• تشعب الاتهامات التي تواجه العشرات جعلت الحملة "حمالة أوجه"
• عشرات السوريين يشكلون عصب "العصابة" المكونة من 8 جنسيات، ومعظمهم قدم بصفة لاجئ.
• تقف البلاد اليوم على مفترق طرق، ولا أحد يعلم كيف سيتعاطى الإعلام والشارع مع القضية، ولا إلى أين سيأخذها الشعبويون
ربما بدت "غارة الفجر" التي شنتها الشرطة الألمانية صباح يوم الأربعاء أمر اعتياديا يمكن أن يقوم به هذا الجهاز من حين لآخر، ولكن الوقائع التي ارتبطت بحملة المداهمة، وحتى اسمها، يكفيان للإيحاء بأنها حملة لا تشبه غيرها من حملات الدهم، وأن لها ما بعدها كما كان لها ما قبلها.
"زمان الوصل" وفي سبيل إطلاع القراء على مزيد من التفاصيل، تتبعت أثر هذه الحملة في الإعلام الألماني، ورصدت تقارير عديدة حولها، تولت تلخيصها وترجمة أهم ما جاء فيها، عسى أن تتضح الرؤية فيما يخص هذه الحملة وأبعادها، لا سيما أن أغلب من استهدفتهم من المشتبهين هم من السوريين.
ولنبدأ من عنوان الحملة التي اصطلح على تسميتها "الخطب الكبير" أو "الأمر الجلل"، وقد كانت هذه الحملة بالفعل على قدر اسمها حيث شارك فيها نحو 1400 من ضابط وعناصر الشرطة وإنفاذ القانون، اقتحموا نحو 85 منزلا ومقرا ومكتبا في 25 مدينة في 3 ولايات ألمانية مختلفة، في وقت متزامن!
هدف الشرطة الألمانية كان الإيقاع بأكبر عدد ممكن من أعضاء شبكة إجرامية لها امتدادات إرهابية، حسب توصيف السلطات هنا، أسهمت في تداول وتحويل أموال ضخمة تقدر قيمتها بـ140 مليون يورو، ذهب قسم كبير منها إلى تركيا وسوريا.
فقبل أن تشرق شمس يوم الأربعاء، وجد العشرات منازلهم في ولايات: شمال الراين ويستفاليا، ساكسونيا السفلى، وبريمن.. وجدوها مطوقة بقوات من الشرطة، تحمل أوامر بالتفتيش والاعتقال، وقوائم تحوي أسماء 67 مشتبها بهم، غالبيتهم من السوريين.
هؤلاء المشتبه بهم ليسوا في نظر السلطات هنا، مجرد أناس ارتبكوا مخالفات مالية جسيمة بتحويلهم عشرات ملايين اليوروهات بطرق غير مشروعة، بل إن منهم أيضا من له توجهات إجرامية وأخرى إرهابية، ما جعل الحملة عليهم "حمالة أوجه"، ودفع وزير العدل في ولاية شمال الراين للحديث عن "قنبلة" بوجه الجريمة المنظمة، أما وزير داخلية الولاية فقد ذهب للقول بأنهم أغلقوا "صنبورا كبيرا" كانت تتدفق منه الأموال، واصفا الأمر بأنه "لعنة كبرى"، ومتحدثا عن مصادرة سيارات فارهة (لومبرجيني، بورشية..) وذهب وأموال ومقتنيات تفوق قيمتها 3 ملايين يورو، بما في ذلك مجموعة صوت (ستيريو) يعادل ثمنها 100 ألف يورو.
المعلومة التي تهم أكثر السوريين الموجودين في ألمانيا والتي قد تزعج معظمهم، وهم الذين يتراوح عددهم بين 800 ألف ومليون شخص، هي أن السوريين يشكلون ثلثي "العصابة" التي تضج بها وسائل الإعلام المحلية اليوم، فمن أصل 67 مشتبها بتورطهم في "الشبكة" هناك 44 سورياً.
الأخطر في القضية هو البعد "الإرهابي" والإجرامي، حيث تحدثت التقارير صراحة عن رجل سوري في الأربعينات من عمره يعيش في فوبرتال (تم اعتقاله يوم الأربعاء)، وتحوم حوله شبهات كبيرة تخص ارتباطا مزعوما له بـ"جبهة النصرة" المدرجة على قوائم الإرهاب في ألمانيا.
وتذهب التقارير إلى حد القول إن هذا "الإرهابي" لم يكن وحده، بل جلب معه من سوريا "طاقمه الخاص"، أي مجموعة من الأشخاص الذي استخدمهم كـ"بلطجية" لتسيير أموره، وترويع من يهدد أعماله ومصالحه.
وفي مجال تحويل الأموال فإن "نصيب الأسد" من الاتهامات يواجه سوريين آخرين، يبلغ أحدهما 42 عاما والآخر 44 عاما، ويعيشان في كل من "دوسلدورف" و"منشنغلادباخ".. وبذلك فإن "رؤوس العصابة"، سواء من الناحية الملية أو حتى الإرهابية هم 3 سوريين.
وذكرت تقارير ألمانيا أن أغلب السوريين المشتبه بهم في قضية غسل الأموال والإرهاب الحالية قدموا إلى ألمانيا كلاجئين في عز أزمة اللجوء عام 2015، وأنهم باشروا العمل في تحويل الأموال منذ 2016، وأن 80% من أعضاء الشبكة يتلقون المساعدات الاجتماعية، ما يضيف إلى جرائمهم جرمي الاحتيال والتهرب الضريبي، ويمكن أن يرفع سنوات حبسهم إلى 15 سنة، لممتهم الواحد.
وإلى جانب السوريين الـ44، هناك 10 ألمان و5 أردنيين و4 لبنانيين، و4 آخرين، كل واحد منهم من جنسية مختلفة، وبذلك فإن "العصابة" تمثل ما يمكن اعتباره "شبكة دولية" تتضمن أفرادا من 8 جنسيات، يشكل السوريون عمودها الفقري.
ورغم ما عرف عن الألمان من بطء في الإجراءات وتمسك شديد بـ"الروتين"، فقد بدا لافتا أن السلطات اتخذت احتياطاتها على أكثر من جبهة، ففيما كانت تحشد لمداهمة عشرات المواقع بجيش من عناصر الشرطة وإنفاذ القانون، كانت إحدى المحاكم تصدر أحكاما بإلقاء الحجز على ممتلكات تعود للمشتبه بهم وتقدر قيمتها بنحو 140 مليون يورو، وهو نفس المبلغ الذي تشك السلطات أن "العصابة" تداولته وحولته، ما يعني نية الألمان "ضمان كامل حقوقهم المالية"، وجديتهم في استعادة "المبلغ المرقوم" على "دوز بارة" كما تقول إحدى التعابير الشائعة لدى السوريين.
وفي الخلاصة، فإن العصابة التي باتت حديث الإعلام الألماني وشاغل السلطات بوصفها "الخطب الكبير"، إنما تمثل قضية معقدة تتداخل فيها الجوانب الإجرامية بالإرهابية بالمالية (خطف الرهائن، السرقة، المخدرات، تمويل الإرهاب، الاحتيال، التهرب الضريبي، غسل الأموال)، ولا يمكن لأحد أن يعرف كيف سيتعاطى القضاء الألماني مع جوانبها المختلفة، ولا كم سيستغرق النظر بها أمام المحاكم، والأهم لا أحد يعلم كيف سيتناولها الإعلام الألماني في قادم الأيام، ولا كيف ومتى سيستغلها الشعوبيون والمتشددون من السياسيين والأحزاب لمهاجمة اللاجئين والتأثير على صورتهم، لاسيما أن ألمانيا اليوم تقف على مفترق طرق بعد رحيل "المرأة الحديدية" أنحيلا ميركل، وتشعب الاحتمالات المتعلقة بتشكيل الحكومة التي سترسم الخط العام لسياسة البلاد في القضايا الداخلية والخارجية، ومنها وفي صلبها قضية اللجوء والهجرة.
ايثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية