بين ما رأينا منه وما لم نر، وما سمعنا به وما لم نسمع، وما نقلته لنا وسائل التواصل أو لم تنقل.. يبقى المشهد السوري الأكثر فيضا بالمواقف والكلمات التي تخترق القلوب والوجدان بسرعة مذهلة، فتستقر في دواخلنا مثل "أيقونات" يصعب نسيانها.
من منا مثلاً ينسى عبارة ذلك الطفل الصغير وهو يجود بروحه البريئة معلنا أنه سيخبر الله بكل شيء، ومن منا يستطيع أن يخون ذاكرته ويمحو منها كلمات ذلك الرجل الحلبي وهو يساق للموت سحلا وتعذيبا، بينما الشبيحة يراودونه بكل خسة ونذالة عن زوجته، فيخرسهم بعبارة "هي بنت عمي تاج راسي"، ومن منا يقدر على مكابرة مشاعره وحذف مشاهد لا تحصى من أنين الأمهات أو دموع الرجال المقهورين وهم يشكون إلى الله ما نزل بهم من بلاء الطاغية وأعوانه.
واليوم، لا نظن أن أحدا يمكن له أن يتجاوز ما سيراه ويسمعه من السبعينية السورية "أم حسين" وهي تنهمر حنانا وحبا على زوجها القعيد، مطمئنة إياه إلى أنها ستحمله كما حملها في الأيام الماضية.
تحمل "أم حسين" قطعة قماش تمسح بها وجه زوجها بكل لطف، مرددة: "يا روحي ياعيوني ياقلبي، شلتني كل الأيام الماضية واليوم بدي شيلك يا روحي"، ويرد الزوج بطريقته مبديا تأثره الشديد من محبة شريكة حياته ووفائها العظيم، محاولا إخفاء دموعه.
"أم حسين" التي سجلت عدسة أحد الناشطين لحظات استثنائية لها مع زوجها، تعيش مع "أبو حسين" الذي أصيب بالشلل بعد تعرضه لحادثة سقوط، يتقاسمان مرارات الحياة ومكانا صغيرا في مخيم "كللي" بريف إدلب... مع كثير كثير من الحب والوفاء وحسن العشرة.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية