كانَ الفرحة َ الكبرى لوالديه... إنه أول نصيبهما من الدنيا، ومن زواج ٍ كلَّلتـْه عينا طفلٍ صغيرٍ أحباه جداً جداً، فكان الأملَ والبسمة َ في حياتهما وفي هذه العائلة الصغيرة..
كان فراشة َ حب ونسمة َ عيد... تكفي ضحكة ٌ من شفتيه الصغيرتين لتفتح أمام أمّه وأبيه أبوابَ السعادة على مصراعيها..
كل يوم يمرّ يزدادُ الشوق الأمل، وينمو الصغير.. أمه تتابعه يوماً فيوماً، وشهراً فشهراً.. وها قد مرَّت كلُّ الأحداث العظيمة بمرور السنة: ظهرت أسنانه في فمه كلؤلؤٍ أبيض جميل... بدأ يمشي ويلفظ كلمات غريبة جميلة من فمه الصغير، يقلب الكلمات أحياناً فينقلب الحزن إلى فرح ٍ ما له حدود، وتفرح به أمه جداً جداً، إنه وحيدها الصغير الذي قدمَ إلى حياتها وإلى دنيا الأمل والوجود.
مرَّت سنة أخرى وفكَّر الوالدان بإنجاب طفل جميلٍ آخر يعيش مع أخيه الأكبر ليؤلفا فرحة ً مشتركة لهما، وكان هذا الشعور يتنامى فيتنامى الشوق في هذا البيتِ الصغير.
بدأ الحنين يكبر، والأم لا تصدِّق أنَّ أحداً يمكن أن يحلَّ محل الفرحة الأولى والفرحةِ الكبرى، فهل يمكن لأحدٍ أن يأخذ مكانته؟.. وهل يمكن لطفلٍ آخر أن يكونَ محبوباً كطفلها الأول؟ هل يمكن للمشاعرِ نفسِها أن تتولَّدَ تباعاً يوماً فيوماً، وشهراً فشهراً؟ لقد أخذ الطفل الأول كلَّ الفرحةِ وكلَّ الحب..
كان هذا التفكير قد بدأ يخطر ببال العائلة الصغيرة التي بدأت تستعدّ لقدوم المولود الثاني، وبدأت الفرحة تنقسم بين نصفَيْ القلب وروحَيْ الجَنان..
كان الجميع حائرين، وفي الوقت نفسه بدؤوا يتخيلون الصغير القادم محبوباً، ويتذكرون كيف فرحوا بالصغير الأول فربما ستُستَعاد هذه المشاعر نفسُها وتعود من جديد...
كانت الشهور الأولى اختباراً للأهل وللولد البكر، فمشاعر الغيرة من المفترَض -بل من الطبيعي- أن تتولَّد عنده وتستحوذَ على اهتمامه، فكيف لن يظلَّ محورَ اهتمام أبويه وعائلته كلِّها؟ وكيف سيوفـّر الأهل للولدِ الثاني الحبَّ نفسهَ والحنان نفسَه؟. كانت الأم في حيرة، لم تصدق أنَّ لديها ولداً آخر غير الولد الأول، لم تكن تشعر بوجود الطفل الجديد إذ الكبير لا يزال يعوّضها مشاعر الأمومة وتشعر به أكثر، وهي تبذل جهدها لتوفق بينهما فالطفل الكبير بحاجة إلى اهتمام كي لا يشعر بالغيرة، والطفل الصغير بحاجة إلى رعاية كي ينمو ويكبر كما نما وكبر الطفل الأول وفق سنن الطبيعة والخالق..
لكن عندما بدأ الطفل الثاني يكبر ويُثبت محبته بعينيه الجميلتين وضحكته البريئة، بدأ يثبت وجوده بيديه ومناغاته ولعبه وحركاته الجميلة، وبدأ يكون محبوباً أكثر وأكثر.. صار الولد الكبير يتقبَّل الصغير ويدعوه أخي.. يدلله ويلاعبه... وبدأ الأبوان يشعران بمحبة الولدين الكبيرة التي لن تفضِّل ولداً على ولد، إذ لا يمكن لمحبة أحدهما أن تعوِّض عن محبة الآخر، فالاثنان توأما الروح، الاثنان جميلان ومحبوبان جداً وهما كالشهد المصفى على قلب الأبوين والعائلة كلِّها، فالأول مهجة ُ الروح، والثاني درَّة ُ الفؤاد..
كل واحدٍ منهما معششٌ في القلب ومستقرٌ بين الجوانح والضلوع، المحبة للاثنين: الأول لأنه أول ثمار الحب، والثاني لأنه الفرحة الثانية في البيت. ولا يمكن لأحد أن يكون مفضَّلاً أكثر، فللاثنين نفس المكانة، وللاثنين نفس الحب، فالأهل يعطون أولادهم كل ما عندهم ولا يميزان واحداً عن آخر، كلهم بنفس المكانة والمحبة، كلُّهم عطية الخالق وهديته، كلهم ثمرة المحبة التي تسكن في قلوب الآباء والأمهات، تلك المحبة التي تعطي وتعطي فيكون العطاء محبة ً بلا حدود...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية