أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"خلصت وفشلت".. كوميديا سوداء على "تلفزيون سوريا" لمعالجة القضايا الكبيرة عبر الدمى

يحاول "ريكاردو باصوص" كسر النمطي المعتاد، ولو عبر مجازفة وتجريب، لم يسبقه إليها تلفزيون سوري أو حتى عربي، فهو صاحب فكرة سكتش "وطوط والكورونا " خلال برنامج "نور خانم" الذي قدمته المتألقة، "نور حداد" لمواسم عدة على "تلفزيون سوريا".

ويبدو أن رواج "سكتش" الدمى المتحركة وما لاقاه وطوط الذي اعتقله أمن نظام بشار الأسد، راق للمعد والمقدم "باصوص"، ليحولها لبرنامج "خلصت وفشلت" على شاشة "تلفزيون سوريا" ووسائل "النيو ميديا" المنبثقة عن مؤسسة "تلفزيون سوريا"، والتي تصدرت، أو بعضها، المشاهدات على المستوى العربي أحياناً.

ولكن لماذا عنوان "خلصت وفشلت" رغم ما قد يتركه من خيبة لدى السوريين، لطالما يمكن الاستدالال منه على فشل ثورتهم وحلمهم بالدولة والحرية والديمقراطية.

يقول معد ومقدم البرنامج، "ريكاردو باصوص" لـ"زمان الوصل" إنه اقُتبس عنوان برنامج "خلصت وفشلت" من عبارة كان يكررها المحللون المؤيدون للنظام، والتي تم تداولها في بدايات الثورة، في محاولة إقناع موالي النظام بأن الثورة أو "المؤامرة الكونية كما يسميها إعلام النظام" قد أحبطت وانتهت وتم إفشالها.

ومع تردي الأحوال المعيشية وفشل النظام في تأمين أبسط مستلزمات الحياة الكريمة في عموم البلاد، بدأ السوريون في الداخل يستخدمون بتهكم وسخرية عبارة "خلصت وفشلت" في تلميح إلى أن الحياة في هذا البلد انتهت، أضف إلى ذلك، أن المسلسل من بطولة "الحاج عدنان وسوسن" وهما زوجان من أصحاب الدخل المتوسط يعيشان في منطقة تابعة للنظام ضمن أحد أحياء مدينة حلب، حيث تعكس حلقات المسلسل الحياة اليومية لهذه العائلة الصغيرة وعليه تم استخدام هذا المصطلح بمعانيه الخفية وتلميحاته المتمردة.



* ولكن، لماذا لا مدة محددة للبرنامج ومحاولة استهداف سوريي الداخل فقط، رغم أن هكذا برامج "ساخرة ناقدة" منتظرة ومحببة لدى شرائح واسعة من الجمهور؟
متوسط مدة حلقة البرنامج 8 دقائق، قد تطول أو تقصر حسب فكرة الحلقة والسيناريو والنص وغيرها، والجمهور الأساسي المستهدف هو السوري أينما يتواجد وخصوصاً في مناطق سيطرة النظام، إذ إن الحلقات تعكس تفاصيل الحياة اليومية لأي عائلة سورية ليس في حلب فقط، بل في جميع المناطق السورية.

* يغيب السياسي المباشر عن حلقات البرنامج، في موسمه الثالث تحديدياً، علماً أن السياسة باتت هاجس ووجع السوريين..كيف يتم اختيار الموضوعات؟
أتابع بشكل دائم تفاصيل الأوضاع في الداخل السوري ولا سيما مناطق سيطرة النظام، من خلال وسائل الإعلام عموماً وإعلام النظام خصوصاً، إلى جانب منصات التواصل الاجتماعي المحلية، لأحصل على صورة تفصيلية واقعية لما يجري في الداخل، لأقوم بوضع الأفكار وكتابة المواضيع وتحديدها بنفسي بثقة كبيرة من إدارة "تلفزيون سوريا" ومتابعتها الدائمة.

البرنامج بالأساس هو اجتماعي ساخر، ولكن لم نبتعد عن السياسة أبداً، وكما تعلمون، الواقع اليومي في سوريا تدخل السياسة في كل تفاصيله، أزمة الخبر والوقود والمياه والخدمات والأمان والتعليم والصحة وغيرها الكثير من المجالات كلها تدخل بشكل أو بأخر في السياسة، أضف إلى ذلك أن سوريا منذ أكثر من 10 سنوات تعيش واقعاً سياسياً مضطرباً لا يمكن عزله عن المحتوى الكوميدي.

وانطلاقاً من كل ذلك، قدمت في كل موسم من المواسم الثلاث (كل موسم 12 حلقة) ثلاثة أنواع من المواضيع: حلقات بمواضيع اجتماعية تعنى بالمواقف والمشاكل الحياتية اليومية مثل: "الغيرة، الثقة، الملل في العلاقة الزوجية".

حلقات تطرح الأزمات المعيشية التي هي الشغل الشاغل لمعظم سوريو الداخل من أزمات الوقود والكهرباء وأسعار تصريف الدولار وغيرها.

وحلقات سياسية تطرح مواضيع مختلفة مثل الديمقراطية، الديكتاتورية، ركاكة خطاب رئيس النظام وغيرها، جميع هذه الحلقات بمختلف توجهاتها مبطنة بجرعات سياسية كافية لسوري الداخل أن يشاهدها دون خوف أو تردد، وهي طريقة فعالة لايصال رسائل متنوعة لشخص تمنعه ربما الظروف الأمنية أن يتابع برنامج كوميدي ساخر يعرض على تلفزيون معارض.

* انتظر الجمهور الموسم الجديد في 18 تموز يوليو كما أعلنتم، ولكن لم تفوا بالوعد؟!.
لا نخفي عن الجمهور أن البرنامج، ونظراً لتوسعنا بالفطرة والأدوات وزوايا المعالجة، واجه بعض الصعوبات الإنتاجية والفنية، وتتم حالياً دراسة العملية الانتاجية بشكل جديد لنتمكن من العودة خلال شهر، بكادر فني جديد وحلقات، نتمنى أن تلقى قبول ورضى المتلقي، لأننا نزعم أن فيها جديدا على صعيدي، الشكل والمحتوى.



* يرى البعض أن استخدام الدمى بالسكتشات، طريقة جديدة على الشاشات العربية، لكنها لا تخلو من المجازفة.. لماذا أقدمتم عليها؟
الطرق الغريبة والجديدة لتقديم المحتوى الكوميدي هو شغفي، الكاريكاتير والمجلات المصورة، الغرافيك والانيميشن، والستوب موشن وألعاب الفيديو و أخيراً الدمى.
كنت قد تابعت العديد من برامج الدمى الأميركية، وأعجبت بطريقة الطرح الساخرة وبتلك العلاقة الغريبة بين الدمية ومقدمها ومحركها البشري، والاختلاف الجميل الملفت للنظر في الأحجام وردود الأفعال ونبرة الصوت وغيرها.

* لمن الفكرة وكيف جسدتموها على شاشة "تلفزيون سوريا"؟
طرحت الفكرة للتجريب عام 2018 على صفحاتي الخاصة، وهي عبارة عن دميتي أطفال مجسدة بـ"فرس نهر ولاما"، تنتقد هذه الدمى بطريقة طفولية بريئة المواضيع البارزة التي تستعرضها صفحات التواصل الاجتماعي في سوريا، ولكن ذكية ساخرة.

إلى أن تم نقل هذه التجربة إلى التلفزيون في برنامج "نور خانم" عبر سكتش "وطوط و الكورونا"، عندما قدمت شخصية الخفاش "وطوط" المعتقل من قبل المخابرات السورية بتهمة تسريب مرض "كورونا" إلى سوريا بهدف نقل العدوى إلى بشار الأسد شخصياً، تقبل الجمهور للدمية كان ملفتاً للنظر، وقدمت ثلاث حلقات مع الزميلة "نور حداد"، وقررت بعد انتهاء الموسم أن أتوسع في هذه التجربة ببرنامج خاص للدمى.

*لماذا استخدام الدمى، هل لنقص بالكادر الكوميدي البشري أم لأنكم تقوّلونها ما لا تودون قوله مباشرة؟.
الدمية جميلة ومحببة لكل الفئات العمرية، لا يمكن للمشاهد أن يكرهها أو يلومها ويشمت بها أو ينظّر عليها، الدمية تستطيع أن تقول وتفعل كل شيئ ويمكن أن اطرح معها مواضيع حساسة لا يمكن تقبلها من البشر.

من الناحية الكوميدية، يمكن أن أذهب بالدمية إلى أماكن طفولية جميلة، وهو أنقى نوع كوميديا بنظري يمكن بالدمية أن أعوض عن نقص الكوادر والممثلين المحترفين المطلوبين لإتقان الأدوار الحساسة المكتوبة، مثلاً لا أعتقد أنه يوجد ممثل في اسطنبول اليوم قادر على تقمص شخصية "عدنان معجوق" أو تطبيق ردود أفعاله كما هو الحال مع الدمية.

*والصعوبات كون نمط الدمى مخصصا للأطفال، أو الفنية خاصة أن الدمى متحركة وتتفاعل مع الحدث والكادر والديكور؟
طبعاً هنالك صعوبات كبيرة في التعامل مع الدمى، كون هذا النوع من البرامج ربما "تلفزيون سوريا" هو المؤسسة السورية الوحيدة الذي ينتج هذا النوع من البرامج، وبطبيعة الحال واجهتنا صعوبات فنية متنوعة تتعلق بحجم الدمية وقلة الخبرات الفنية في التعامل معها من إضاءة والديكور وتخصيصي أماكن لإخفاء المحرك وتأمين وضعيات مريحة له.

طبيعة البرنامج الدرامية صعبة جداً مع الدمى، فالدمية ليست ثابتة على مكتب مثل برامج "التوك شو" بل هي متحركة وتتفاعل مع الديكور والممثلين.

قلة الخبرات المتوفرة في تحريك الدمى وتقليد الأصوات والاستخفاف بصعوبته، حيث أقوم بتحريك معظم المشاهد شخصيا، ثم أقوم بتصوير مشاهدي التمثيلية ونقوم بدمج الدمية والممثل في المونتاج لاحقاً، أضف إلى ذلك عدم تقبل الدمية في بعض الأحيان وربط الانطباع الأولي بأنها برامج موجهة للأطفال.



*لماذا التقديم عبر لهجة محلية سورية "الحلبية" رغم ما يقال عن عدم تقبلها سورياً أو احتمال عدم فهم بعض كلماتها من المتلقي العربي؟
البرنامج بالكامل كإعداد وتقديم هومن نمط "one man show"، حيث أقوم بتأليف وكتابة وتصميم شخصيات وتمثيل وتحريك وتسجيل الأصوات، و أنا حلبي عشت في حلب معظم حياتي، فطغت اللهجة الحلبية على العمل بالطبع.

حقيقة، كان هناك تخوف من الفكرة النمطية التي تقول إن الحلبي "ثقيل الدم" ولا يمكن تقديم كوميديا باللهجة الحلبية (هو تحدٍّ أواجهه في حياتي العادية وفي مجالي الكوميدي وليس فقط في "خلصت وفشلت" هذا التخوف ما لبث أن تلاشى بعد الحلقة الأولى من البرنامج، إذ كانت شخصيتي "عدنان و زوجته سوسن" خفيفة الظل وقريبة من القلب لمعظم من تابعها.

* لاقى البرنامج إقبالا كبيراً إن لم نقل نجاحا..ما هي الآفاق وخططتكم..خاصة أنه نقل من "السوشيال" إلى الشاشة الكبيرة؟
أقوم مؤخراً برسم خمسة قوالب جديدة منفصلة لبرنامج تلفزيوني ساخر جديد يعني بالترندات على الساحة السورية والعالمية، وهو مشروع ضخم وليس "one man show" مثل خلصت وفشلت، هذا العمل يتطلب فريق فني كبير ولشركاء في الإعداد والكتابة والتمثيل في حال تمت الموافقة عليه.

* أخيراً، لماذا الكوميديا السوداء بواقع "الإحباط السوري العام" هل هي مجدية عبر الصفع أم تساهم بزيادة اللاأمل؟
الكوميديا السوداء تكون خياراً في الدول البيضاء التي تعيش حياة طبيعية وكريمة، ولكن الحياة في الداخل السوري سوداء، الدماء ما زالت طازجة والمعيشة قاسية، وأي محاولة كوميدية في سوريا حالياً ستكتسب الطابع الأسود، ويصعب على المتابع السوري الضحك لمشاكل أو مواقف لا تعنيه حالياً وهو غارق في مشاكل ومواقف قلبت حياته جحيماً.

طرح كوميديا من هذا الواقع تضع المقدم والدمى في مكان أقرب من المتابعين، وتجعل المشاهد يبتسم على مشاكله، وتدفعه أحيانا للتفكير بالأسباب والمقارنة وطرح الأسئلة، وهو نوع كوميديا محبب لي شخصيا، استمتع بإعداده والعمل على ترك المشاهد متخبطاً في مشاعر إنسانية مختلفة صادقة لا يمكن تحديدها بدقة.

عدنان عبد الرزاق - زمان الوصل
(403)    هل أعجبتك المقالة (164)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي