بحثت ورقة "تقدير موقف" صادرة عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في دوافع الهجوم الذي شنه نظام الأسد وميليشيات إيران على مهد الثورة السورية "درعا" بالتزامن مع حصار للمدنيين اقترب من الشهرين والنصف.
واستعرضت الورقة تاريخ المحافظة التي انطلقت منها شرارة الثورة السلمية قبل أن يجبرها عنف الأسد على التسلح، وبالتالي التحرر من سلطته قبل أن يستعين بالروس لإخصاعها إلى اتفاق تسوية بالتوافق مع الولايات المتحدة والأردن وبالطبع "إسرائيل"، لأسباب أهمها أمني يتعلق بالكيان المحتل، واقتصادي يرتبط بالمملكة الهاشمية.
ورأت أن مناطق خفض التصعيد لم تكن سوى محاولة روسية، هدفها الاستفراد بمناطق المعارضة وتصفيتها، الواحدة تلو الأخرى. فقام النظام، في حزيران/ يونيو 2018، بتجريد حملة عسكرية مدعومة روسيًا للسيطرة على منطقة خفض التصعيد جنوب غرب سوريا، التي تشمل درعا، أو فرض اتفاقات استسلام على فصائل المعارضة الموجودة فيها، بعد أن نجح في فعل الشيء نفسه في منطقتي خفض التصعيد في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي. لكن قرب المنطقة من الأردن وإسرائيل دفع من جديد في اتجاه توافق أميركي – روسي - أردني جديد، لم تكن إسرائيل بعيدة عنه.
وتطرقت الورقة إلى تحول الدور الروسي الذي كان سببا بزيادة دمار المدينة من خلال دعم الأسد سابقا قبل أن يجبر المعارضة على توقيع اتفاقيات تسوية في عدة مناطق سورية منها درعا.
أما في الحملة العسكرية الأخيرة فقد رأت الورقة أن روسيا -خلافًا للعادة- لم تتدخل عسكريًا لمصلحة النظام لحسم أزمة درعا البلد، وإنما فضّلت أن تؤدي دور "الوسيط" بين النظام والمعارضة، رغم أنها تسعى في الحصيلة النهائية لتمكين النظام من استعادة السيطرة كليًا على المنطقة.
ويعود الموقف الروسي الراهن، حسب "تقدير الموقف"، إلى الرغبة في إبقاء الميليشيات الإيرانية التي تشارك في الهجوم على درعا بعيدة عن منطقة الحدود مع الأردن وإسرائيل، وذلك بموجب تفاهماتها مع إسرائيل، فروسيا تريد أن تستأثر وحدها بالنفوذ في هذه المنطقة الحساسة، في إطار تصورها لمنطقة عازلة على امتداد الحدود مع إسرائيل والأردن، تكون السيطرة فيها للنظام السوري برعاية العسكريين الروس المشرفين على نشاط المعارضة المتصالحة، وليس ميليشيات إيران وحزب الله.
واعتبرت أن موسكو تتجنب التسبب في أزمة نزوح كبيرة في هذه المنطقة إلى الأردن الذي ينشط حاليًا على المستوى الدولي لصالح إعادة تأهيل نظام الأسد، واستئناف العلاقات الاقتصادية معه، ومساعي إعادة اللاجئين على أمل الشروع في عملية إعادة إعمار بمشاركة عربية ودولية.
وقد نجحت هذه الجهود في تحقيق اختراق في الموقف الأميركي الذي أعفى الأردن ولبنان من تبعات خرق "قانون قيصر"، والسماح بنقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
ويبدو واضحًا أيضًا أن روسيا ترغب في البناء على توافقاتها الأخيرة مع واشنطن بشأن تمديد دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهذا لا يتحقق إلا إذا استمرت روسيا في التعاون لمنع حصول كارثة إنسانية جديدة في سوريا، بحسب البحث.
واعتبرت الورقة أن عدم وجود فصائل إسلامية متطرفة أو تحمل أعلام تنظيم القاعدة أو ترتبط بتنظيم "الدولة" في درعا يصعّب على روسيا تبرير أي تدخل عسكري واسع لمصلحة النظام على خلاف ما قامت به في مناطق أخرى.
وأرجعت انهيار اتفاق التسوية في درعا البلد إلى ميل النظام وحلفائه، من الميليشيات الإيرانية المشاركة معه في حصار المدينة، إلى حسم الوضع بالقوة العسكرية، معتبرة أن هناك نزعات انتقامية واضحة تجاه المدينة التي أطلقت شرارة الثورة، ورغبة في معاقبة أهلها بإجبارهم على القبول بشروط مذلة أو ترحيلهم في حال رفضوا ذلك.
وفي حين تستمر روسيا في مساعي التوصل إلى تسوية لأسباب متصلة باستراتيجيتها العامة في سوريا، بما في ذلك منع تمركز ميليشيات إيرانية على الحدود مع الأردن وإسرائيل، حتى لا تتحول المنطقة إلى ساحة حرب إيرانية - إسرائيلية، يشجع غياب موقف أميركي واضح مما يجري في درعا إيران وميليشياتها على الاستمرار في تنفيذ الحل الأمني للأزمة، ومحاولة إيجاد موطئ قدم لها على الحدود مع "إسرائيل" تمنحها أدوات ضغط وعناصر قوة إقليمية إضافية.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية