ترصد رواية "العبور الموازي- جامشي" للكاتب السوري الشاب "محمد نور حمشو" رحلة عبور اللاجئين إلى الدول الآمنة بطرق غير شرعية هرباً من ويلات الحرب بالاعتماد على مافيا الإتجار بالبشر التي تستغلهم أشد الاستغلال.
وتحكي الرواية بأسلوب أدبي ممتع عن أحداث ومواقف مروعة مر بها أكثر من مئة لاجئ من مختلف الأعراق والدول جمعهم على اختلاف ألسنتهم وإنسانيتهم التي فروا بها وراء الحدود والدول وقد تهشمت أرواحهم واستنزفت طاقاتهم.
ومن الطرق التي يسلكها أولئك اللاجئين طريق إيران تركيا وقد سلكه بالبداية الأفغان والباكستان والهنود وغيرهم من شعوب شرق آسيا، وبعد الحرب السورية وإغلاق العديد من الدول أبوابها بوجه السوريين عمد الكثير منهم في السنوات الأخيرة في وصولهم إلى تركيا على ذلك الطريق.
حيث تقرر مجموعة من السوريين الوصول إلى تركيا عبر الطريق لتعذر وصولهم الشرعي إليها مندفعين بأهداف مختلفة فمنهم من سيستقر هناك ومنهم من يريد الوصول إلى أوروبا ومنهم من يقصد الشمال السوري الموازي لتركيا.
ويتعرف قارئ الرواية الصادرة حديثاً عن دار "ديوان العرب" للنشر والتوزيع عبر هذه المجموعة وعن كثب على خفايا هذا الطريق وأساليب مافيا الإتجار بالبشر والمخدرات، وكشف كذبهم وخداعهم واستغلالهم لهؤلاء المنكوبين الذين فروا من جحيم الحروب والعوز فإذا بهم بين فكي تلك العصابات القذرة، ويتعرف الشباب السوريون في رحلتهم هذه على ثقافات جديدة عن قرب ويروي كل منهم قصته في البلد القادم منه كـ"لبنان" و"السودان" و"الجزائر" وغيرها.
كما يتم تسليط الضوء من خلال الرواية الأولى لكاتبها على الصراع الداخلي النفسي الذي يعاني منه هؤلاء اللاجئين وشعور الخذلان الذي يسكنهم من الجميع.
وتصف هذه الرحلة كذب وخداع السمسار أيضاً الذي تكون مهمته الترويج لشبكة التهريب وبعد وصول الأشخاص إلى أيدي تلك المافيا تبدأ الوعود والكلمات المنمقة بالتلاشي.
ولأن الحديث عن أي عمل أدبي يبدأ بالعنوان باعتباره مفتاحاً لمرموزيتها كان لابد من سؤال "حمشو" عن سبب ودلالات اختياره لعنوان الرواية، فأجاب في حوار مع "زمان الوصل" أن المقصود بـ"العبور الموازي" هو العبور غير الشرعي، وهي الطريقة التي عمد مئات الآلاف من اللاجئين للدخول فيها إلى بلاد آمنة ما كانت تمنحهم حق الدخول الشرعي، علماً أنه لا يفضل -كما قال- وصف عبورهم بغير الشرعي لأن هذا العبور عندما يرتبط بحق الحياة وبالموت وفقدان ذلك الحق ربما برصاصة طائشة يصبح المصطلح فيه موضع بحث وتحليل.
أما بخصوص (جامشي) فهي كلمة إيرانية استخدمت ضمن أحداث الرواية وكان لها عميق الأثر في نفوس المجموعة التي حملت تلك الكلمة وقد انعكست بشكل رئيسي على الشخصيات الأساسية في الرواية.
وحول أبطال روايته وهل هم أشخاص من لحم ودم أم هم محض خيال وما مدى مقاربة الرواية للواقع، أشار "حمشو" إلى أن شخصيات روايته الرئيسية أشخاص حقيقيون عاشوا التجربة عملياً لكن الرواية لا تخلو –كما قال- من بعض الإضافات الأدبية، كما أن الرواية واقعية وأحداثها وقعت منذ سنوات قليلة ويمكن لأي شخص عاش تجربة الدخول غير الشرعي بالشعور أن الرواية تتحدث عنه.
وفيما إذا اكتفت الرواية بسرد إرهاصات العبور الموازي أم ولجت إلى صعوبات الغربة وتحديات اللجوء أوضح "حمشو" أن الرواية صورت اللجوء عموماً واللجوء السوري بشكل خاص مع التركيز على اللجوء السوري في البلاد العربية وتركيا وما كشفه هذا اللجوء من زيف شعارات ووهم روابط لطالما آمن بها السوريون لعقود.
ولأن الاغتراب الزماني يتمثل في لجوء الشخصية المغتربة إلى محاولة الهروب من ماضيها المسبب لعذابها واغترابها والتشبث بالحاضر كما يتمثل كذلك في بحثها عن ماضيها هرباً من حاضرها.
وعن انعكاس هذا الأمر على روايته أبان محدثنا أن الشخص الذي يقبل على العبور الموازي هو إنسان يعيش حالة مضطربة نفسياً أفرزتها ظروفه الماضية ودفعته إلى ذلك القرار فهو إنسان يعيش بين ماضيه ومستقبله، أما حاضره فهو تلك الحالة النفسية التي يعيشها ويسعى للتخلص منها عند الوصول إلى وجهته.
وتابع محدثنا أن تصوير البعد النفسي للشخص اللاجئ يعد أصعب ما يواجه الكاتب أمام عمله الأدبي.
ولدى سؤاله عن كيفية معالجته لأحلام العابرين في روايته وأين حطت رحالهم أوضح محدثنا أن اللاجئين أو العابرين هم أشخاص حالمون إلى أبعد حد يمكن القول بأنهم تجاوزا الدول بأرواحهم وأحلامهم حتى بأطفالهم في سبيل الوصول إلى بر الأمان، لكن غالباً ومن ضخامة ما عانوه وعايشوه تصور لهم أحلامهم أن الوصول أو المستقبل سيكون ناصعاً وسيجلي عنهم وعن أرواحهم ذلك الجانب النفسي المعتم فيها.
واستدرك أن "الآثار المسببة لهذا العبور والصعوبات لا تزول بل تبقى جرحاً مفتوحاً في قلب أي شخص عايش العبور الموازي، وهو ما يفسر حالة الارتباط لاحقاً بين الماضي والحاضر بشكل متكرر ولو نفسياً.
وفيما يتعلق بمفهوم أدب اللجوء وهل استطاع هذا الأدب التعبير عن تغريبة السوريين والارتقاء بمعاناتهم وآلامهم وحلمهم المنشود أشار "حمشو" إلى أن أدب اللجوء هو النسخة المعاصرة لأدب المهجر لكن بآلام مضاعفة ومعاناة أكبر.
وأضاف أن هذا النوع الأدبي سيكون له مستقبل أكبر في السنوات القادمة لأن ساحات اللجوء لا تزال تنجب وبكل أسف آلاف اللاجئين.
وحول انشغالاته الأدبية أشار الكاتب الشاب إلى أن حكاية اللجوء الموازي في روايته هي الأولى بالنسبة له ككاتب لكن الحكاية الكاملة لم تنتهِ بعد، وسيكون هناك -كما قال- أعمال قادمة بهذا الشأن.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية