرية الجزائرية الآمرة الناهية في البلاد وتقرر غير آبهة لقرارات العدل إعادتهم إلى السجن.
وتم إبلاغهم أن السلطات الجزائرية ستقوم بتسليمهم للنظام وكان بينهم منشقون ومطلوبون للنظام بالاسم.
واستدرك محدثنا أن وسائل الإعلام والناشطين أثاروا القضية حينها، ما أحدث ضجة كبيرة اضطرت السلطات الجزائرية للعدول عن رأيها بتسليمهم إلى النظام لتقوم بإرسالهم إلى صحراء النبجر، وكان من بين المرحلين ابنة عم له تقيم في الجزائر منذ سنوات، وبقوا يومين إلى أن وصلوا إلى صحراء النيجر-جنوبي الجزائر.
ومضى محدثنا أنه تمكن مع عدد من اللاجئين من العودة إلى الجزائر سيراً على الأقدام عبر الصحراء حتى وصلوا إلى أطراف قريه جزائرية صغيرة كان يسكنها مهربون لسوء الحظ.
وأضاف المصدر أنهم بقوا عند المهربين حوالي 10 أيام بحكم المخطوفين ليفاوضوا أقارب كل شخص منهم على دفع فدية من أجل إعادته إلى الجزائر من "عين قزام" إلى "تمنرست" وبعدها إلى الداخل الجزائري.
وتابع المصدر أن عودتهم إلى الجزائر كانت صعبة وغير ممكنة لأنهم كانوا قد بصموا لدى السلطات الجزائرية على الطرد النهائي من التراب الجزائري كما جاء في وثائق تمكن من الاحتفاظ بنسخة منها وزود "زمان الوصل" بنسخ ضوئية عنها- وهذا يعني انهم سيكونون عرضة للاعتقال من جديد لدى عودتهم إلى الأراضي الجزائرية، وهنا عرفوا أنهم لا حل إلا بالخروج من البلدان العربية بالكامل إلى أوروبا.
وروى محدثنا أنه أقام عند أقارب له بالقرب من المكان الذي كانوا محتجزين فيه وبدأ بعدها بالبحث عن مخرج إلى أوروبا بعد أن خسر كل ما معه من نقود أخذها المهربون فاستطاع الاستدانة من أقاربه ومحاولة الهرب بالبحر، ويضيف أن محاولة الهروب الأولى كانت فاشلة وكانت الرحلة من مدينة "وهران" باتجاه اسبانيا وتمكن في المرة الأخيرة من الوصول إلى المغرب ومنها إلى اسبانيا وصولاً إلى ألمانيا أخيراً.
ووفق منظمات حقوقية فإن السلطات الجزائرية رحلت خلال شهري تشرين الثاني/نوفمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2022، العشرات من طالبي اللجوء السوريين إلى منطقة صحراوية محاذية لحدود النيجر، في إجراء تمارسه مع المهاجرين وطالبي اللجوء الواصلين إلى أراضيها بغية التوجه إلى القارة الأوربية.
وأفادت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" في تقرير لها حينها أن عمليات الترحيل وإجراءات الاعتقال التي سبقتها، ترافقت بارتكاب الشرطة الجزائرية تجاوزات بحقهم، تمثلت في سلبهم معظم مقتنياتهم الشخصية ذات القيمة ومعاملتهم بقسوة خلال الترحيل وسط غياب الإجراءات الواجبة للاعتراض على الترحيل.
ونقلت عن مهاجرين وطالبي لجوء تأكيدهم تعرضهم لعمليات سلب شملت مصادرة أموال وهواتف محمولة ومتعلقات شخصية، إضافة إلى نقلهم إلى منطقة صحراوية خالية لا تتوفر فيها مقومات الحياة.
وأشارت إلى اتباع السلطات الجزائرية سياسة الترحيل مع مهاجرين أو طالبي لجوء أو لاجئين دخلوا أراضيها، إلى منطقة صحراوية على الحدود مع النيجر تسمى "النقطة صفر" وسط اتهامات بارتكاب جملة من الانتهاكات.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية