"لوع الجمّال قلبي عندما نوى الرحيل" هي واحدة من الأغاني التي اعتاد أن يرددها الفنان السوري الفلسطيني "محمد ديب أبو الرز" لرفاق زنزانته بصوت خافت كي لا يسمعه الجلادون في الخارج علها تنسيه أوجاعه وعذابات روحه التي لم يسمع بها أحد قبل أن يقضي تحت التعذيب بتاريخ 13-9-2018.
وولد أبو الرز الملقب "أبو رام" في مخيم "خان الشيح" عام 1967 لعائلة فلسطينية مناضلة ثم انتقل للعيش في منطقة "الحجر الأسود" جنوب دمشق، درس الابتدائية بالحجر الأسود والثانوية والإعدادية باليرموك، وكان -وفق مقربين منه- ذا صوت جميل منذ المرحلة الابتدائية، حيث بدأ بتجويد آيات من القرآن الكريم بصوت القارىء "عبد الباسط عبد الصمد" ومن ثم بدأ يردد أغاني لـ"عبد الحليم حافظ".
وتعلم العزف على العود والكمان بمفرده في المنزل دون معلم، وانتسب في سنوات شبابه الأولى إلى منظمة الشبيبة الديمقراطية وأسس مع الملحن العراقي "سامي كمال" فرقة "بيسان" للأغنية الثورية والفلكلورية الفلسطينية في سوريا أواخر السبعينات، وبعد سفر "كمال" إلى أوروبا أصبح أبو الرز مديراً للفرقة، إضافة إلى كونه مغنياً ومؤديا أساسيا في الكورال.
وروى قريب لأبي الرز فضل عدم ذكر اسمه لـ"زمان الوصل" أن قريبه الفنان لم يستمر مع فرقة بيسان للفنون الشعبية الفلسطينية التي كانت تابعة لجبهة الديمقراطية في دمشق بل انشق عنها مع كادر كبير منها وأسسوا فرقة جديدة بقيادة "ياسر عبد ربه" وجوبهوا واعتقلوا من قبل مخابرات النظام الذين وقفوا مع الجبهة الديمقراطية يومها وحوربوا بلقمة عيشهم أيضا، كما أنجز –بحسب المصدر- بعض الأعمال الفنية الحرة ومع "أبو حشيش" من تقديم تترات لبعض المسلسلات وطلب منه الفنان "سميح شقير" أن يتعاون معه ببعض الحفلات خارج سوريا (ألمانيا)، وغنى فيما بعد مع "محمد الهباش" في فرقة "العاشقين"، ولم يستمر لشعوره أنه اكبر من هؤلاء وأفضل منهم، شارك مع فرقة الجذور بالتسجيل لعشرات الأغاني في انتفاضة الأقصى، كما عمل وشارك مع عدة فرق منها فرقة القدس، فرقة أجراس العودة وقدم مجموعة أغان في إحياء التراث والفلكلور الفلسطيني. وشارات مسلسلات كـ"أبو البنات" ومسلسل أطفال بعنوان "الفارس الشجاع" إلى جانب مشاركته بعشرات الأغاني لصالح فرقة "إنانا" للمسرح الراقص وحتى فرقة "أورونينا" و"زنوبيا" بالإضافة لعشرات الأغاني الوطنية والقومية مع الملحن "حسين نازك".
ودرس أبو الرز في قسم الفلسفة بجامعة دمشق ولكنه لم يكمل بل سافر كمنحة دراسية إلى الاتحاد السوفياتي كييف ولم يكمل لأنها لم تكن منحة موسيقية وعاد بعد سنة من سفره.
مع بداية حصار جنوب دمشق بقي أبو الرز في الحجر الأسود ومخيم البرموك وحوصر هناك مع أخوته الأربعة، وروى الصحفي كريم راشد الذي كان صديقاً مقرباً لأبي الرز لـ"زمان الوصل" أن "محمد كان بطبعه مسالماً ومحبوباً من جميع المحيطين ويتمتع بصداقات من كافة التيارات السياسية والاجتماعية وكان بيتوتياً يلتزم في منزله باستمرار إلا إذا كان لديه عمل أو ارتباطات وزيارات خاصة وأضاف راشد أن محمد ظلم في حياته وموته ولم يأخذ فرصته كإنسان وفنان مقتدر كما أخذها غيره رغم أنه يمتلك موهبة لافتة وصوتاً جميلاً، وكشف المصدر أن صديقه الراحل بقي في الحجر الأسود بعد خروجه هو من مخيم اليرموك ولم يستطع اصطحابه وأتيحت له فرصة للخروج فيما بعد ليسكن عند شقيقته في منطقة الزاهرة بعد احتجازه مع العشرات لثلاث أيام وتم اعتقاله مع شقيقه من المنزل من قبل دورية تابعة لفرع المنطقة في دف الشوك بتهمة التعامل مع جماعات مسلحة ومعادية للنظام. وبناء على تقارير من عملائه في "الحجر الأسود" و"اليرموك" ومنهم زوج شقيقته الذي كان شرطياً لدى النظام دون ورود أي معلومات عن مكان أو ظروف الاعتقال. ولم يعرف عنه شئ إلى أن جاء خبر استشهاده عن طريق أخيه الذي قال بأنهم طلبوا منه تسليم هويته لعائلته.
ونعى الفنان السوري "سميح شقير" الفنان الفلسطيني السوري على صفحته الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) يوم ورود خبر استشهاده قائلاً:" أنعي إليكم جميعاً الصوت الذي غنيت معه لفلسطين في أقبية النظام السوري، ترى ما الذي يمكن أن يفعله المغني كي يموت هكذا؟ أم مجرّد كلمة حرية كفيلة بهز أركان الدكتاتور.
وبدوره قال الناقد الفني "فادي عبد الهادي" لـ"زمان الوصل" أن صوت "أبو الرز" كان صوتاً ثائراً مرعباً لأعداء الوطن والإنسانية وكان حنوناً على أبناء فلسطين.. مزج في صوته وموهبته ما بين الثورة والحب والحنين، وكان توليفة غريبة عجيبة، أدق وصف لها (الحرية)، هذه الكلمة التي أرعبتهم جميعاً.
وكانت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية قد أعلنت عن توثيقها (533) ضحية من اللاجئين الفلسطينيين عذّبوا حتى الموت على يد عناصر المخابرات السورية إلى جانب آلاف السوريين في الشهر الذي أعلن فيه عن استشهاد "أبو الرز".
وسلّم الأمن السوري للعشرات من ذوي ضحايا التعذيب أوراق أبنائهم الشخصية.
وما يزال آلاف اللاجئين الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال في المعتقلات السورية مجهولي المصير يعانون من انتهاكات كبيرة ويواجهون أقسى أنواع المعاملة اللا إنسانية والتعذيب الممنهج.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية