موجات إحباط تكسو السوريين اليوم، بعد تراخي المجتمع الدولي بتعاطيه مع قضيتهم وتعاظم ملامح "عفا الله عما مضى" لوريث الحكم بدمشق، بعد جرائم لم يسجلها تاريخ الطغاة من قبله، فمقتل زهاء 1400 سوري خنقاً بغازات سامة بغوطة دمشق فقط، كفيلة بمحاكمة منظومة حكام ومتآمرين، لا بشار الأسد فحسب.
وجريمة الغوطة واحدة من مئات جرائم الغازات السامة وواحدة من آلاف الجرائم التي ترتكب حتى الساعة، آخرها بالأمس، وقت ماتت أم أمام أطفالها بمخيم لنازحين في قرية "باتنتة" شمال إدلب.
بيد أن العالم الذي ملّ السوريين وقضيتهم، توقف حتى عن إدانة الجرائم وتوثيقها، ربما لأن ما يجري، هو تماماً ما أرادوه أن يجري، فهل أفضل للعالم الديمقراطي من مستبد مدان يحكم قلب جغرافيا الشرق، بعد تهديم كل ما فيها، من ثروات وطاقات وبشر، فهو المثال المشتهى ليحكم كما تقتضي المصالح والتكتلات والجوار المسمى إسرائيل، وإلا فتح الدفاتر القديمة، كما شهدنا بعديد من دول العالم الثالث، جاهزة متى شذّ الحاكم عن شروط من أوجده، وأبيه من قبله.
قصارى القول: يعيش نظام بشار الأسد هذه الآونة، شهر عسله بالانفتاح على الخارج وبدء تكسير، كل ما قيل من عقوبات وحصار. فمجرد أن وافق على تمرير الغاز الاسرائيلي عبر الخط العربي إلى لبنان، بدأت طاقات الفرج تتوسع برعاية أردنية.
والعراب هذه المرة، ليس من حلفاء الأسد على قتل السوريين وحلمهم، إن بطهران أو موسكو، بل وليست حتى الإمارات الشقيقة السباقة في دعم وتسويق الأسد، بل جاءت ضربة السوريين القوية من الأردن الضعيف، فمنذ زيارة الملك الهاشمي عبد الله لواشنطن في يوليو/تموز الفائت، ودعوته الرئيس الأميركي "جوزيف بايدن" لتخفيف عقوبات قانون "قيصر" واستثناء الأردن مبدئياً، لأن "هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟” وانفراجات الأسد تتالى واحدة تلو واحدة.
فرأينا فيما رأينا، زيارة وزير دفاع الأسد لعمان تلتها لجنة وزارية مشتركة وفتح لمعبر جابر ووعود بفتح الخطوط الجوية، لتناغي الإمارات الأردن، بقرارات وتسهيلات وأموال ومشاركة وفد سوري بمعرض "اكسبو 2020 دبي" وغض طرف أمريكي عن عقوبات قيصر ووعود صينية استثمارية وهندية بمساعدات وفرنسية بعلاقات وطيدة ولبنانية وعراقية ومصرية ومغاربية وخليجية، بعودة العلاقات أفضل مما كانت قبل الثورة.
ولكن، هل يمكن إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، ليعود يحكم كامل سورية ويكفي من عليها، بعد أن وصلت نسبة الفقر 92% واستوطن، بأشكال مختلفة، أربعة محتلين على الأرض السورية.
الإجابة وبأغلب الظن، لا يمكن لأي قوة بالعالم، أن تعيد للأسد الشرعية والاستمرارية بالحكم، وإن بقيّ على كرسي أبيه، ربما لسنوات، فسيكون عبئاً قانونياً ومالياً على كل الساعين لحمله وتسويقه.
فإن استثنينا جميع احتمالات فتح ملف جرائم الأسد، حينما ينتهي دوره الوظيفي بالكامل، سنسأل عن إمكانية الاستمرار بواقع المحتلين وتملكهم الثروات والجغرافيا والجوع الذي تعدت عقابيله، الفساد والدعارة والمخدرات. فضلاً عن فقدان الأسد ما يقدمه لكفلائه بالصفح والتسويق، بعد استيلاء إيران وموسكو على ما فوق الأرض وتحتها.
ولكن، مرحلياً بواقع النزاعات ومحاولات اقتسام النفوذ وتشكل تكتلات وأحلاف بالمنطقة، يبقى بقاء بشار الأسد، هو الاتفاق الدولي الوحيد، وإن تنوعت المبررات والأهداف والمصالح، ولكن طول تلك الفترة، يتعلق بالسوريين أنفسهم وربما قبل القرار الدولي.
فأن تستمر المعارضة على ما هي عليه، فذاك مبرر لطول فترة إبقاء الأسد مخافة وصول المتطرفين وتقسيم سوريا أو تحولها إلى دولة فاشلة. في حين بناء معارضة وطنية كفوءة، تحمل هموم الشعب وتجيد تسويق القضية، على نحو سياسي بعيد عن التبعية والاستجداء، يعجّل بقصر عمر الأسد.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية