أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مهنة مستحدثة تغزو البيوت السورية الخادمات قادمات.. و "السوق عاوز كده"!!

عندما نظّم القانون رقم 108 عمل مكاتب استقدام واستخدام العاملات والمربيات، لم يكن في حسبان وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية مباشرة بهذا الموضوع أن تتعرّض إلى مشاكل ناتجة عن عدم إرسال المكاتب والشركات السورية العقود إلى بلدان العاملات لمعرفة تفاصيلها، بل يتمّ استقدام العاملة بطرق شخصيّة، دون توقيع العقد وتصديقه في السفارات، الأمر الذي جعل الوزارة تقفل معظم مكاتب الاستقدام، دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى التزام هذه المكاتب بالقرار، لتعمل في الظل معتمدةً في ذلك على مصادر وأشخاص في مواقع مهمّة يسهّلون المهمة ويحققون أرباحاً هائلة، حيث يعزفون لتبرير هذا الاستقدام غير المنظم على وتر الحاجة العصرية الملحة والحفاظ على الوقت واستغلاله في أمور أرقى من تنظيف المنزل وتحضير الطعام، وصولاً إلى حالة «البرستيج» والتقدير الاجتماعي، رغم كلّ ما يحكى عن التأثير السلبي المباشر في ثقافة المجتمع والعائلة وشخصية الطفل ولغته، ناهيك عن الآثار السلبية المترتبة على مزاحمة العمالة الوطنية الفائضة في عقر دارها..
    ¶ عمل وزاري نظامي
بحسب إحصاءات وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل، بلغ عدد المربيات الممنوحات الموافقة على استقدامهنّ 20115 مربية منذ تاريخ 1/1/2008 ولغاية 1/12/2009، مع العلم بأنّه ليس بالضرورة أن يعكس هذا العدد عدد المربيات اللواتي دخلن القطر، على اعتبار أنّ موافقة الاستقدام لا تعني حكماً أنّ المربية دخلت إلى القطر، واعتبرت أن ما يدعيه أصحاب المكاتب من طول مدة إتمام معاملة الاستقدام غير دقيق، ولا سيما أن طلب الاستقدام يتمّ تقديمه إلى الوزارة مرفقاً بالأوراق الثبوتية التي نصّ عليها القرار لتقوم الوزارة بعد دراسة الطلب والتأكد من استيفاء جميع الأوراق الثبوتيه بإحالته إلى إدارة الهجرة والجوازات خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ تقديم الطلب لدى الوزارة.
كما اعتبرت الوزارة أنّ استقدام المربيات والعاملات في المنازل من غير السوريات لا يشكّل منافسة للعمالة الوطنية، حيث لا يوجد لدى مكاتب التشغيل مُسجّلات في مهنة مربية منزل، وفي حال كان هناك رغبة من اليد العاملة السورية في ممارسة هذه المهنة فلن تغطي حتماً الطلب على هذه اليد العاملة، لذا كان لا بدّ من تنظيم هذه المهنة، خوفاً من تفشي ظاهرة عمل المربيات واستقدامهنّ في الظل وبطرق غير شرعية دون ضابط قانوني لها. وحدد قرار مجلس الوزراء رقم 108 تاريخ  14/12/2009، نظام المكاتب الخاصة العاملة في استقدام واستخدام العاملات والمربيات في المنازل من غير السوريات، وقرّر كلّ التزامات المستفيد وصاحب المكتب والعاملة بشكل تفصيلي، ومن التزامات طالب الترخيص مزاولة نشاط استقدام العاملات والمربيات، بحيث يتمّ تقديم بدل ترخيص لحساب الخزينة المركزية وقدره 300 ألف ليرة سورية، وتقديم كفالة نقدية غير مشروطة وغير قابلة للإلغاء بقيمة خمسة عشر مليون ليرة سورية، ومن التزامات صاحب المكتب تأمين مقرّ إقامة مؤقتة لمبيت العاملات وفق الشروط المنصوص عليها، وفتح سجل لبيانات العاملات اللواتي تمّ استقدامهنّ، وفتح سجل يوضح آلية الاتصال بالمستفيدين والعاملات اللواتي يعملن لديهم، بغية التأكد من حسن أداء عمل العاملة من جهة، وضمان عدم إساءة معاملتها وحصولها على حقوقها كافة من جهة أخرى.

¶ عدوان علني و «فشة قهر»
حوادث العاملات متنوعة، فبينما عائلة أبي أحمد جالسة في الحديقة، جاءت فتاة أندونيسية الجنسية طالبةً كأس ماء، وظواهر التعب بادية على وجهها ليغمى عليها قبل إعطائها الماء، وما كان من العائلة السورية سوى إسعافها إلى أقرب مستشفى وانتظارها حتى تصحو، ولدى سؤالها عن حالها ردّت بأنها كانت تحاول الهرب من صاحب المكتب برمي نفسها من الطابق الثاني، معرضة نفسها لخطرالموت، وحادثة أخرى سجّلت ضدّ فنانة سورية اعتدت على خادمتها، التي أدخلت غرفة العناية الفائقة في مستشفى ابن النفيس على إثرها، وكانت قد تعرّضت إلى الضرب بقضيب من الحديد، وحجزها في غرفة معزولة لتشفي غليلها، كونها شديدة العصبية والتوتر، وتستخدم العنف لمعالجة مشاكلها.
 
¶ ظاهرة مقلقة
بدأ استخدام العاملات في سورية منذ سنوات بشكل خجول، لكنّه استشرى فيما بعد ليصبح ضرورة ملحة لا كمالية لأيـّة عـائلة متوسطة، الاستشاري الدولي الدكتور سعـد بساطة حلّل انعكاسات الظاهرة من جهة اجتماعية، عندما أضحت تربية الأطفال في يد مربية أجنبية، فيرتبطون عـاطفياً بإنسانة غـريبة، ولغـة العـائلة خليط من كلمات عـربية وأجنبية، وعـادات سيئة تـُمارَس في غـياب الرقابة العـائلية، والدين في كثير من الأحيان ضعـف وخبا بريقه، كما برزت ممارسات من الظلم للأجنبية الوافدة، وظهرت ممارسات فاضحة مع الفتاة الغـريبة، ومن الجهة المالية تقدّر التحويلات الشهرية للخادمة بنحو 150 دولاراً شهرياً في الحد الأدنى مضروباً بثلاث سنوات، ومضروباً كذلك بآلاف العـائلات التي تستخدم واحدة أو أكثر؛ أي ملايين الدولارات من العـملة الصعـبة سنوياً، وتهريب هذه العـمالة من النشاطات المنزلية، وتشغـيل بعـضها في مطاعـم ومولات ومحال سياحية، وبعـض ورش الخياطة، بالإضافة إلى ضياع فرص عـمل محلية كثيرة بناءً عـلى ذلك.

  Image¶ المرض.. ليس الأكثر خطورة  
هذا الاستقدام، وإن كان يحقق غايات كبيرة، إلا أنّه يحمل في خفاياه خطورة لا يستهان بها مع التزايد الكبير في أعداد القادمات، فقد تحمل العاملات الوافدات أمراضاً مختلفة من بلدها الأم، ويأتين بها إلى سورية، من حيث لا تدري وتنقله إلى الآخرين، خاصة مع تجديد إقامتها، الدكتورة هالة الخاير، مديرة الأمراض البيئية والمزمنة في وزارة الصحة، أوضحت أنّ الطبيب يكتب تقريراً نظامياً لحالة العاملة الوافدة، ويجري الفحص المخبري لأمراض الإيدز والسل والتهاب الكبد، ويتكفّل المكتب الذي استقدمها بتكاليفه كاملةً في المخابر التابعة إلى وزارة الصحة، والمسؤولة عن تحرّي هذه الأمراض وتصديقها بوثيقة رسمية، بالإضافة إلى الوثيقة التي تأتي بها العاملة من بلدها والتي تؤكد خلوها من هذه الأمراض السارية والمعدية، مشيرة إلى ضرورة تجديد التحليل كلّ ستة أشهر، خاصة فيروس نقص المناعة المكتسبة...
القضية المهمة أنه مع التوافد المتزايد للعاملات من دول موبوءة إلا أنهنّ لا يصنّفن من الحالات الخطرة، مثل العاملات في الدعارة، حيث لا نستطيع القول بأنّ العاملات ساهمن في زيادة انتشار مرض الإيدز، فلا يوجد بحوث دقيقة تثبت ذلك، إلا أنّ إحصاءات البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، يتحدّث عن نسبة تفوق النصف من المصابين بالإيدز في سورية، مصدرها العاملات الأجنبيات والفنانات اللواتي يعملن في الملاهي الليلية، علما بأنّ الفئة الأخيرة تخضع للمراقبة عند تجديد عقود العمل، بخلاف الخادمات اللواتي يبدو من الصعب تقدير العدد الحقيقي لهنّ في ظلّ عمليات الاستقدام غير المشروع، حيث ما زال هناك ما يثبت بقوّة عمليات التحايل في تطبيق القوانين الناظمة، وما يؤيّد ذلك مقولة «إنما القوانين وجدت  لكي تخترق»، فبينما يؤكد مدير العمل في وزارة الشؤون، راكان إبراهيم، وجوب ترخيص مكتب استقدام العاملات، وتعرّض كل مكتب غير مرخص للعقوبة والإغلاق، يبقى هناك من يستهتر بهذه الرخصة ويعتبرها مجرد ورقة ثانوية غير لازمة لافتتاح مكتب يستقدم العاملات الأجنبيات ويمارس عمله متخفياً، ما عزز في النهاية عمليات النصب والاحتيال على صعيدي العائلة والعاملة.
    ضريبة الترخيص  الارتفاع المفاجئ لتكلفة الترخيص من 5 ملايين إلى 15 مليوناً للكفالة غير المشروطة الواحدة جعل بعض المكاتب تستمر في مزاولة عملها بالترخيص القديم بطرق مختلفة بعد إغلاق المكتب.
 علي، (صاحب مكتب خاص مرخّص من بين 14 مكتباً مرخصاً في سورية موزّعة بين  دمشق وحلب وحمص وطرطوس واللاذقية) رأى أنّ المشكلة ما زالت قائمة، بل وتزداد سوءاً مع انتشار الظاهرة بشكل واسع ،الأمر الذي جعله، مع غيره من أصحاب المكاتب المرخصة، يطالب بوجود جمعية مكونة من أصحاب المكاتب، أسوةً بجمعيات أخرى تضع اتفاقية لاستقدام العاملات من أثيوبيا وإندونيسيا والفلبين؛ مهمتها التنسيق فيما بينها مع وزارات الشؤون والمالية والداخلية لتجاوز الثغرة التي أوجدت حالة من عدم الثبات في مواقف وزارة الشؤون تجاه كلّ مكتب على حدة، وأضاف: «العمل يتمّ بشكل خاص حيث لكلِّ مكتب سوريّ مكتب يقابله في دول العاملات مسؤول عن الإعلان عن فرصة العمل، وتأمين عدد من العاملات لا يقلّ عن 30 أو 40 عاملة شهرياً للمكاتب المرخّصة، يقمن في دار العاملات التابعة إلى كلّ مكتب، ريثما تخرج نتائج تحاليلهن الطبية التي تستمر يومين أو ثلاثة، تكون مجهزة وآمنة، ويجري كشف دوري على وضعها  كلّ 3 أو 5 أشهر، ويبقى الوقت، الذي حدّدته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتجديد إقامة الخادمة بـ 15 يوماً، مشكلة تحتاج إلى حلّ، إمّا بزيادة المدة وإما بتخفيف الضريبة  التي تبلغ 100 ألف والتي يدفعها صاحب المكتب».
بينما يرتفع عدد المستقدمات إلى 100 عاملة شهرياً في المكاتب غير المرخصة، خاصة المشهورة منها، والتي فاقت أرباح بعضها الـ 500 ألف شهرياً، كنوع من مزاولة النشاط، إمّا في الظل أو جهاراً تحت شعارعريض من العبودية والعودة إلى الوراء قروناً عدّة، وبدء مرحلة جديدة من عصر العبيد والرق العصري، أخذت شكلاً جديداً يسمّى الاتجار بالبشر.
    ¶ قانون لا يحمي المغفلين
يعدّ قانون الاتجار بالبشر، الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 2010، الأشخاص المتاجر بهم ضحية، وبالتالي استحقاقهم الخدمات الاجتماعية والنفسية والمادية، ويضمن القانون، بحسب راكان إبراهيم، مدير العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية، حماية الشهود والخبراء وعدم توقيفهم وحمايتهم كذلك من خطر العصابة.
حيث أصبح بإمكان هؤلاء الضحايا، أياً تكن جنسيتهم، أن يجدوا مأوىً لهم في أحد المركزين اللذين أنشئا في كلّ من مدينتي دمشق وحلب، واستقبل الأول حتى الآن ما يزيد على  30 ضحية من غير السوريين، ويقدّم هذان المركزان، بالإضافة إلى المأوى والغذاء، المساعدة الطبية والنفسية والاجتماعية المباشرة للعديد من النساء اللواتي تعرّضن إلى الاتجار، بالإضافة إلى التأهيل المهني المساعد على الانخراط في سوق العمل في مرحلة ما بعد الإنقاذ، ويتسع المأوى لضحايا الخدمة المنزلية وأعمال السخرة، والرقّ، وبيع الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي للمرأة، وبيع الأطفال وغيرها من صور الجريمة المنظمة أو المستحدثة، حيث قدّرت منظمة العمل الدولية أرباح استغلال النساء والأطفال جنسياً بنحو 28 بليون دولار سنوياً، وأرباح العمالة الإجبارية بنحو 32 بليون دولار، وتشير المنظمة إلى أنّ 3 ملايين إنسان في العالم يتعرّضون سنوياً إلى الاتجار بهم، وقد تمّ ترحيل قسم من العاملات الوافدات من المأوى، بحسب بسام القاضي مدير مرصد نساء سورية، بعد تأخّر سفرهن إلى بلادهم نتيجة عدم دفع الرواتب لهنّ لأكثر من سنة، وإقفال المكتب الذي استقدمهنّ، وعدن على أمل أن ترفع الدعاوى الهادفة إلى تحصيل حقوقهنّ في تجارة أشبه بتجارة العبيد.

حاجة أم ترف؟
من مسبّبات الاعتماد على الخادمات ـ بحسب سعد بساطة ـ إحجام الكثير من الفتيات المحليات عـن العـمل في هذا المجال لأسباب كثيرة، عـلى رأسها العـار من العـمل في خدمة البيوت، وتفضيل العـائلات الخادمة الأجنبية كونها على احتكاك نادر مع الآخرين، ولتكريسها كامل وقتها للعـمل، ولسهولة التحكـّم فيها.
بينما رأت الدكتورة صباح السقا، الاختصاصية في علم الاجتماع، أنّ الظاهرة أصبحت مع الوقت ضرورة، إمّا لظروف طارئة صحيّة أو إنسانية، كالعجز أوالمرض، وإمّا لإرضاء «البريستيج» الشائع بين الأوساط حتى المتوسطة منها، كنوع من المباهاة والاستعراض والتقليد الأعمى، وإما لحاجة ملحة وضرورة اجتماعية عند وجود مرأة عاملة ليست ذات دخل محدود.. وللخادمة في المنزل آثار لا تعدّ سهلة بل وتظهر سلبياتها على الطفل نظراً لعدم اكتمال شخصيته، وتتعزّز عند غياب الأم عن المنزل للعمل خاصة في السنوات الست الأولى من حياة الطفل، تقول السقا أصبحنا نسمع عن شروط في الخادمة، كأن تكون متقنة للغة الإنكليزية، لكن على الأمّ أن تتساءل: ما الذي تغرسه هذه الخادمة من أفكار وعادات وعقائد في ذهن طفلها؟، فأثر غياب الأم عن الطفل خاصة في المراحل الأولى يولد لديه الخوف وقلق الانفصال، ما يؤدي إلى سلوكات عدوانية، لا يمكن للطفل أن يتكلم ويصف ما كان يحدث معه ما لم تظهر أعراض خارجية دالة على الضرب من جهة، ولا يمكن للأم كذلك الاعتراف بالاعتماد الكلي على الخادمة، لأنّ ذلك يدينها وينتج عن غيابها من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل العقاب النفسي، كالتوبيخ أو الحرمان الذي تمارسه الخادمة على الطفل، أصعب في العلاج فيما لو تعرّض إلى الضرب المبرح.
كما ظهرت مشكلات جديدة على الأخص في المجتمعات المحافظة، كالغيرة من الخادمة والتحرّشات بها مع وجود أشخاص في مرحلة المراهقة، ومن الحالات التي راجعت السقا في عيادتها فتاة خادمة قدمت إلى دمشق هاربة من حلب، طالبة الخروج إلى دولتها، والتنازل عن حقوقها، خاصة بعد الاعتداء الجنسي الذي تعرّضت له»، بالإضافة إلى أثيوبيّة أخرى قدمت للاحتماء في العيادة بعد مطالبتها برواتبها التي حرمها منها ربّ الأسرة على مدار 5 سنوات من العمل.
 
   Image¶محتجزات  في منازلنا  
عمل أصحاب هذه المكاتب والمطاعم، نظراً لعدم وجود ما ينظم خروج الفتيات الفقيرات من دولهن ودخولهن إلى سورية، ثم عودتهن، يتوقف على نياتهم وأخلاقهم.
دخلت إلى سورية، عن طريق أحد مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات, وعملت في أحد المنازل مدة 6 أشهر، تعرضت خلالها إلى أشكال مختلفة من العنف والتحرّش الجنسي من قبل فرد من أفراد العائلة عمره 20 سنة، فهربت إلى المكتب الذي قدمت عن طريقه إلى سورية.. تمّ احتجازها في المكتب مدة 3 أيام تعرّضت خلالها إلى عنف جسدي من قبل صاحب المكتب.. هربت وحاولت الاستعانة بأحد رجال الشرطة الذي أخذها إلى منزله، مقنعاً إياها بأنّه سوف يساعدها، فقام باغتصابها وحجزها في منزله مدة شهرين حملت خلالها, وعندما علم بالحمل أجرى لها عملية إجهاض, استمرت بالنزيف بعدها مدة 15 يوماً.
 وحالة أخرى لفتاة قدمت إلى سورية بعقد مزور, فقد تمّ الاتفاق معها على السفر للعمل في دبي.. بقيت في مطار دمشق 3 أيام, ثمّ عملت في أحد المنازل مدة 10 أشهر تعرّضت خلالها إلى الضرب والإهانة.. كانت ساعات عملها من 6 صباحاً إلى 12 ليلاً, من دون أيّ استراحة، يسمح لها فقط بوجبة طعام واحدة يومياً، وحدث أن تعرّضت إلى ضرب من قبل صاحبة المنزل سبّب لها نزيفاً داخلياً في الكلية، لأنها نامت قبل أن تنهي أعمال التنظيف.

¶ العاملة... إنسان
تعرّض موضوع استقدام العاملات إلى التشويه من قبل جهات مختلفة، سواء من المكاتب المتخصصة أم من معارضي العمالة المنزلية لأسباب دينية أو لعدم تقبّل عمل المرأة، إلى أن تطوّرت الظاهرة وأفرزت ضحايا الاتجار بالبشر بعناصره المحددة، على الرغم من أنّها عمالة، مثلها مثل أيّ عمالة، تبيع قوة عملها بمقابل مادي، والموقف الرافض لهنّ القائم على العنصرية أظهر تسميات مختلفة فيما بعد مرتبطة بجنسياتهنّ (فيلبينية أو شغالة) وحاك المجتمع حولهنّ قصصاً تتعلق بالسرقة أو النصب، مع العلم بأنّ الضبوط المسجلة للسرقة، والتي تحصل يومياً بين السوريين تفوق بكثير سرقة العاملات، ويكفي حينها تسجيل شكوى على العاملة لإنجاز ضبط شرطة مسبقاً، يعزز تلك النظرة العنصرية إلى هذه الخادمة الغريبة.
 حيث يقول بسام القاضي، مدير مرصد نساء سورية، إنّ عدم اعتناء الحكومة السورية بتنظيم الاستقدام ليس فقط من ناحية الترخيص بل من ناحية التأهيل الصحي والعلمي واللغوي للعاملة، أسوةً بالسوري الذاهب بشهادته إلى العمل في دول الخليج، بالإضافة إلى عدم تشميل هؤلاء بمشروع قانون العمل الجديد الذي جاء نصّه واضحاً، بحسب الدكتورعمار بكداش، عضو مجلس الشعب، في المادة 5 منه، حيث لا تسري أحكام القانون على عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، لكن هؤلاء العمال يخضعون إلى الاحكام الواردة في عقود عملهم، التي لا يمكن في أيّ حال من الأحوال أن تقلّ حقوقهم فيها عمّا تنصّ عليه أحكام هذا القانون، ما يدل على استثناء عمل الخادمات من الأحكام التي نص عليها القانون، كمبدأ تكافؤ الفرص أو المساواة، ويكرس التمييز والتفضيل للعاملات في الخدمة المنزلية، وقد لا يكون للعامل المتضرّر حقّ الادعاء أمام المحكمة المختصة.
 وستبقى مشكلة  شرعية عقد العمل وتنظيمه المقتصرعلى بعض المعلومات البسيطة قائمة ومتجاهلة حقوقهنّ، وهو ما ينطبق على جميع الخادمات، سواء الأجنبيات منهنّ أم السوريات اللواتي يعملن بدوام جزئي دون مبيت.

شك ودعم خارجي
معرفة آلية قدومهنّ من بلادهن إلى سورية، وكيفية إعلامهنّ بفرصة العمل السورية مازالت موضع شك، وتشكّل أزمة حقيقية للثقة بين من يتدبر العمل في بلد ما، وبين من يستقبل القوة العاملة في بلد آخر، ومن ذلك الحادثة التي حصلت منذ عامين مع عاملات سوريات ذهبن إلى قطر للعمل في فنادق، ثمّ اكتشفن بعد ذلك أنّ المطلوب ليس إلاعاملات للجنس.
لا توجد حماية لحقوق النساء العاملات في المنازل، ولا أحد يضمن عدم تعرّضهن إلى اعتداء جسدي وجنسي ونفسي، ولا يمكن الاعتماد على أخلاق الناس، بل لا بدّ من قانون محدد يحمي العاملة وجهةٍ محدّدة يمكن لها أن ترجع إليها وتتواصل معها، مع العلم بأنّ السفارة الإندونيسية استنكرت مؤخراً وجود خط هاتفي للتواصل مع العاملات، فبعض السفارات لا تعمل على حماية نسائها العاملات إلا في حال تعرّضن إلى الابتزاز والتشهير الإعلامي، ولا بدّ عند ترحيل هذه الأعداد، ومعظمها من صغار السن، من وجود عناصر مفتاحية قادرة على تسهيل أمور الخروج والدخول وتأمين جوازات السفر لهنّ سواء في سورية أم في أيّ بلد آخر.
والحجز ـ بحسب بسام القاضي ـ هو الحالة الطبيعية التي تعيشها الخادمات، ولا يوجد يوم عطلة أو إجازة للخادمات اللواتي يعاقبن من قبل مشغليهن بالتجويع أو الاعتداء بالضرب، بالإضافة إلى أسلوب آخر، كمعاقبة المكتب الذي استقدمهن بالضرب لمدة أسبوع أو أكثر حتى لا يترتب على العائلة أيّ مسؤولية قانونية، ثمّ يعيدها إلى المنزل.. كما لا يمكن لأحد أن يؤثر في قرار عائلة باستخدام عاملة أو عدمه، طالما أنّها حرية شخصية على أن تكون هناك شرعية رسمية للقدوم، وآلية عمل واضحة تنظم وتؤهل وتحترم العاملات، فلا توجد أمّ ـ بحسب القاضي ـ قادرة على تنفيذ سوى 10 % من مهماتها في ظلّ الفكرة السائدة التي ترى أنّ الأم هي وحدها المسؤولة عن تربية الأطفال، وليس للأب هذا الدور الواضح في بناء الأسرة.
    لا بدّ من الطرافة!!

لعلّ أهم الحلول الناجعة تكمن في تنمية ثقافة الاعـتماد عـلى النفس في الأعـمال المنزلية، وفرض ضريبة أعـلى لمصلحة الدولة للحدّ من الانجراف في استيراد هذه العـمالة، ووضع مكاتب محلية تتعـامل مع العـمالة المحلية وفق شروط مجزية، وضمن مناخ محترم، مع حاجة الجميع إلى تكريس ثقافة احترام العـمل، مهما كان، كونه عـملاً شريفاً، وتغـيير النظرة الدونية إلى الخدمة المنزلية، بدءاً بتغـيير التسمية إلى مساعـِدة منزلية، لا أن تصبح هي في مقام ربة المنزل، كالحادثة التي طلبت فيها إحدى الخادمات من ربة البيت الذي تعمل فيه زيادة الراتب، فسألتها عـن الأسباب الموجبة، فأجابت: «هناك سببان؛ الأول: غـسيلي أفضل من غـسيلك، هكذا يقول سيدي، والثاني: طبخي أفضل من طبخك، هكذا يقول سيدي، .. سألتها ربة المنزل بانزعـاج ظاهر: «وهل سيّدك يقول هذا؟؟»، أجابت: «لا، إنـّه سيدي السائق!!»، والمدهش أنـّها حصلت عـلى الزيادة المطلوبة.

بلدنا
(200)    هل أعجبتك المقالة (141)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي