ونسأل بعض السادة الأطباء الكرام لماذا كلما أشتكى مواطن من الطبابة كانوا له بالمرصاد؟
وراحوا يثخنونه بالجراح بتعليقاتهم وردوهم الغريبة عن المنطق والحوار الهادف والبناء.والشاكي لم يشتكي سوى من ما يكابده من أعباء المعاينة المرتفعة, وتوابعها من تحليل وتصوير و... وتكاليف عمليات جراحية تثقل كاهله وليس له عليها من طاقة. بسبب دخله المحدود.وأكثر ما يثير المرء في الكثير من ردود وتعليقات بعض سادتنا الأطباء أن بعضها حتى مهنة الطب منها براء. فمنهم من يتجنى على زملائه, ومنهم من يلفت نظرنا على أن الطبيب ليس بجمعية خيرية كي يقدم بالمجان الرعاية الطبية للمواطنين بذريعة أن مهنة الطب مهنة إنسانية. ومنهم من ينبهنا إلى أنه قد أمضى سنين عمره في الشقاء والدراسة, وتحمل المصاريف الجمة حتى تمكن من الحصول على إجازته الجامعية. وآخر يربحنا الجميل بأنه آثر العودة ليخدم وطنه ومواطنيه على البقاء في الدول التي تعلم فيها, كما فعل غيره حيث يحصد الملايين. وآخر يلقي باللوم على الفساد المنتشر,وعلى نقابة الأطباء. ويحمل الحكومة المسئولية بسبب عدم معالجتها لموجات الغلاء, وارتفاع الأسعار التي تجتاح الأسواق, وتدني العملة الوطنية بالنسبة للدولار.وآخر يعلمنا أن من حق الطبيب أن يحيا الحياة الرغيدة التي تعيشها باقي النخب. وكأن هؤلاء السادة الأطباء ينسون أو يتناسون أنهم ليسوا وحدهم من يخدم وطنه, وليس وحدهم من تحمل عبء العمل والدراسة والاجتهاد. فكل المواطنين يجاهدون ويجهدون في هذه الحياة,وينالون حصتهم من المنغصات , والبعض منهم عضهم الدهر بنابه,أو عض ذويهم أو بعض بنيهم وهم صابرون, يكاد حتى جارهم ومن يعرفهم يظن أنهم من المحظوظين والسعداء. وأننا على قناعة بأن لكل مهنة من المهن, واختصاص من الاختصاصات وجه إنساني.أما مهنة الطب وما يتبعها من مشافي ومراكز طبية وصيادلة ومعامل دواء. فكل وجوهها إنسانية ما عدا وجه واحد مادي. ليكون الدافع لتبقى هذه المهنة وضاءة ومشرقة. بحيث تندفع نحو مزيد من التطور والتقدم بسرعة, لتخفف من حجم معاناة البشر بتخليصهم من شرور الأوبئة والأمراض. وتحبط الهجمات العدوانية للجراثيم والميكروبات, التي تهدد البشرية جمعاء.
وعلى هذه الردود نرد على السادة الأطباء, بهذه الأسئلة راجين منهم الإجابة عليها بصراحة:
• ألم يقدم الوطن للجميع خدمة مجانية التعليم ؟ وألم يقدم لهم ولغيرهم التوسع في الجامعات, لضمانة توفير سعة الانتساب والاستيعاب لكل بنيه؟ وألم يحيطهم الوطن بالرعاية حين وفر لهم حق التطوع والتوظيف لبعضهم وهم في الصفوف الأولى كموظفين. وقدم لهم القروض من مصرف التسليف الشعبي ليشجعهم على الدراسة والمتابعة؟ وهل بخلت عليهم الدولة وهي التي فتحت لهم الدورات, وأوفدت الكثير منهم بإيفاد داخلي وخارجي,بهدف التخصص ونيل شهادة الدكتوراه, لتأخذ مهنة الطب مكانتها اللائقة ودورها الكبير في المجتمع. بحيث ينعم الجميع بالرعاية الصحية؟
• ثم ألا يستحق الأب والأم لكل فرد, وهما اللذان سهرا وجهدا على تربيته وإطعامه وكسوته, وصرفا عليه الأموال منذ الصغر وفي التعليم ومدرسة الحياة, وأفنيا عمرهما من أجل إسعاده وجعله يسبح في بحر من المحبة والحنان بكامل حريته. أن يكون لهم من نصيب في نفسه وقلبه, يكون بمثابة نواة جمعية خيرية ولو مصغرة. تمدهم وتمده ببعض حسن الثواب من زكاة وصدقة وإحسان على شكل جدول صغير لا ينضب طيلة حياته؟ وهل من يجهل أن أكثر ما يسعد الأب والأم في كل أسرة رؤيتهم الجهد الإنساني والخيري والتعاوني هو المسيطر والظاهر على الجانب المادي للأبناء والأحفاد؟.
• ثم ألم يكن الدكتور غالب خلايلي مصيبا حين قال : أن الهدف الرئيسي في الطب هو خدمة المريض وإراحته من معاناته, باستئصال شأفة الدواء ؟ ولماذا تقوم الدنيا ولا تقعد إذا رفعت إحدى مؤسسات الدولة أسعارها على الخدمات التي تقدمها للمواطنين. بينما راح البعض من السادة الأطباء يحدد لنفسه ما يستحقه من اجر وإتعاب وأرباح؟
• وهل من طبيب يمكن أن ينكر أن الحالة النفسية والاجتماعية التي يعيشها الفرد لها تأثير كبير على تصديه لمرضه ومصابه , وأنها الفيصل في الوصول إلى الشفاء؟ وهل كان تقدير الأطباء لهذا الأمر في السابق, هو الدافع لينهجوا نهجا يتلخص في هذه النقاط:
1. تخصيص يوما أو يومين في الأسبوع(الاثنين والخميس) لمعالجة الفقراء والمعسرين واليتامى وأبن السبيل مجانا,وحتى إعطائهم العلاج أيضا مجانا مما يتوافر لديهم من مساطر ونماذج طبية؟ وهل أندثر هذا التراث الآن بسبب كونه متخلف, أو لأن بعض الأطباء حاليا لا طاقة لهم عليه؟
2. الدخول إلى حياة المريض من خلال أسئلتهم التي يوجهونها للمريض لمعرفة طبيعة حياته ومعيشته ونوع سكنه ومكانه وحالته المادية والاجتماعية.بحيث لا يطلبون منه ما هو بعاجز عنه, وغير قادر عليه. وبعد هذه المسامرة بين الطبيب والمريض يخرج المريض وبيده الوصفة الطبية. وهو يحس بارتفاع روحه المعنوية, وأن نصف أوجاعه اندثرت, وغدا أحسن وحالا بعد مراجعة الطبيب, وهو يتمم له بالشكر والمحبة,ويحدث أقرانه عما ناله من فضل على يديه؟
• ولماذا أصبح معظم المرضى يخافون من مراجعة الطبيب, بل ربما زادت معاناتهم أضعافا مضاعفة حين يشاهدون ويسمعون ما يتكبده هم أو ذويهم من تكاليف ومصاريف. لقاء التقنيات الجديدة من أنواع التصوير والتحليل والتخطيط والعمليات. بحيث أصبح وضع الأسرة يتعثر إن ألم بأحد إفرادها المرض ,وتراهم مجبرين على مراجعة الطبيب والمراكز الطبية, وكثير منهم يستدين أجرة المعاينة وثمن الدواء.ووضع كهذا الوضع ألا يزيد المرض نشاطا وفعالية, ويدفع بحالة المريض نحو مزيد من التدهور والسوء؟
• وأليس من العجب العجاب قرارات نقابة الأطباء, وهي ترفع أجور معاينة الأطباء, وتتغاضى عن أسعار الطبابة في المراكز والمشافي الخاصة والتي تفوق العشر نجوم. مع أن النقابة هي منظمة شعبية. من أبسط واجباتها حماية حقوق الأطباء وحماية حق المواطنين في توفير طبابة ورعاية صحية معقولة, مقارنة مع الدخل للمواطنين في المجتمع والبلد الذي تعيش وتتواجد فيه؟ ثم أين دور وزارة الصحة في هذا الموضوع؟
• وهل هنالك من تفسير حين ننحى باللائمة على الحكومة في كل شيء سوى التهرب من التزامات الفرد مهما يكن مجال عمله, وأيا كان اختصاصه ودرجة تحصيله العلمي سوى التهرب من تحمل المسئولية, والتنكر لوطنه وقيادته, والتهرب من خدمة مواطنيه ؟
لا نريد أن نذكر بعض السادة الأطباء بقسم أبقيراط, فهم من يحفظونه غيبا. ولكن نذكرهم بأن كل إنسان ينظر إلى الطبيب على أنه معقد آماله ورجائه بعد الله. وأن رغبته في مساعدة المرضى والعمل على إبرائهم أكثر من رغبته فيما يلتمس من أجر.وأنه يعالج أعدائه بالروح والأخلاق ذاتها التي يعالج بها من أحبهم ويحبهم. وأنه يعشق ويهوى أن يبرأ مرضاه, ويكونوا في حياتهم سعداء. وأنه بعمله ينال ثوابا جزيلا من الله. ويحظى باحترام الوطن والحكومة والجماهير لأنه يسعى ليكون المواطنين بكامل قواهم وصحتهم عناصر مؤهلة للعمل بجد في جميع المجالات.
ومعذرة أن كنت مخطئا فيما قلت, راجيا العفو والمغفرة والحلم وسعة الصدر, آملا منهم النصح.
الخميس 27/9/2007م
البريد الإلكتروني : [email protected]
: [email protected]
: [email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية