تتزامن الذكرى الأربعين لمجزرة حماة 1982 مع عودة رفعت الأسد المتهم الأكبر بارتكابها إلى بشار الأسد.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها صدر أمس إن هذه الذكرى تتكرر وما زالت سوريا تُحكم من قبل العائلة ذاتها.
وأضاف التقرير الذي جاء في 25 صفحة إن 40 عاماً من الإفلات من العقاب تتوجت بعودة رفعت الأسد المتورط الأبرز في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مدينة حماة 1982.
وأكّد التقرير أن إحياء ذكرى المجازر الضخمة، والتي سبقت اندلاع الحراك الشعبي في آذار مارس/2011، وما زال أثرها ممتداً حتى الآن يعتبر جانباً مهماً من كشف جزء من الحقيقة ومن الدفاع عن حقوق الضحايا وفضح مرتكبي الانتهاكات.
وأورد التقرير إحصائيات قال إنها تقديرية وليست بيانات لجميع الضحايا، لكنها مستندة على قسم كبير من البيانات، موضحاً وجود بيانات لقرابة 3762 مختفٍ قسرياً من أبناء مدينة حماة، إضافة إلى بيانات لقرابة 7984 مدنياً تم قتلهم، إلا أن التقديرات تشير إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدني، إضافة إلى نحو 17 ألف مفقود، وقال التقرير إن مما جعل من توثيق المجزرة عملية معقدة: طول المدة الزمنية، والضعف الشديد في التغطية الإعلامية العالمية أو الإقليمية، وانعدام وجود الصحافة المحلية، وقضاء وطني مستقل، بسبب هيمنة النظام السوري على السلطات الثلاث.
وتحدث التقرير عن هيمنة حافظ الأسد على الدستور والإعلام والأحزاب والحياة السياسية، وكيف أن كل ذلك مهَّد الطريق لارتكاب مجزرة حماة دون ردة فعل من المجتمع أو المعارضة.
وسردَ التقرير بشكل موجز تفاصيل منذ استيلاء حزب البعث عبر انقلاب عسكري دموي على السلطة في سوريا في آذار مارس/1963، مطيحاً بالرئيس الأسبق ناظم القدسي وحكومته المنتخبة ديمقراطياً، وما تبع ذلك من إعلان حالة الطوارئ، وصولاً إلى استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، ثم إصداره دستور 1973، الذي وصفه التقرير بأنه يعارض أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
وطبقاً للتقرير فقد أصبح حافظ الأسد يهيمن على الدولة السورية، مستنداً إلى حالة الطوارئ، والمحاكم الشاذة، والتحكم بالسلطات الثلاثة، إضافة إلى قوات الأمن، والجيش، والنقابات، وإعدام الصحافة، وكل هذا مهد له ارتكاب مجزرة سجن تدمر/ 1980، وبعدها مجزرة حماة/ 1982، دون أي تداعيات داخلية تذكر، وأيضاً دون إدانات وتداعيات دولية على مستوى الكارثة التي وقعت.
وشدد التقرير على أن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة حماة في شباط فبراير/1982 تشكل جرائم ضد الإنسانية، مورداً قائمة بأبرز القوات المتهمة بتنفيذ المجزرة.
وقال إن النظام السوري حشد قوات من الجيش وأجهزة الأمن، وفرضت شكلاً من أشكال الحصار على مدينة حماة نهاية كانون الثاني ديسمبر/ 1982. واستعرض التقرير تفاصيل الهجوم الذي استمرَّ قرابة شهر، وتحدث بشيء من التفصيل عن أبرز الأيام الدموية التي شهدتها المجزرة والتي كانت نقاط علام.
وعلى هذا الصعيد قال التقرير إن قوات تابعة للنظام السوري قوامها نحو 20 ألف شخص قد بدأت بقصف مدينة حماة، قرابة الساعة 20:15 من مساء يوم الثلاثاء 2/ شباط/ 1982 بقيادة رفعت الأسد، وكانت ذريعة السلطات، هي القضاء على بضع مئات من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والتي كان قد دخل قسم منها في صراع مسلح مع السلطة، واختبأ بضع عشرات منهم بين صفوف المدنيين من أبناء المدينة. بدأت قوات النظام السوري بقصف تمهيدي واسع لأحياء عديدة وبشكل عشوائي بالمدافع والرشاشات، ثم اقتحم عدد من القوات المدينة من عدة محاور، وقامت بعمليات إعدام ميداني وقتل عشوائي، إضافة إلى العشرات من عمليات النهب والعنف الجنسي، وجرت اشتباكات مسلحة بين قوات النظام السوري وعناصر الإخوان المسلمين في المدينة، تحدث التقرير عن تدخل سلاح الطيران ودخول الدبابات وقصفها المنازل دون تمييز بين مدنيين ومسلحين، وأكد التقرير اعتقال قوات النظام السوري المئات من أبناء المدينة، دون توجيه تهمة، وقامت بإعدام البعض منهم رمياً بالرصاص في الشوارع.
وبحسب التقرير فقد شهد السادس من شباط عمليات إنزال جوي قامت بها قوات النظام السوري ترافقت مع أفعال سادية. ومن ثم استمرت عمليات القصف والاقتحام والاشتباك في مختلف أحياء المدينة حتى الإثنين 8/ شباط، تاريخ سيطرة قوات النظام السوري على منطقة السوق جنوب نهر العاصي، لتبدأ من اليوم التالي سلسلة اقتحام الأحياء تباعاً، واحتجاز أسر كاملة، ثم قتلها رمياً بالرصاص، استمرت الاشتبكات في عدد من الأحياء حتى 23/ شباط، واتبعت قوات النظام السوري سياسة التدمير الشامل، ولم ينجُ تقريباً أحد من سكان تلك الأحياء. وقال التقرير إن قوات النظام السوري استمرت بعمليات الملاحقة، والقتل على الهوية، حتى يوم الأحد 28/ شباط، وبدأت بعض القوات المحيطة بالمدينة بالعودة إلى ثكناتها العسكرية، وبقيت العديد من الحواجز العسكرية داخل المدينة، ولكن عمليات القتل والتصفية الفردية لم تتوقف، بل استمرت حتى منتصف آذار/ 1982.
وخلَّفت حملة النظام العسكرية على مدينة حماة مقتل 40 ألف مدني، وقرابة 17 ألف مفقود حتى الآن، في ظل غياب المعلومات عن عدد القتلى من المسلحين في صفوف الإخوان المسلمين ومن قوات النظام السوري، إضافة إلى تدمير قرابة 79 مسجداً وثلاث كنائس، كما دمرت العديد من أحياء المدينة بما فيها الأثرية منها، وقد عرض التقرير خريطة أوضحت مواقع أبرز الأحياء التي تعرضت للدمار بشكل كلي أو شبه كلي. ووفقاً لما جاء في التقرير قد ظلَّت مدينة حماة تحت حصار مطبق طيلة شهر شباط، مع فرض حظر تجوال واسع على سكانها.
وأوصى التقرير الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان بالتذكير بمجزرة حماة 1982، بوصفها حدثاً دموياً يشكل حدثاً فارقاً في الإفلات من العقاب وبشكل خاص بعد عودة المتورط الأساسي رفعت الأسد إلى بشار الأسد. وطالب بالاعتذار للضحايا وذويهم على الفشل الذريع في عدم توثيق المجزرة وإدانة مرتكبيها، وتصحيح هذا الخطأ المشين بمطالبة السلطات السورية بالعمل على كشف مصير قرابة 17 ألف مواطن سوري من أهالي مدينة حماة مختفٍ قسرياً منذ 1982.كما طالب المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالاعتراف بالفشل الذريع في حماية المدنيين في حماة، ومحاولة تصحيح هذا الخطأ التاريخي بالعمل على محاسبة النظام السوري، والسعي للكشف عن مصير المفقودين.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية