- أوزع جهدي للأمومة والعمل.. وكفاءة الإعلامي هي الفيصل
- سياسة تلفزيون سوريا التحريرية تذكرني أني من جيل ساهم بصناعة الربيع العربي
- ملامح هويتي يحددها الجمهور وتقديمي الأخبار والبرامج يزيد الالفة مع المتلقي
تنقلت الإعلامية العربية، "آلاء هاشم" بين تلفزات عربية عدة، قبل أن تقدم برنامجاً أسبوعياً ونشرات ومواجز إخبارية بتلفزيون سوريا، تاركة لدى المتلقي، ملامح "المقدم الجاد" التي زادت النشرات الإخبارية والبرامج السياسية، ربما، من تكريس تلك الملامح.
تروي "آلاء هاشم" حكاية مسيرتها المهنية لـ"زمان الوصل" حينما بدأت دراسة الإعلام، متأخرة عن جيلها ست سنوات، لكن تخصص الصحافة والإعلام، كان التطلع والحلم، وليس تخصصا طارئاً، اختارته بكامل إرادتها، رغم عدم رغبة محيطها، ما شكل تحدياً لها، للنجاح وإثبات الذات وحسن الاختيار، منذ البداية.
ولعل أول مفارق حياتها المهنية التي تذكرها، وقت أبلغ أستاذ "مادة "نظريات الاتصال" خلال دراستها، أن شاباً يدعى "محمد البوعزيزي" أحرق نفسه في تونس "أذكر هذا اليوم تماماً، أذكر القاعة ووجوه الطلاب، كيف استقبلنا الخبر حينها، وكيف تغير كل شيء" هبت الثورات العربية إذاً وهبت معها رياح التغيير، تغيرنا جميعاً معها، تغيرتُ كذلك، صارت أحاديث عن الثورة والحرية والإصلاح والديمقراطية والمجتمع المدني حاضرة في قاعات المحاضرات وبين فناجين القهوة في مقاهي الكلية، انسحب المشهد. على عمّان كلها، التي شهدت حينذاك حركة ثقافية عربية غير مسبوقة، كانت المدينة الصغيرة المستقرة نسبياً مقهى واسعاً يستضيف شباباً عربياً من كل الجنسيات.. فلسطين سورية اليمن مصر السعودية الصومال .. جنسيات على مد الخارطة العربية وتجارب ثرية تبدأ بأروقة الجامعة وتنتهي بصالونات وندوات نعدها ونديرها عرفتنا على مشارب وثقافات متعددة، أنا مدينة لها لليوم. أسرد ذلك لأنه شكلني وشكل وعيي وعلاقاتي بالفضاء العام.
منذ اللحظات الأولى للدراسة المتأخرة أدركت أني في المكان الصحيح، لكن المشهد الذي يبدو وردياً تخلله بالطبع خيبات، في الجامعة تشعر أنك تمسك الدنيا بيديك وأن العمل سهل والفرص متاحة والحلم قريب، بعد التخرج تصطدم بالحقيقة، الطريق طويل وصعب.
*البداية من الإذاعة
تقول الإعلامية "هاشم" إن الفرصة العملية الأولى، كانت خلال الجامعة، وقت أتيح لها فرصة عمل في الإذاعة، المكان الأول الذي تشكلت فيه علاقتها مع صوتها ومع المايك ومع النص، وبعد التخرج انتقلت إلى دبي وهناك بدأت رحلة التلفزيون" بدأت كصحفية في تلفزيون "أورينت"، تدرجت في العمل على مدى ثلاث سنوات"، معتبرة أن لتلك التجربة، الدور الأساس بتكوين معارفها التلفزيونية" تعلمت فيها كيف أكتب الخبر والتقرير كيف أصقل صوتي وكيف أواجه الكاميرا".
ثم جاءت تجربة قناة "الفلوجة" العراقية في اسطنبول، ثلاث سنوات في تقديم الأخبار والبرامج، هيأت لي أولاً انفتاحاً على الملف العراقي، وهو ملف شائك ومعقد كما تعرف، وثانياً هيأت لي برنامجاً خاصاً، "وماذا بعد" برنامج سياسي عربي كنت أعده وحدي وأقدمه في ذات الوقت، البداية صعبة دوماً إلا أنك تتخفف منها بالصبر ودعم الأهل والأحبة.
ليستقر بها المطاف اليوم، بتلفزيون سوريا، التي "تذكرني سياسته التحريرية والرسالة التي يتبناها بأني أنتمي لجيل صنع الربيع العربي"، وتشعر بانتمائها وعلاقتها بملفاته ومآسيه "علاقتي بالملف السوري تشبه علاقتي بالملف الفلسطيني والأردني، أنا قرأت عن النكبة والاحتلال واللجوء والمخيم في الكتب، وسمعت عنها في حكايا جدتي لكني لم أعش شيئاً من ذلك كله، لم أعاينه عن قرب، عاينته تماماً مع القضية السورية، أشعر أن جزءاً مني من سوريّ".
*المقدم المحرر
سألنا الإعلامية "هاشم"، التي ترى أن صقل تجرتها كانت بتلفزيون "سوريا"، عن مشوارها المهني بهذه المؤسسة التي أثبتت حضوراً خلال السنوات الأربع من عمرها، وهل تكتفي بالتقديم وقراءة النشرات، أم تساهم بصياغة الأخبار وإعداد البرامج؟
تقول "آلاء" أنه إضافة إلى برنامجها السياسي الأسبوعي "المؤشر" تشارك في تقديم الأخبار والبرامج اليومية "لكن هويتي بتلفزيون سوريا كمقدمة في المجال السياسي بدأت تستقر"، كان واضحاً أن إدارة التلفزيون ترغب بإدخال الخط العربي على الملف السوري، وهذا منطقي جداً لأن سوريا جزء من محيطها ومحيطها جزء منها وهو بشكل أو بآخر "أي المحيط" ساهم ويساهم في التغيرات الطارئة على القضية السورية، القضايا تتقاطع في الملف السوري على نحو غريب، من هنا مرة أخرى الالتحاق بتلفزيون سوريا شكل فرصة لي كمذيعة، عمل في ملف أحبه واحتكاك مباشر مع الملفات العربية والدولية عبر برنامج "المؤشر"، اليوم بعد عام على انطلاق برنامج "المؤشر" أعتقد أننا استطعنا أنا وفريق البرنامج، الزملاء "محمد الدغيم وعبد القادر ضويحي" تشكيل هوية واضحة للبرنامج، وقاعدة متابعة جيدة لملفات عربية ودولية، وهنا التحدي، كون تلفزيون سوريا قناة محلية، وهذا بالطبع ثمرة جهد جماعي وثقة من الإدارة.
وحول ضرورة مشاركة المقدم بالإعداد والتحرير لئلا يبدو غريباً خلال القراءة والتقديم، تابعت الإعلامية الفلسطينية: "أعتقد أن الحكم عين المشاهد، المشاهد ذكي صدقني، يستطيع تمييز ذلك من اللحظات الأولى لمتابعتك، هو من يميز من صوتك وتفاعلك مع الخبر، أنك تقرأ خبراً تفهمه جيداً، وتدرك خلفياته وسياقاته، دعني أجاوب وأنا أفترض أنك تسألني ما رأيي إن كان مهماً أن يكون المذيع صحفياً، هذا مهم للغاية، غرفة الأخبار مطبخ التلفزيون، وإذا اعتبرنا أن المذيع مجموعة من المهارات فإن المذيع القادم من المطبخ يمتلك نقطة قوة إضافية.

وفي المؤشر نعمل معاً كفريق متكامل نوزع العمل بيننا نتفق على المحاور ونقترح الضيوف، التناغم والجهد الجماعي أحد مفاتيح النجاح الذي أتمنى أن يكون حليفنا، الفريق دوماً هو من يصنع الفارق، وحدك لن تقدم عملاً إعلامياً مميزاً مهما بلغت ثقافتك وقدرتك وحضورك، بيضة القبان في الفريق.
*هوية الإعلامي
تتنقل "آلاء هاشم" بين المواجز والنشرات الاخبارية، إضافة إلى برنامجها السياسي، فأي أثر لذلك على صورة المتلقي الذهنية، ترد: "لا أعرف إن كان مفضلاً ظهور المذيع في ناحية واحدة فقط، بالنسبة لي أعتقد أنه يجب المرور بمرحلة الأخبار والمكوث بها فترة تضمن تشكيل وعي سياسي وصحفي يهيئ لتقديم برنامج خاص، لكن هل يجب ترك الأخبار بعد ذلك، لا أعتقد، ولا أفضّل، البرنامج مهم بعد فترة معينة للمذيع، أشعر وكأنه ترقية للمذيع، درجة في السلم يصعدها، لكن الأخبار متعة مختلفة، الأمر أشبه بمجابهة يومية مع الجمهور، تطل عليهم صباحاً مع فنجان القهوة، ومنتصف اليوم والعائلة مجتمعة، ومساء والسهرة قد بدأت".
وتضيف "بالنسبة لي لا أعتقد أنه بإمكاني الاستغناء عن هذه المتعة مهما تطورت في المهنة، وفي عملي الآن أنا حريصة جداً على أن يكون اسمي مدرجاً على الروتا في الأخبار والمواجز، ذلك برأيي يصنع الألفة مع المشاهد".
*حدود التقديم التفاعلي
هل تذكرين أقسى موقف مرّ عليك خلال تقديمك أخبار الثورة والعنف ضد السوريين.. هل وصلت لأن بكيت مثلاً... أم تريّن من الضروري الفصل بين المهنة والعاطفة..واقتصار التعبير والتفاعل بأدوات المذيع المعهودة (صوت وتلوين وإيماء)؟
أذكر تقريراً كلفت به عن أطفال خان شيخون "مجزرة الكيماوي" بكيت نعم وأنا أتابع الصور القادمة، هذا تقرير لا يمكن أن تكتبه وأنت متصحّر المشاعر، لابد أن تكتبه وأنت تبكي، صوتك يجب أن يقرأ هنا بصوت مختلف، يجب أن تكون بحجم الألم بعد المجزرة، هذه أمانة ..أن تستطيع الكتابة عن تلك الأوجاع بالشكل الملائم لإيصال القضية "الإعلام برأيي هو التأثير أو قدرتك أن تؤثر وأن تصنع رأياً عاماً".
أما في تقديم الأخبار، لا بد أن تتفاعل مع الحدث، مؤلماً، كان أم مفرحاً، وهذه مهارة أخرى يجب إتقانها، إن كان الخبر عن سقوط ضحايا مثلاً كيف يمكن قراءته بحيادية؟ يجب أن تشعر المستمع أن ذلك محزن للغاية، كأن تعيش الحدث المؤلم خلال قصف نظام الأسد مجمعاً سكنياً للمدنيين. على سبيل المثال. المسألة ببساطة حديث مع الجمهور عندما تتحدث عن قصة مؤلمة يجب أن يشعر جمهورك بذلك. من صوتك من ملامحك ربما. من حركة جسدك"، أنا مع التقديم التفاعلي ولا أميل للتقديم الكلاسيكي الثابت".
*كذبة حيادية الإعلام
مرت الذكرى الرابعة لانطلاق تلفزيون سوريا قبل أيام، بالتزامن مع ذكرى ثورة السوريين، السؤال: هل يغطي تلفزيون سوريا الأخبار السورية، بمهنية وحياد. وهل الحياد مطلوبا أم لا حيادية بالإعلام؟
رأت "هاشم" أن تلفزيون سوريا موضوعي، يأخذ الخبر من جوانبه المختلفة، مثلاً نتناول تصريح الائتلاف وتصريح النظام، نضيء على معاناة السوريين في الشمال، ولا نغفل معاناتهم في مناطق النظام، لدينا ثوابت واضحة من القضايا المركزية فلسطين، سورية، نحن مع الشعوب وضد الظلم أينما كان، تلفزيون سوريا موضوعي ويتحرى الحقيقة، وهذا المطلوب برأيي، أما عن تعبير "حيادي" فهذه لا أفهمها في الإعلام "صدقني هذه كذبة" ابتدعها الآخرون لنا، تصلح في محاضرة نظرية، أما الواقع فلا يوجد فيه إعلام حيادي، ولا يجب أن نسعى أن يكون الإعلام حيادياً، لا يجب أن تكون سعيداً بوجود إعلام حيادي، ثمة قيم وثوابت ومواقف يجب تبنيها.
*لسان حال السوريين
يؤثر تلفزيون سوريا النطق باسم كل السوريين، ما هي أهم ملامح سياستكم التحريرية، وهل للحدث السوري أولوية، حتى بحال حدث جلل، عربي أو دولي؟
نتمنى أن نكون، برأي المشاهدين، منصة جامعة للسوريين أينما كانوا، وأن نكون مصدر الخبر السوري، صحيح اليوم تراجع الاهتمام بالخبر السوري، لكن التجربة تثبت أن سورية بجغرافيتها ومكانها المتوسط جزء مهم من المنطقة وسياسات العالم، خذ مثلا ما يجري حالياً في أوكرانيا الجميع تذكر فجأة أن بوتين قصف حلب ويقصف إدلب يومياً، لا يمكن تجاوز الملف السوري هذه حقيقة، من هنا تلفزيون سوريا مشروع مهم، ومع الوقت ستتجلى هذه الأهمية بشكل أكبر.
في أولويات الخبر.. نحن نعمل بمقتضى أن الخبر يفرض نفسه، صحيح أننا غالباً في الأوقات العادية عناويننا وأخبارنا تركز على سوريا، لكن حين يتجه العالم كله صوب مكان ما تجدنا هناك، في أحداث حي "الشيخ جراح" والعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، واكبنا الحدث لحظة بلحظة، سوريا اليوم برنامجنا اليومي صار حينها وكأنه فلسطين اليوم، هذا حدث يفرض نفسه ولا يمكن تجاوزه، اليوم مثلاً مع العدوان الروسي على أوكرانيا المشاهد يبحث عن خبر متعلق بأوكرانيا، نحن موجودون هناك أيضاً وتغطيتنا مستمرة للحدث العالمي.
*ضرورات المرحلة
-امتازت "مؤسسة تلفزيون سوريا" بوسائل التواصل والإعلام الرقمي، ربما كاهتمامها بالشاشة الكبيرة، هل هي ضرورة بواقع التطورات والسرعة والموبايل، وكيف يمكن إيلاء الشاشة الكبيرة ما تستحق لإرجاع المتفرج لها؟
لا أعرف إن كان باستطاعتي كجزء من الفريق أن أقيّم عمل وأداء تلفزيون سوريا، أعرف أني سعيدة بكوني جزءا من هذا المشروع، وألمس تفاعل الناس وتطلعاتهم، أتمنى أن تتسع دائرة جمهور تلفزيون سوريا، وأن يكون دوماً عند حسن ظن السوريين والجمهور العربي عامة.
بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي، والنشر عبر السوشيال ميديا، هذا أمر مهم للغاية في زمن صارت هذه المنصات مقصداً للجميع، وأعتقد أن الإدارة في التلفزيون متنبهة للأمر، مع توصيات دائمة وجهد مشكور لفريق السوشيال ميديا، أياديهم واضحة دوماً في تقديم المحتوى على المنصات.
مثلا في المؤشر، الحلقة يتم الإعلان عنها في المنصات المختلفة "انستغرام، تويتر، وفيسبوك"، ثم بعد انتهائها فريق السوشيال ميديا ينشر المقاطع الأبرز من الحلقة مع الضيوف، بالعموم هناك إدراك بأهمية نقل المحتوى لمنصات التواصل.
*معاناة المرأة الإعلامية
كونك سيدة ومحجبة، ما هو الموجب والسالب بذلك، بالعمل، امام الكاميرا، بالنسبة للمتفرّج؟
هذه المهنة تحتاج دأباً وصبراً تتقنه المرأة، أو تكاد، في مراحل كثيرة كان يمكن أن أستسلم، لكن الأنثى بطبيعتها صبورة، تهتم بالتفاصيل تتفاعل مع محيطها تنتمي له وهذا جميل ومثمر في مهنتنا، أما الصعوبات فكثيرة أعظمها بالنسبة لي كآلاء المسؤوليات المتعددة، في مسؤوليتي كأم، كربّة منزل، أحاول دوماً أن أوزع جهدي بشكل ملائم بين العمل والبيت. وطاقتي آخذها من الحب، أحب عملي ببساطة وهذا يخفف وطأة الأعباء.
لا أريد أن أنهي الإجابة عن هذا السؤال قبل أن أعرج على مسألة الحجاب فهو إحدى الصعوبات الإضافية للمرأة في الوسط الإعلامي، الهاجس الأساسي ألا يمنع خياري الشخصي "الحجاب" تقييمي بشكل عادل وإعطائي الفرصة كغيري، ألا يتم تصنيفي بناء على هيئتي، أنظر للأمر على أني جزء من المجتمع، بالتالي من حقي أن أكون موجودة، كفاءتي الفيصل، المفترض عدم الحرص على تحييد المحجبات من التقديم الإخباري، صحيح أن الأمر اليوم مختلف عما كان عليه قبل عشر سنوات مثلاً، اليوم هناك مؤسسات تتيح الأمر ولاتجد فيه مشكلة، لكن الحالة العامة تستثني المحجبة من المشهد، بل ثمة أماكن تفرض فيتو على المحجبات، في حين أن الغرب نفسه تجاوز الأمر وبتنا نشاهد محجبات في أكبر وأهم الشاشات العالمية. أتمنى أن نصل لهذه المرحلة في الحالة العربية.
ونهاية الحوار مع الإعلامية "آلاء هاشم" كانت حول ذكرى انطلاقة تلفزيون سوريا وزيادة ساعات البث إلى 13ساعة يومياً، تبدأ ببرنامج صباحي جديد، وصفته هاشم "بالمهم لتوليفة التلفزيون" لأنه بنظرها مثل الفاكهة الصباحية، فضلاً عن نشرة صباحية فيها إيجاز لأهم الأخبار، مع البقاء على النشرات والبرامج الرئيسية سوريا اليوم وما تبقى، إضافة لتطوير برنامج منتدى دمشق وبرنامج المؤشر.
خاتمة "أتمنى للفريق فرداً فرداً كل التوفيق. تمنياتي أن تُبث أخبار وبرامج تلفزيون سوريا يوماً ما من قلب دمشق".
عدنان عبدالرزاق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية