التصعيد الكلامي الأخير في دمشق مهم في سياق الانتقال الى مرحلة جديدة تسبق المواجهة المباشرة مع اسرائيل
أعتبرت بعض الأوساط المراقبة توصيف الرئيس الإيراني لكلام وزيرة الخارجية الأميركية بكلام "أم العروس" بالموفق, على خلفية تميز كلام وتصرف أم العروس في بلاد المشرق بشكل عام بالضياع والتناقض, نتيجة شعورها بالخوف من دنو افتراقها عن ابنتها. وإن تباينت المواقف حيال صوابية هذا التشبيه أو عدمه, يظل المراقب حذراً فيما خص رأي النظام السوري فيه وفي سياسة الوزيرة كلينتون بشكل عام. ولكن الأكيد هو واستناداً لنهج النظام السوري المعهود, أن رأي الرئيس الإيراني في "أم العروس" لن يدفع بالضرورة الرئيس السوري إلى الهرولة للارتماء في أحضان "أم العريس". والجدير بالذكر أن تحفظ الرئيس السوري عن التعليق على الكلام الذي تناول به الرئيس الإيراني وزيرة الخارجية الأميركية لا يخرج عن نمطية التكتيك المحنكة التي تميز المتعاطين في السياسة في سورية بشكل عام وليس فقط الرئيس السوري. حيث يمكن القول إذا جاز التعبير بأن "إيديولوجية" النظام في سورية ترتكز على قاعدة أساسية وهي "الدخول مع أم العريس والخروج مع أم العروس" مثلما يقول المثل اللبناني الشائع.
وبمراجعة لما جرى خلال المؤتمر الصحافي المشترك مقارنة مع مواقف الرئيسين في الأشهر السابقة, يمكن القول بأن التقارب بين سورية وإيران هو تقارب سطحي ويقف عند حدود التعاون الاقتصادي والتكامل في مجال تمرير الأسلحة للأحزاب المقاومة ك¯"حزب الله" في لبنان وحماس في غزة. ولا يذهب أبعد من ذلك ويظل نائياً جداً عن الانصهار التام في إيديولوجية واحدة كما تدعي إيران. وإن تحاشى ويتحاشى دائماً الرئيس السوري ولوج هذه النقطة الحساسة, رأيناه بالمقابل يصر ويؤكد على متانة العلاقات الثنائية والتي توجت خلال اللقاء الأخير بالتوقيع على اتفاق يقضي بإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.
والملاحظ أن هذا اللقاء الإعلامي الحاشد الأخير في دمشق, لم يؤخر الرئيس السوري عن تجديد موقف سورية المتمسك بتحقيق السلام الشامل والعادل وعلى أساس الأرض مقابل السلام, في سياق تأكيده على أهمية الدور الأوروبي المحوري الداعم للوساطة التركية, وذلك في اليوم التالي لهذا "العشاء التاريخي" صباح يوم 28 فبراير 2010, خلال استقباله لوزير خارجية السويد كار بيلت. وقد لا تكون هناك حاجة للعودة إلى تواريخ سابقة أبعد بكثير من هذه الأخيرة حتى نرى أن مواقف الرئيس السوري ما زالت على حالها ولم تتغير. والدلائل تأتي من مواقف الرئيس السوري خلال الأشهر المنصرمة ومن تصاريحه عند نهاية استقباله للموفدين الدوليين الذين زاروا دمشق في الفترة الأخيرة. فبعد لقائه بمساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية وليام بيرنز, أكد الرئيس السوري على "أهمية الدور الأميركي في عملية السلام يكون داعماً للدور التركي". ومن بعدها أشار إلى الجهة المعرقلة دائماً لتحقيق السلام عند نهاية اجتماعه برئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية التشيكي بان كوهوت الذي قام بزيارة لسورية منذ فترة وجيزة, حين قال بأن "سورية تؤمن بسلام يكفل ضمان أمن واستقرار المنطقة والعالم وأنه لن يتحقق في ظل نوايا إسرائيلية غير حقيقية تجاهه". تلك نماذج من كلام الرئيس السوري كرره ويكرره في مواقع ومناسبات مختلفة, ويمكن إدراجه في سياق واقع يقول بأن "التشدد في الممانعة" ليس هدفاً بحد ذاته لسورية, وإنما وسيلة لتحقيق السلام بالشروط السورية. مع العلم أن هذا الشعار نفسه يشكل بالنسبة للنظام في إيران مبدأ أساسياً ومحورياً في سياسة وإيديولوجية ولاية الفقيه.
وثمة من يرى أن الرسالة السورية وصلت, وبأن التصعيد الكلامي والمناورات السورية الإيرانية المشتركة قد حققت نتائج حسية بدليل استفاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المفاجئة في إعرابه عن استعداده لزيارة دمشق لو لزم الأمر "ومن دون شروط مسبقة". ويأتي موقف نتانياهو هذا بمثابة الرد المتأخر على التقارير التي تحدثت عن أن سورية مستعدة لقبول انسحاب إسرائيلي من الجولان "على مراحل" مقابل إعلان انتهاء حقبة العداوة بينها وبين سورية, وصولاً إلى فتح ممثليات للطرفين... والجدير بالذكر أن هذا الكلام المنسوب لوزير الخارجية السوري وليد المعلم كان قد أدلى به في سياق حوار أجرته معه صحيفة "الغارديان" البريطانية, نشر في شهر ديسمبر الماضي.
ما يمكن استخلاصه من هذه المواقف والمعطيات التي تميز السياسة السورية قد لا يتناقض مبدئياً مع نهج أي دولة سيادية أو نظام يؤثر التمسك بالقدرة على الانفتاح والتفاعل مع مختلف التيارات والمواقف السياسية عبر العالم. لكنه في الحقيقة يتناقض مع سقف الممانعة المتشدد تجاه الكيان الإسرائيلي, والذي من المفترض أن يشكل حداً أقصى لنهج دول محور الممانعة,مثل سورية كما إيران والسلطة المقالة في غزة. إذ لا يمكن للرئيس السوري أن يكون ملتزماً مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ببرنامجه السياسي القائم على اعتبار الولايات المتحدة كالشيطان الأكبر "وبالإمبراطورية المشرفة على الانهيار" كما لا يمكنه مجاراة الرئيس الإيراني بإيمانه الراسخ بأن الدولة العبرية هي "سرطان مزروع في منطقة الشرق الأوسط" ولا بد من إزالتها عن هذه الخارطة, ويسعى في اليوم التالي إلى اعتبار أن الدور الأميركي مطلوب وضروري في إضفاء الجدية على عملية السلام, وأن المفاوضات وصولاً إلى تحقيق السلام مع إسرائيل هو أمر وارد بل مطلوب ولا بد من تحقيقه بموجب القرارات الدولية, واتفاقية مدريد.
مما لا شك فيه أن التصعيد الكلامي الأخير في دمشق مهم في سياق الانتقال إلى مرحلة جديدة, تسبق المواجهة المباشرة مع إسرائيل. تصعيد لا بد منه في هذه المرحلة ولكنه لا يؤشر بالضرورة لانطلاق العمليات الحربية بقدر ما يؤشر للنوايا المشتركة للتعاون والتعاضد في المواجهة المقبلة. لقد سبق لسورية أن أعلنت أن "خيار السلم هو خيارها الستراتيجي", والأرجح أنها باقية عليه حتى ولو على مشارف انطلاق العمليات القتالية, ومتمسكة به حتى ولو لم يكن لها شركاء فعليون في هذا الخيار ضمن حلفائها الحاليين.
كاتبة لبنانية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية