في سعيه لاستبدال رموز مدينة حمص بأخرى جديدة ومحو هويتها المعمارية والتاريخية أزال النظام ساعة حمص القديمة التي لم يقتصر عملها على تحديد الوقت وضبط إيقاع المدينة، بل ارتبطت بروح المدينة وذكريات أهلها طوال عشرات السنين.
وهدمت ورشات مجلس مدينة حمص برج الساعة وأزالتها بعد أن بنت إلى جانبها العام الماضي مجسماً أطلقت عليه "نصب الجندي المجهول".
وتقع ساعة حمص القديمة وسط ساحة الشهداء أول طريق حماة وعند تقاطع شوارع حماة والقوتلي "شارع السراي" والحميدية، أقامها الفرنسيون لدى احتلالهم سوريا عام 1923، إلا أن أهالي حمص اعتبروا هذه الساعة رمزاً للاستعمار، فلم يوفروا مناسبة لتوجيه حجارتهم لها إلا واستغلوها.
واستمرت هذه الساعة الفرنسية المصنوعة من النحاس الخالص بالعمل، حتى توقفت عقارب الوقت في المدينة وتحولت إلى جرس يدق في عالم النسيان.
ورغم عمليات التطوير الكثيرة التي شهدتها الساحة ظلت ساعة حمص القديمة رمزاً تراثياً للمدينة، وتحولت في وقت من الأوقات إلى شاهد على تنفيذ أحكام الإعدام بحق المجرمين في الساحة المحيطة بها، وبقيت حمص على تمرّدها على ساعتها الفرنسية حتى يوليو 1951 حين زارت المغتربة السورية "كرجية حداد" حمص ضمن وفد سوري برئاسة الوزير المفوض في البرازيل آنذاك الشاعر المعروف "عمر أبو ريشة"، وخلال تلك الزيارة تبرعت هذه المغتربة بمبلغ 30 ألف ليرة سورية لبلدية حمص لإقامة ساعة كبيرة في ساحة "جمال عبد الناصر" وسط المدينة.
ومن أطرف الحكايات حول هذه الساعة ما رواه بعض الأهالي أن عمال البلدية الذين كانوا يعملون في ورديات ليلية كانوا يمدون خشبات مكانسهم لزيادة الوقت حتى يعتقد مراقبهم أن وقت ورديتهم انتهى ويخرجون أبكر من وقتهم المخصص.
وأثار خبر إزالة الساعة موجة من الاستياء والانتقاد من أهالي المدينة للرمزية التي تمثلها بالنسبة لهم، حيث رأى "معتز الزيدي" أن إزالة الساعة القديمة هو محاولة من النظام لتغيير معالم مدينة حمص ظناً منه بأنه سيمحو تاريخنا وذاكرتنا.
وأضاف "الزيدي" أن حمص بقيت مدينة عصية على الطغاة والمحتلين طوال تتالي المحتلّين والمستعمرين.
بينما علق الكاتب والمهندس "عبدالباسط فهد": "بالأمس أكاسيا الغوطة والبارحة نخيل طريق الشام واليوم الساعة العتيقة وسط حمص. مجالس المدن المتعاقبة فتكت بحمص القديمة ومازالت".
أما Tarafa Homsi فعقّب قائلاً: "كان من الأجدر إبقاء هذا المعلم وصيانته وبناء شيء جديد في مكان اخر من حُمُّص الطيبة"، وأضاف متسائلاً: "هل سيمر 100 عام لإنجاز ما هدم؟".
وقال د."غسان عبدالمنعم دندل" مخاطباً من يحاولون تشويه هوية المدينة: "غيروا معالمها...كيف ما تشاؤون... لن تستطيعوا ان تغيروا تاريخها...اسماء شهداءها...احياءها المنتفضة...لون حجارتها....شاهدات القبور....وعبق الدماء.....لن تستطيعوا ان تحاصروا افكارنا.... بل سيحاصركم اسمها وانتم على اعواد المشانق".
وبدوره زعم مجلس مدينة حمص في منشور على حسابه في "فيسبوك" أن إزالة الساعة يهدف إلى تحسين وتجميل معالم مدينة حمص المميزة وإظهارها بالشكل اللائق.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية