بفيلمهما الجديد "رائحة البرتقال" يعود الفنانان السوريان التوأم "أحمد ومحمد ملص" إلى المسرح من خلال المزج بين خشبة المسرح وعالم الفن السابع في قصة تمس المأساة السورية.
ويحكي الفيلم عبر 19 دقيقة عن هواجس لاجئين سوريين (رجلان وإمرأة يعيشون في منزل هولندا)، ويقتحم حياتهم شخص مجهول وتتخلل أحاديثهم حوارات عن السينما والفن والفكر والإسلامفوبيا، لنكتشف في نهاية الفيلم أن الشخص الغريب هو ملازم أول في فرع المخابرات، وقام بتعذيب واغتصاب المرأة -حسب تأكيدها- مستدلة بحبه لعصير البرتقال وأنه أسمى ابنته "هديل" على اسم البطلة التي اتهمته بتعذيبها واغتصابها.
ويستند فيلم "رائحة البرتقال" في فكرته الأساسية إلى مسرحية عالمية معروفة بعنوان "الموت والعذراء" من تأليف التشيلي "آرييل دورفمان" التي تتحدث عن محاكمة الضحية للجلاد وتجري أحداث المسرحية التي قدمت على مسرح القباني بدمشق عام 1992بعد انهيار ديكتاتورية "بينوشيه" في تشيلي، حين بدأت تتكشف قصص المفقودين وأعمال التعذيب في السجون والمعتقلات.
وحول سر تعلقهما بالمسرح حتى أثناء عملهما السينمائي وسبب اختيارهما لهذه المسرحية لتجسيدها سينمائياً أوضح الفنان "أحمد ملص" لـ"زمان الوصل" أن المسرح لطالما كان هو الملهم الدائم لهما وحتى لو كانا يريدان كتابة رواية أو دور في مسلسل أو إخراج فيلم أو كتابة قصيدة شعرية فالمسرح سيكون حاضراً لكونهما تأسسا بهذه الطريقة المسرحية وأمضيا أكثر من 20 عاماً في المسرح لذلك بات المسرح بالنسبة لكليهما نقطة الصفاء والحجر الأساس للأمان في عملهما ففي المسرح تعلما المبرر الدرامي وكيف تتصاعد الشخصية وتُبنى وتتحول وتتغير والإيقاع والمشاعر الآنية التي تحتاج أن تعاش كل يوم بشكل جديد.
وتابع المصدر: "هذا كله يؤسس من وجهة نظرنا لمشروعنا الفكري والفني والمسرح دائماً هو الخطوة رقم واحد لأي عمل".
ولفت "ملص" إلى أن اختيارهما لنص "الموت والعذراء" جاء لكون النص يلامس الكوارث السورية التي سمعناها أو قرأنا عنا أو عشناها أو رأينا في الفيديوهات والقصص المروية، وهذا –حسب قوله- جزء أساسي من اختيارنا للنص.
وكشف أنه حضر مع محمد مسرحية الموت والعذراء في مسرح القباني بدمشق منذ أكثر من 15 سنة وكانت من بطولة الفنانة الراحلة الحرة "مي سكاف".
وهذه المسرحية –كما يقول- هي واحدة من أكثر من مشروع فني رأوه على المسرح وينويان تنفيذه سينمائياً، فإضافة إلى "الموت والعذراء" هناك "قصة حديقة الحيوان" لأدوارد إلبي "ومسرحية "فوتوكوبي" وينويان تنفيذ العملين الآخرين ولكن لديهما قناعة أن لا يكون العمل الفني مجرد قرار بل أن يكون مدفوعاً بمشاعر بأن موعده قد حان، وبالتالي فأعمالهما-حسب قوله- ليست قائمة على طلب أو كنوع من الاستهلاك، وإنما بشكل كيفي ووفق الظروف الفنية والنفسية، وهذه الحرية المتاحة هي التي تجعلهم يؤجلان أعمالاً كثيرة أو يتعجلان بمشاريع أخرى.
ونوّه محدثنا إلى أن الممثلين الذين تم اختيارهم في الفيلم هم في الأساس مسرحيون وهذا اختيار كان هاماً لأن الفيلم يعتمد على الجو المسرحي.
ولدى سؤاله عن عنوان الفيلم "رائحة البرتقال" الذي يوحي بفلسطين ويافا أسماً للفيلم وما دلالات هذا الاختيار، أوضح "ملص" أن هذا البعد النوستولوجي هو في صميم رؤيتنا وحتى يلاحظ العالم كيف شوهت العصابة الموجودة في سوريا هذا الجمال وكم كانت هناك ذاكرة جميلة تم تشويهها.
واستدرك: "كم ذاكرة جميلة شوهت في المعتقلات وخارجها؟".
وفيما يخص بنهاية الفيلم الذي انتهى بمشهد مقتل الشبيح الذي تأكدت الزوجة أنه من اغتصبها في المعتقل وما أرادا قوله من هذه النهاية الدامية وهل ثمة رسالة من هذا الأمر أشار "أحمد ملص" إلى أن تساؤلات كثيرة أثيرت عن الفيلم من قبل بعض الأصدقاء وهل الزوجة كانت تهلوس بمن اغتصبها وقام بتعذيبها أم أن الأمر كان حقيقياً.
وتابع أنهما أرادوا أن يتركا نهاية الفيلم مفتوحة وكل شخص رأى الأمر من وجهة نظره ورؤيته الخاصة وبعضهم أكدوا أن القاتل الشبيح هو ذاته وبعضهم نفوا أن يكون هو، ولكن تم قتله على خشبة المسرح واختيارنا لأن يقتل على خشبة المسرح –كما يقول- هو تعزيز وتأكيد لفكرة القانون.
وأردف أن من أطهر أنواع القتل هو أن تقتل بالفن وهو من وجهة نظرنا أهم من الحكم بالقتل في القانون لأن القانون لا ينطق كل الأحيان بالحقيقة بينما الفن يفعل وأضاف أن فيلم "رائحة البرتقال" لم يرد التأكيد على هذه الطريقة في تحقيق العدالة بقدر ما أردنا أن نقول أن الفن يمكنه أن يكون أعلى من القانون أحياناً لأن هذا القانون لا يكون منصفاً للأسف كل الأحيان، وبخاصة معنا كسوريين.
وحول وجود صعوبات أو عراقيل فنية أو لوجستية واجهتكم في رحلة إنجاز الفيلم تدخل الفنان "محمد ملص" في الحديث ليشير إلى أنه لا عمل فني بلا صعوبات فثمة مفاجئات حتى ولو كان العمل ضخماً أثناء التصوير أو المونتاج أو في البروفات أو أثناء اختيار الممثلين.
ولفت محدثنا إلى أنهما لا يهتمان كثيراً لموضوع الصعوبات وخاصة في الأعمال الفنية التي تكون من إنتاجهما وتأسيسهما منذ البداية إلى النهاية، فمثل هذا العمل يكون الأقل صعوبة لأنهما لا يدخلان أنفسهما بخطر الإنتاج والالتزام بالإمكانات المتوفرة.
واستدرك:"ربما هناك صعوبات في التقيد بإنجاز الفيلم في الوقت الذي تم تحديده أو تقصير بفريق العمل".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية