أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"سكوت".. رواية سورية تستحضر أحداث مجزرة "حماة"

"كانت سماء مدينة حماة السورية في شباط من عام 1982 رصاصية رمادية ضبابية فقد وضعوا أيديهم الوسخة على أرواحنا، حطموا أرواحنا، وهذا أكثر أذية من تمزيق أجسادنا في لحظة ما أصرخ وبكل ما أوتيت من صمت يا الله امنحني نعمتك، نعمة النسيان".

بهذه الكلمات الحادة كنصل سكين الواخزة كجرح مفتوح يستهل الكاتب السوري "المنتصر باالله"-اسم مستعار– روايته الأولى "سكوت" التي تتحدث عن أحداث حماة عام 1982 والنتائج الكارثية التي حلت بأهالي المدينة عموما، وصولاً إلى ثورة عام 2011 في سوريا ككل، والنتائج التي ترتبت على الشعب السوري.

وتعتمد الرواية الصادرة عن دار "حروف منثورة" في 144 صفحة من القطع المتوسط على أحداث واقعية بنسبة 70% شاهد المؤلف بعضها، ولكنه حينها لم يستطع تفسير ما يجري باعتباره كان صغيراً في السن كما يروي لـ"زمان الوصل"، مضيفاً أنه سمع الكثير ممن بقي من الأهالي الذين عاصروا تلك الفترة، علاوة على أنه يعرف أغلب شخصيات الرواية معرفة شخصية ومنهم من تربطه بهم علاقة قرابة.

ولم يَنفِ مؤلف الرواية أن بعض الأحداث جاءت من نسج خياله، ولكنها-حسب قوله- ليست بعيدة تماما عن الواقع، باستثناء علاقة البطلة "سكوت" مع ابنها الذي تلتقي به بعد أكثر من 30 عاما في المعتقل، حيث كانت معتقلة وهو كان صف ضابط يعمل في المعتقل.

وتابع الكاتب الذي يعيش في ألمانيا منذ العام 2015 أن هدفه من تأليف رواية "سكوت" هو الحديث عن النتائج السلبية المدمرة التي عانى أهالي مدينة حماة منها بشكل خاص والشعب السوري بشكل عام.

وتحمل الرواية في ثناياها كمية كبيرة من الحزن وتشكل صدمة كبيرة في نهايتها، واستند إلى الذاكرة في نسج أحداثها لأن الذاكرة –حسب قوله- مليئة بقصص حقيقية لأناس عاشوها وعاش بعضها معهم على أرض الواقع في تلك الفترة كما اعتمد في نسج الرواية بشكل أساسي على أحاديث الناس جميعهم أمامه وعلى مدار سنوات طويلة.

*مجتمع يحتم علينا السكوت
وحول اختياره لاسم "سكوت" عنواناً للرواية وهل لهذا الاسم دلالة فيما يتعلق بفكرة وأحداث الرواية، أوضح مؤلف الرواية أن للاسم علاقة وثيقة بمضمون وفكرة الرواية وأحداثها، فنحن في مجتمع يحتم علينا السكوت دائما مرغمين أن نسكت ونتمنى النسيان: "يالله امنحني نعمتك، نعمة النسيان، وفي لحظة تليها أصرخ مستفسرة لا النسيان أبداً ليس بنعمة، النعمة الحقيقية هي فقدان الذاكرة ذلك أن ذاكرتنا مليئة بالأحزان".

و"سكوت تمثل سوريا بأكملها وعانت من ويلات أحداث حماة في عام 1982 مرورا بأحداث عام 2011 في سوريا.

*البعد يحفز الذاكرة
وعن انجذابه لحماة المدينة والذاكرة الحلم وهل ثمة خيط سري يربطه وكيف يكتب عنها عن بعد، أشار المنتصر بالله إلى أن حماة هي مدينته ومسقط رأسه يحبها جداً ويتعاطف معها باعتبارها نالت القسم الأكبر من الظلم دون باقي المحافظات الأخرى.

وكما يقول الروائي العراقي الراحل غائب طعمة فرمان (إن من لا ذكريات له، لا ذاكرة له .. أنا أحاول أن أجعل شخصياتي ماضياً، لأنني أريد أن أجعل لهم امتداداً في الزمن)، فإن البعد يحفز الذاكرة كثيرا.

واستدرك محدثنا أنه يكتب عن حماة من بعيد لأنه يتمتع الآن بمساحة لابأس بها من الحرية للتعبير وسرد الواقع المرير وإن كانت ليست مطلقة وطالما الذاكرة موجودة -كما يقول- فلا يشكل البعد قطيعة مع الحاضر إطلاقا بل على العكس آنت بالغربة تعيش الواقع السوري بطريقة أصعب مما لو كنت حاضرا وهو أمر ليس بالسهل ابداً.

*من حماة إلى تدمر
وفيما يتعلق بندرة الأعمال الأدبية التي تناولت مأساة حماة في الثمانينات وهو أمر لا ينطبق على داخل سوريا في ظل القمع والاضطهاد الذي كان ولا يزال سائداً فحسب، ولكن على ما تم إنتاجه من أعمال خارج سوريا أوضح المنتصر بالله أن الأحداث الرهيبة التي عاشها الشعب في ظل هذا النظام خلال الثورة أخذت الحيز الأكبر من الأعمال الأدبية، ومع ذلك هناك-كما يقول- أدباء تكلموا عن أحداث الثمانينات، ولكن أغلبهم روى عن سجن تدمر وما حصل هناك للمعتقلين على مدار سنوات دون التطرق لما خارج السجن نوعا ما، أما روايته "سكوت" فأحب أن يكرسها للحديث عما جرى من أحداث في الثمانينات وبعدها وصولاً إلى الثورة السورية وهو ما تتميز به الرواية عما سبقها من أعمال أدبية تدور في نفس الفلك أو تقترب منه.

وكشف محدثنا أنه بصدد إنجاز جزء ثان لروايته ربما تكون بعنوان "نسيان" وهي تتحدث عن هجرة "سكوت" إلى أوروبا بعد خروجها من المعتقل ككل السوريين الذين هاجروا، وإرهاصات اللجوء والاندماج في مجتمع يختلف كلياً عن المجتمع السوري لغة وثقافة وعادات ومحاولات نسيان ما حصل معها في أحداث الثمانينات ووصولاً إلى الثورة السورية.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(191)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي