ثمة ما أعتقده مغالطات لجرجرة البسطاء إلى ملعب المونديال، ولكن بعد إطلاق صافرة النهاية.
أولاً، قرأت وبكثرة أن قطر أنفقت مئات المليارات على تنظيم المونديال.
لن أدخل في تفاصيل أن ما أنفقته قطر، يبقى على أرضها ويخدم توجهاتها التنموية أو أنه جزء من خطة شاملة لمشروع 20230..
بل سأقول فقط إن قطر أنفقت من أموالها، لم تسدن مني أو من المؤسسات الدولية المالية المانحة..بمعنى هي حرة بالإنفاق أليس كذلك؟
ثانياً وهو الأغرب بالمتداول هذه الأيام، أن ما أنفقته قطر على المونديال، لو وزعته على الدول الفقيرة لخرجت تلك الدول من العوز والفقر والحاجة..وكأن قطر ملزمة بعباد الله والدول، ويجب عليها أن لا تستضيف المونديال قبل أن تنهي الفقر حول العالم، وليس بالمنطقة فقط!!
والأمر الثالث وهو الخلط بين السياسي وما فعلته قطر، خاصة للثورة السورية، وما تحصده اليوم جراء ضبط الساعة العالمية على توقيتها..
فهنا الرد مزدوج، ركنه الأول أن قطر استطاعت أن تضحك علينا وتسخّر مصالحها عبر جشعنا وسذاجتنا وصغرنا..ففي ذاك الطرح إساءة لمن سرق الثورة ورضي أن يكون خادماً للدول، وليس للدول التي سخرت هؤلاء الخدم لما فيه مصالحها..هذا إن فرضنا جدلاً صحة ذلك الطرح ولم نأت على تطورات الحالة السورية ومنع دول الشمال الديمقراطي والقوي، إسقاط النظام وانتصار الثورة.
وأيضاً، ركن الازدواج الآخر، ألم تستمر قطر حتى هذه الساعة، بدعم وتمويل الثورة والثوار والنازحين والفقراء وتأوي سوريين وتشغّل آخرين...بل ورفع شعبها علم الثورة خلال افتتاح المونديال وبعده وقبله...وبإمكان قطر وبمنتهى البساطة، أن تنزاح مع المنبطحين فتمد اليد للنظام وتحرق كل سفن علاقتها بالثورة والثوار.
وربما الأهم والغرابة بما يطرح اليوم من النقاد العرب والسوريين تحديداً، أنه جاء بالتوازي مع الطرح الأوروبي بأن العربان والمسلمين والمتخلفين، لا يليق بهم تنظيم بطولات كبرى، فهم يأكلون حقوق العمال ولا يؤمنون بحقوق المثليين..وإرهابيون وبدو صحارى الخ..
قصارى القول: هل قطر دولة ملائكة..أكيد لا...هل أخطأت قطر بالتعاطي مع ملف الثورة السورية..الأرجح نعم ولكن لابد من تكملة الإجابة المتعلقة بالسوريين أنفسهم، الذي سرقوا تمثيل الثورة وأجّروا أنفسهم لتركيا وقطر والسعودية وروسيا وأمريكا ..وحتى للكلاب السود.
والأهم، هل هذه الفترة هي المناسبة لفتح كل الملفات والأحقاد على قطر، أم ثمة أهداف للفاتحين الحاقدين..لا علاقة لها لا بالحقوق ولا بالثورة ولا حتى بالإنسانية، لأن نجاح قطر وتبديد النظرة النمطية عن العرب والإسلام، يعيق صفو المتحضرين الجدد..
لفتة لزوم ما يلزم، الأرجح أن قطر ليست بحاجة دفاعي كما لا يؤثر عليها هجومك، لأنها اشتغلت على مدى 12 سنة على المونديال وخطتها الاستراتيجية 2030، فبنت أحدث بنى تحتية وجهزت مشروعات
صناعية وزراعية وخدمية، وشغّلت أحدث شبكة نقل برية وزادت وطورت النقل الجوي وعملت ألف شغلة..ونحن يا مرحومي البيّ، بددت أنظمتنا الثروات وحولتنا إلى مزارعين ومهجرين ونقاداً نتحيّن الفرصة لخسارة من تبقى ينظر لنا ولقضيتنا بعين الرضى..
نهاية القول: تضاف الرياضة اليوم، كقوة ناعمة جديدة إلى جعبة قطر، إلى جانب الجزيرة وقاعات الدبلوماسية ومؤتمرات المصالحة والاستثمارات الخارجية والنهضة الزراعية والصناعية والخدمية.
إذ من العقلانية والاستراتيجية أن تعرف نقاط قوتك وتشتغل عليها، وجميل أن تستثمرها لرفاهية الشعب..والأجمل ربما، العيش بواقعية وعدم حمل أحلام عريضة ورفع شعارات كبيرة، لتخدير الشعوب والتغرير بها وسرقة حياتها القصيرة.
ربما، لك ولي ولهم آراء ووجهات نظر وانتقادات كثيرة، لكن الأمور بنائجها وخواتيمها، وليست بارتفاع الصوت والحكي من أجل الحكي لتأليب المغيبيين وتجييش الشعبويين.
بعيدا عن أي اعتبار، مبارك لقطر فهمها المعادلة ومواءمتها بين المتناقضات..وإلزام العالم، كل العالم اليوم، لينتظر توقيت الدوحة ويبرمج وقته وأعماله، لشهر على الأقل، وفق ساعة قطر.
*كاتب سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية