تناولت دراسة جديدة لـ"مركز حرمون للدراسات المعاصرة" عالم أمراء الحرب الذين تشكّلوا في مناطق النظام وتحت رعايته خلال سنوات الحرب، أولئك الذين كوّنوا ثروات هائلة، وملؤوا فراغات مالية تشكلت بفعل الظروف العامة، وتدرّجوا صعودًا إلى قمّة المشهد الاقتصادي، فباتوا أكثر وجوه الاقتصاد السوري ورموزه فاعلية، وأكثرهم تعبيراً عن المشهد الاقتصادي الراهن، وعن السياسات الاقتصادية المتبعة.
وتطرقت الدراسة التي أعدها الكاتب "وجيه حداد" إلى العديد من الأمور المتعلقة بظاهرة أمراء الحرب، ومنها الظروف التي مهّدت لظهورهم، وآليات تشكلهم، ومنابتهم الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وحول مدى ارتباط ثرائهم السريع بكلٍّ من الظرف الموضوعي والتدخلات السياسية والأمنية الفاعلة؟ ومن هم أبرز أثرياء الحرب، بالأسماء، طبقًا لآليّات تشكلهم ومنابتهم الهجينة ومقدار نفوذهم ومدى ثرواتهم وجهة ارتباطاتهم الإقليمية أو المحلية.
واعتمد "حداد" في دراسته التي أخذت عنوان (أثرياء الحرب الجدد محل قدامى رجال الأعمال في سورية) على "معلومات موثقة وميدانية من أشخاص يقيمون في سوريا ويراقبون ما يجري إضافة إلى مقالات كثيرة تم نشرها على مواقع إلكترونية عديدة، وذلك سبب التكتم الشديد من قبل الدوائر الحكومية وتعذر الحصول على معلومات موثقة وفيرة تساعد في بناء دراسة موثقة أصولاً".
ولفت "حداد" إلى أن طبيعة الظاهرة بتفاعلاتها المتحركة في المشهد السوري المعقد ونظام المعلومات المغلق والكابح لتمرير الوثائق والبيانات الرسمية الكافية والدقيقة فرضت إتباع مزيج مركب من القراءة الوصفية التحليلية والاستقرائية بغية رصد ظاهرة أمراء الحرب ومتغيراتها ومآلاتها في الواقع السوري الراهن، ونوّه معد الدراسة إلى أنه انطلق فيها من رصد تداعيات التحول السريع لاقتصاد الحرب في سوريا بعد عام 2011، وما صاحبه من فقدان التحكم المركزي في الاقتصاد السوري ومن نشوء ديناميات اقتصادية مرتبطة بالسياق العنفي وصولاً إلى تحول التربح المالي إلى هدف رئيس من أهداف الحرب وعامل من عوامل استمرارها، وسمحت الديناميات الجديدة لفئةٍ من أشخاص هامشيين، من القاعَين الاقتصادي والاجتماعي، بمراكمة ثروات هائلة، عبر استغلال ظروف الحرب وتداعياتها، لتحتلّ تلك الفئة -بالتدريج- واجهة القيادة المالية، على حساب النخب القديمة (بشقيها التقليدي تاريخيًا، والشق المتكون بعد عام 2000)، التي شكّلت لزمن طويل الوجه الاقتصادي للنظام، وبدا أنها غير قابلة للاستبدال أو الإزاحة، بوصفها الامتداد العضوي والذراع المالي الأوحد للنظام، أمثال "رامي مخلوف وعماد غريواتي ومحمد حمشو".
وأشار حداد في دراسته التي زوّدت برسوم إيضاحية ووثائق وبيانات إحصائية إلى أنه التزامن مع الشرط الموضوعي لصعود أثرياء الحرب الجديد تبدت القصدية الواعية للنظام بصناعتهم، وتهيئة الظروف الكفيلة لنموهم المتزايد من خلال منحهم الرعاية والنفوذ اللازمين من الجهات الفاعلة في النظام وهي "الفرقة الرابعة" التابعة لماهر الأسد (غالباً عبر مدير مكتبه العميد غسان بلال).
وأشار "حداد" إلى حالة كل من خضر علي طاهر الملقب (أبو علي خضر) و"عامر خيتي"، وكذلك "القصر الجمهوري" الذي رعى عبر اللواء "بسام الحسن"- الذراع االأمني لبشار الأسد كلاً من "صقر رستم" قائد مليشيا "الدفاع الوطني" بحمص، و"حسام قاطرجي" وكذلك "المخابرات الجوية" إذا شكلت –حسب قوله– غطاءً ومرجعية لبعض أثرياء الحرب الصاعدين كحالة "علي مهنا" قائد "فوج السحابات" الذي افتتح مولاً في طرطوس بمليارات الليرات السورية، فيما تلقى أثرياء حرب آخرون رعاية من جهات أمنية وعسكرية متفرقة كالمخابرات العسكرية وأمن الدولة.
ونوّه "حداد" في دراسته إلى ما أسماه "الطلاق المخلوفي الأسدي" الذي شكل الرسالة الأبرز للنخب القديمة، بضرورة الانصياع وإخلاء المشهد أمام الوافدين الجدد والخضوع لهيمنتهم، مضيفاً أن مصير النخب القديمة توزع بين الإلغاء الكلي والاستيلاء على أملاكهم أمثال "عماد حميشو" امبراطور تجميع وصناعة السيارات ووكيل شركتي "شيري" اللصينية و"سابا" الإيرانية، و"عماد غريواتي" أكبر وكيل لتجميع واستيراد السيارات في سوريا (جاكوار، فورد، لنكولن، لاند روفر، كيا).
واستدرك أن هؤلاء ارتضوا بسبب التهميش والانكفاء الذاتي وعدم القدرة على المنافسة أدواراً خلفية وأدوا فروض الطاعة والخضوع أمام "هيثم جود" الذي قدم الاعتذار والإتاوة ليسمح له بالعودة والاستمرار وأمثال "هاشم أنور العقاد" الذي قل حضوره في الفترات الأخيرة.
وتوقف معد الدراسة ليشير إلى أن إدارة أثرياء الحرب الجدد للاقتصاد السوري بشقيه الرسمي وغير الرسمي وبعقلية المليشيا أدت إلى تدهور غير مسبوق، وإلى كارثة إنسانية تجلت مؤشراتها –كما يقول- في تراجع القوة الشرائية لعموم المواطنين وانعدام الخدمات العامة، وشح في معظم المواد الأساسية، ومنها الدواء والغذاء، علاوة على انخفاض القدرة الشرائية للمداخيل والأجور إلى مستوى دولار واحد يومياً، مع ارتفاعات متتالية تفوق مثيلاتها العالمية بسبب الطبيعة الاحتكارية لأثرياء الحرب التي تلازمت مع إجراءات عنفية، تجاه المنافسين، وصلت إلى تدمير ممتلكاتهم وحرقها لإجبارهم على دفع مزيد من الإتاوات.
وتطرقت الدراسة في صفحاتها اللاحقة إلى بحث أبرز العوامل الفاعلة لصعود أثرياء الحرب والنشأة الهجينة لأثرياء الحرب في سوريا وأبرز أثرياء الحرب هؤلاء ومنابتهم وتحولاتهم من الاندماج والتكيف إلى الهيمنة وتأثير الشريحة الجديدة من أمراء الحرب على الواقع المعيشي للسوريين، وألحق حداد دراسته بقائمة تضم أسماء رجال أعمال سوريين معاقبين تم تنحيتهم عن المشهد الاقتصادي السوري.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية