صدر للمفكر والكاتب السوري الراحل "ميشيل كيلو" عن دار "الجديد" اللبنانية منذ أيام رواية بعنوان "مزار الدب" بعد أكثر من سنة على رحيله، وكان قد كتبها في باريس نهاية التسعينيات، ومن ثم فقدها بعد خروجه من سوريا، وشاءت الأقدار أن يُعثر عليها بعد رحيله دون أن تكتحل عيناه برؤيتها مطبوعة.
وتسعى الرواية مثل كتب "كيلو" الأخرى واشتغالاته الفكرية إلى تفكيك بنية الاستبداد في سوريا، وآليات القمع في الفضاءات المختلفة، بدءاً من البيت، مروراً بالمجتمع، والتأثير الديني وصولاً إلى الدولة.
وكتبت "شذى كيلو" في بداية الرواية "أبي الذي رحل وعيناه مفتوحتان على أسراب أحلام لا عد لها، تحلق في سماء سوريا ولا تسمح إلا بمرور المطر وخربشة ذكريات العصافير، وفي قلبه الذي ينوء بالوطن والإنسان حسرات وحسرات منها الرواية التي كتبها في التسعينات من القرن الماضي، ثم فقدها أثناء حياته مع الوطن الذي أُكره على فقده".
وكشفت "شذى كيلو" لـ"زمان الوصل" أن والدها توفي وبقي ضياع الرواية حسرة في قلبه، وردد ذلك أكثر من مرة أمام عائلته وأصدقائه، وتواصل أثناء حياته مع الكثير من أصدقائه إن كان لديهم نسخة منها، ولكن دون جدوى، وبعد وفاته تم العثور على الرواية بطريقة رفضت محدثتنا الإفصاح عنها.
وأضافت ابنة المفكر الراحل أن الرواية كتبها والدها في باريس بين أيلول سبتمبر/1988 وكانون الأول ديسمبر/ 1990 مع رواية أخرى بعنوان "دير الجسور" في ذات الفترة.
وللروايتين -حسب قولها- صلة في الفكرة والمضمون، فرواية "دير الجسور" استمدت فكرتها من قصة شخصية أمنية مجرمة لم تحتك بأحد إلا قتلته و"مزار الدب"، هي دراسة للبيئة التي تربت فيها و أنشأتها، وكيف حولت هذه البيئة الشخصية المذكورة إلى شخصية عنيفة تدمر كل شيء.
وعن شعورها بصدور الرواية بعد أكثر من سنة على وفاة والدها "كيلو" قالت ابنته إن شعورها هو مزيج من مشاعر الحزن والفرح، ولا تتصور مدى الفرح الذي كان يمكن أن ينتاب والدها بالعثور على الرواية لو كان حياً.
وكان الراحل "كيلو" قد تحدث جزئياً عن روايته المفقودة حينها "مزار الدب" وقال في لقاء مصور لـ"مركز حرمون للدراسات" أن الرواية تأتي تمهيداً مكانياً لقصة ضابط مخابرات تم تسريحه واضطهاده، لأنه أطلق سراح عدد من المعتقلين من "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" تم اعتقالهم في لبنان، دون أن يرجع لقيادته فتم الزج به في السجن وسُرح واضطهد واعتبر معادياً للنظام.
وفي تعليقه على الرواية الصادرة حديثاً قال الناقد السوري "خلدون الشمعة" إن قراءة "مزار الدب" تجعل المرء يدرك أن الثقافة السورية في ساعتها الخامسة والعشرين لم تخسر بفقدان ميشيل كيلو مفكراً ألمعياً متمرساً بباطن نتاج الفكر والعمل فحسب، بل خسرت فضلاً عن ذلك روائياً متحققاً يتقاطع مخيال القص لديه مع واقع "جملوكي" شرس فيه شهيق وزفير.
وأضاف أن غائية الفقيد في السردية كما في إهدائه المكرس للبقاء مع الحق والناس السعي لتحقيق قوام جمالي مداره تجربة ذاتية ثرة تمليها معرفة وطيدة بالمكان والزمان.
وقال الروائي "فواز حداد" إنه لم يسبق وأن كتب في العربية رواية على هذا النحو الاستثنائي في آلية اختلاق دين ما يحيلنا -كما قال- إلى جذور اختراع أسطورة السلطة، سواء كانت نظاماً في دولة، أو شيخاً في قرية، دين يجد قداسته -حسب قوله- في مستنقع الجهل ونشر العماء بين الأتباع.
أما الروائية اللبنانية "نجوى بركات" فرأت أن "مزار الدب" قراءة عميقة وفانتازية للواقع السوري ومحاولة مغايرة لتظهير تحولاته وخفاياه وتابعت أن الحكاية في الرواية ذريعة لقول ما لا تقدر عليه إلا المخيلة بسعتها وحدسها وما تعجز السياسة وحيدة عن قوله.
والمفكر الراحل "ميشيل كيلو" معارض ليبرالي علماني وكاتب ومترجم. ولد في مدينة اللاذقية عام 1940، وكان من أبرز المعارضين لحكم عائلة الأسد منذ عقود، اعتقله "حافظ الأسد"، بين عامي 1980 و1982، ثم اعتقله بشار الأسد، عام 2006، ليسجن ثلاث سنوات بموجب حكم من محكمة الجنايات الأولى في دمشق عام 2007.
وبعد ثورة 2011، انتقد التعامل الأمني للنظام السوري مع المتظاهرين، ليغادر سوريا، وينضم إلى مؤسسات المعارضة، التي اعتزلها بعد انتقاله إلى باريس.
وترجم "كيلو" العديد من كتب الفكر السياسي إلى العربية، ومنها كتاب "الإمبريالية وإعادة الإنتاج"، و"لغة السياسة" لجورج كلاوس، وكذلك كتاب "الوعي الاجتماعي"، وكتاب "السياسة في الحرب العالمية" لـ"ماكس فيبر"، و"نظرية الدولة" لـ"نيكوس بولانتزاس".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية