يعد الوصول إلى بناء دولة القانون في سوريا الحل المثالي للصراع الجاري فيها وعليها، لأنّ دولة القانون الديمقراطية هي بناء مؤسساتي قانوني ديمقراطي يمكّن السوريين من حقوقهم الأساسية، ويتيح لهم، عبر آليات تمثيلية ديمقراطية، وقانونية، من تطويره وتحسينه بشكل مضطرد.
وحول هذا الموضوع أنجز "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" دراسة تتلمس مفهوم دولة القانون وآلياتها الديموقراطية والقانونية ومشاركة الفئات المهمشة من السوريين لتحليل واقعهم، كنوعٍ من المشاركة في توجيه مسار بناء دولتهم المنشودة رغم أن القانونيين الذين يشكّلون في العالم الديمقراطي جزءاً من النخبة، هم فئة مهمّشة حتى في ما يفترض أنه مجال اختصاصها، وبضمن ذلك وضعُ الدستور، كما يقول المحامي "أنور البني" الذي راجع الدراسة من الناحية القانونية.
وأشارت الدراسة التي أعدها الباحثون "يوسف فخر الدين، المحامية ليليت سليمان، لبنى حمشو"، إلى أن دولة القانون، حسب نشأتها الأولى، كانت تمييزاً عملياً بين الدولة الخاضعة للقانون، والدولة الاستبدادية المطلقة، حيث يتصرف الحاكم بالبلاد وسكانها كإله، أو نصف إله، دون قيد أو شرط، وأن ذلك جرى في كل دولة بلغَته عبر عملية صراعية لتقييد السلطة الحاكمة من قبل المجتمع وبمشاركة عناصر في الدولة.
ونوهت الدراسة إلى أن القانون المقصود لا ينحصر بتلك القواعد القانونية الموضوعة للمحكوم ليتبعها، بل قبلها القواعد القانونية الموضوعة للحاكم ليخضع لها ولتقيّد حكمه.
وهي بهذا منذ أول ظهور لنموذج منها كانت قيداً وشرطاً، ولم تكن خضوعاً اختيارياً إلا كإضافة شخصية، إن حصلت، على الإجبار.
وتطورت دولة القانون والحقّوق المعاصرة نوعياً منذ ولادتها، من تحقيقها الخضوع للقانون إلى حيث صارت دولة القانون والحقّوق وسيادة القانون والديمقراطية والشرعية، دولة القانون الموضوع لكل مؤسسات الدولة والمواطنين ليتبعوه، وحيث لا يُستثنى الحاكم من المحاسبة حتى على صعيد الجرائم الشخصية.
وتوقف معدو الدراسة للإشارة إلى الوصول إلى دولة القانون والحقّوق يشكل الهدفَ الرئيس للمجتمع الدولي في ما يتعلّق بسوريا، على صعيد الخطاب على الأقل، وذلك عبر الدعوة للعناصر المكوّنة لها إن لم يكن باسمها صراحة، ورغم أن ما يسمى باللجنة الدستورية يفترض أن تهدف إلى وضع الدستور الذي ستبنى على أساسه دولة القانون والحقوق في سوريا،
إلا أنه وخلال 8 جولات مفاوضات لم يترافق ذلك مع اهتمام معرفيّ موازٍ يقدّم تعريفاً لدولة القانون. ولا مع دعوةٍ لإشراك واسع، وضروري، للقانونيين السوريين، واقتصر التفاعل، مع ما هو مطلوب على هذا الصعيد، على اجتهادات غير رسمية (خارج النظام ومعارضاته السياسية) محدودة.
ونوه معدو الدراسة إلى أنهم اعتمدوا فسح المجال للمهمّشين من السوريين، وهم الأغلبية، لتحليل واقعهم كي لا يُترك الأمر للمسيطرين لتقريره عنهم.
وتضمّن تحليل القانونيين المشاركين في الدراسة مفهوم دولة القانون وعناصره ومعايير العدالة ضمنه، ومقارنتهم واقع الدولة السورية، بوجهة نظرهم النظرية، بعد ما خاضوه من تجارب معها ضمن المنظومة القضائية والإدارية والسياسية السورية بمراحلها المختلفة، إذ تفاعلوا جميعاً مع مؤسّساتها، وعمل بعضهم ضمن مؤسّساتها القانونية، ودرسوا جميعاً في مؤسّساتها التعليمية، وبضمنها جامعاتها، ومقارنة معرفتهم النظرية بتاريخ الدولة السورية الذي اطّلعوا عليه، واستعراض أهم العقبات والعوائق التي يعتقدون أنها قد تقف حائلاً دون الوصول إلى دولة سيادة القانون.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية